تعتبر سوريا واحدة من أبرز ساحات الصراع الجيو سياسي في الشرق الأوسط، حيث تتداخل فيها مصالح القوى الكبرى ومواقف الأطراف الإقليمية والدولية. في هذا السياق، يلعب الوجود الأمريكي دوراًً محورياً ، ويعكس ذلك أهدافا وتوجهات تتجاوز البعد العسكري لتشمل الأبعاد السياسية والاستراتيجية. يمكن تلخيص اهداف المشروع الأمريكي في سوريا في عدة نقاط : أولاً- تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى القضاء على تنظيم داعش بشكل كامل وضمان عدم عودته إلى الأراضي السورية. ثانياً- تسعى واشنطن إلى تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة من خلال دعم هياكل الحكم المحلية وتعزيزها، وخاصة في المناطق التي تحت سيطرة الادارة الذاتية . ثالثاً- تهدف السياسة الأمريكية إلى مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، والذي تعتبره واشنطن تهديدا للأمن الإقليمي. يستند المشروع الأمريكي في سوريا إلى تعزيز الاستقرار من خلال دعم العمليات السياسية والاقتصادية. ويشمل ذلك تقديم المساعدات الإنسانية وتنمية البنية التحتية، بما يتماشى مع استراتيجية الولايات المتحدة لبناء تحالفات مع القوى المحلية وتجنب الانغماس المباشر في النزاعات. تؤكد الولايات المتحدة على ضرورة التوصل إلى حل سياسي شامل للصراع السوري، كما ورد في القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. حيث ينص هذا القرار على أهمية التوصل إلى تسوية سياسية من خلال عملية تشمل جميع الأطراف السورية، بما في ذلك تشكيل لجنة دستورية وتحديد مواعيد للانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة ، وترى واشنطن أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء النزاع العسكري وتجنب أي تصعيد قد يعرقل استقرار المنطقة. وفي هذا ، يشهد المشروع الأمريكي في سوريا توافقاً مع طموحات الكرد ومصالحهم إلى حد كبير ، ويبرز دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية (قسد ) كجزء من استراتيجية مكافحة داعش، حيث تلعب هذه القوات دوراً حاسماً على الأرض . فالكرد بدورهم، يسعون إلى تحقيق الاعتراف بالادارة الذاتية في شمال شرق سوريا ، وهو ما يتماشى مع الرؤية الأمريكية التي تدعم استقرار المناطق المحررة من داعش ويعزز من فرص بناء نظام سياسي يضمن حقوق الأقليات. وفي ظل التحديات التي تواجه الكرد، وفي مقدمتها التهديدات التركية باجتياح كافة مناطق الإدارة ، وإقامة مناطق آمنة فيها على طول حدودها ، وبعمق ٤٠ كم كما جرى أثناء احتلال عفرين وكري سبي وسري كانيه وبالتالي فإن الانخراط الفعّال في المشروع الأمريكي ، يعتبر ضمانة حقيقية لحماية الإدارة الذاتية. فمن شأن هذا الانخراط ، ان يشكل حائط صد ضد التهديدات المحلية والإقليمية، بما في ذلك التصعيد المحتمل من قبل النظامين السوري والتركي . كما يعزز من فرص الكرد في أي مفاوضات سياسية قادمة، مما يساهم في حماية مكتسباتهم وتحقيق أهدافهم السياسية .
الخلاصة:
إن الوجود الأمريكي في سوريا يشكل جزءًا من استراتيجية أوسع لواشنطن في الشرق الأوسط، ويمثل بالنسبة للكرد فرصة لتحقيق الاعتراف الدولي بالإدارة الذاتية وحماية مناطقهم من التدخلات الإقليمية، خاصة التركية. وفي ظل تعقيدات المشهد السوري، يبقى المشروع الأمريكي في سوريا ذا أهمية كبرى للكرد، ويعزز من فرصهم في تحقيق أهدافهم السياسية وحماية مكتسباتهم في مرحلة ما بعد داعش.