لن تنتهي الحرب الحالية بين إسرائيل و”حزب الله” على النحو الذي انتهت إليه حرب العام 2006. فقد أنهى الحرب الأخيرة قبل 18 سنة اتفاق دولي–إقليمي قضى بألاّ يعود “حزب الله” إلى التحرّش بإسرائيل أو تهديد أمن الحدود والمناطق الشمالية من إسرائيل. وجرت ترجمة الاتفاق الدولي–الإقليمي عبر القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن في 12 آب (أغسطس) 2006، وتوقف بعدها القتال ليدخل كلا الطرفين في هدنة طويلة، انتهت من الناحية العملية في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. والحقيقة أن القرار 1701 والهدنة التي سادت قرابة عقدين من الزمن أفسحا في المجال أمام أهل الجنوب من جميع الفئات ليحققوا تنمية اجتماعية واقتصادية كبيرة، فيما استغلها “حزب الله” من أجل تقوية قدراته العسكرية، وبناء قوة كبيرة وخطيرة في قلب المناطق التي كان القرار نصّ على خلوّها من السلاح والمسلحين.
صحيحٌ أن إسرائيل خرقت القرار مئات المرّات عبر انتهاك الأجواء اللبنانية، لكن الصحيح أيضاً أن “حزب الله” واظب على إفراغ القرار من مضمونه العملي. ووصل به الأمر إلى حدّ الاعتداء المنهجي على قوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل” في كل مرّة كانت تحاول هذه الأخيرة أن تقوم بعملها لتأمين خلو منطقة عملياتها من السلاح. وذات مرّة عمد الحزب بواسطة مناصريه إلى إعدام أحد جنود القوة الإيرلندية بعدما ضلّ طريقه بدم بارد. ولم تتمّ محاسبة الحزب المذكور.
لقد أسقط “حزب الله” القرار 1701 في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. لكنه أخيراً عاد بعدما تعرّض لأقسى الضربات من إسرائيل ليرسل إشارات متناقضة حول القرار وحول موضوع وقف إطلاق النار. وفي المقابل فإن المستوى الرسمي الممثل برئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أعلنا عن تمسكهما بقوة بالقرار 1701. لكن السؤال هل لا يزال القرار صالحاً اليوم؟ تقديرنا أن مضمونه وفلسفته صالحان، لكن صياغته صارت من الماضي. فإذا كان الغرض من إقراره عام 2006 هو إنهاء القتال وإقرار هدنة طويلة، فإن الغرض من أي قرار اليوم يجب أن يكون طي صفحة الحروب الإقليمية نهائياً انطلاقاً من الأراضي اللبنانية. بمعنى آخر، أن القرار 1701 يحتاج إلى تغيير. إنه يحتاج بعد فترة من القتال أن يُستبدل بقرار أممي جديد يقلب صفحة الحروب في لبنان. وبالتالي فإن القرار الأساسي الذي يجب التفكير به كمرجعية لأي قرار جديد هو القرار نفسه الذي شكّل مرجعية للقرار 1701، إنما جرى تجاهله والقفز فوقه من خلال البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة التي شُكّلت بعد غزوات “حزب الله” لبيروت ومناطق الجبل في 7 و11 أيار (مايو) 2008. وقد نصت جميع البيانات الوزارية المصاحبة لتشكيل الحكومات على ثلاثية “الجيش الشعب والمقاومة”، المرجعية يجب أن تكون على الدوام “اتفاق الطائف” والقرارين 1559 و1680. والأهم إبطال مفاعيل “اتفاق الدوحة” للعام 2008 الذي فرض على اللبنانيين بقوة السلاح إما بالاغتيالات أو بالغزوات المسلحة.
والحال أنه بعد أن جرى توريط لبنان بالحرب، لم يعد من الممكن القبول بأن يبقى لبنان أسيرَ أجندة إيران الإقليمية. والتجربة الأخيرة قاسية بما فيها الكفاية لكي تؤكد لنا ولأصحابها أنها فشلت فشلاً ذريعاً. فلم تحم لا لبنان ولا أصحابها. وانتهى الأمر بكارثة كبيرة سوف يحتاج لبنان إلى سنوات طويلة لكي يلملم جراحه منها. ومن هنا وبمعزل عن رأينا بأخطائهم، فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المستوى السياسي اللبناني بدءاً من رئيس مجلس النواب الذي سيتعين عليه احتواء الوضع الكارثي الذي وُضعت فيه الطائفة الشيعية الكريمة. والاحتواء هنا صعب لأن الجمهور الذي كان متعلقاً بـ”حزب الله” وبأمينه العام السيد حسن نصرالله يحتاج إلى وقت لكي تنقشع أمامه الصورة الحقيقية والواقعية للوضع المستجد. ومن السابق لأوانه توقّع نتائج المعركة على الأرض في الجنوب. وعلى الرغم من أن مَن بقي في سدّة القيادة في “حزب الله” يراهن على استعادة شيء من التوازن مع الإسرائيلي عبر إنجازات في ساحة الجنوب، فإن المعيار سيكون متصلا ًبالقرار الكبير الذي اتُخذ على المستوى الدولي والإقليمي في ما يتعلق بمصير “حزب الله” كتنظيم عسكري. فالحزب كحالة سياسية واجتماعية لا خلاف حوله. المشكلة هي السلاح والوظيفة الإقليمية العسكرية والأمنية. ومن هنا علينا أن نتوقع هزّات كبيرة مقبلة داخل لبنان وفي الإقليم إذا ما سقط “حزب الله” كقوة عسكرية، وأيضاً في حال العكس، إذا ما نجا من الحرب الحالية. أمامنا أسابيع طويلة يتقرر فيها المشهد الإقليمي.
صحيحٌ أن إسرائيل خرقت القرار مئات المرّات عبر انتهاك الأجواء اللبنانية، لكن الصحيح أيضاً أن “حزب الله” واظب على إفراغ القرار من مضمونه العملي. ووصل به الأمر إلى حدّ الاعتداء المنهجي على قوات الطوارئ الدولية “اليونيفيل” في كل مرّة كانت تحاول هذه الأخيرة أن تقوم بعملها لتأمين خلو منطقة عملياتها من السلاح. وذات مرّة عمد الحزب بواسطة مناصريه إلى إعدام أحد جنود القوة الإيرلندية بعدما ضلّ طريقه بدم بارد. ولم تتمّ محاسبة الحزب المذكور.
لقد أسقط “حزب الله” القرار 1701 في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. لكنه أخيراً عاد بعدما تعرّض لأقسى الضربات من إسرائيل ليرسل إشارات متناقضة حول القرار وحول موضوع وقف إطلاق النار. وفي المقابل فإن المستوى الرسمي الممثل برئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أعلنا عن تمسكهما بقوة بالقرار 1701. لكن السؤال هل لا يزال القرار صالحاً اليوم؟ تقديرنا أن مضمونه وفلسفته صالحان، لكن صياغته صارت من الماضي. فإذا كان الغرض من إقراره عام 2006 هو إنهاء القتال وإقرار هدنة طويلة، فإن الغرض من أي قرار اليوم يجب أن يكون طي صفحة الحروب الإقليمية نهائياً انطلاقاً من الأراضي اللبنانية. بمعنى آخر، أن القرار 1701 يحتاج إلى تغيير. إنه يحتاج بعد فترة من القتال أن يُستبدل بقرار أممي جديد يقلب صفحة الحروب في لبنان. وبالتالي فإن القرار الأساسي الذي يجب التفكير به كمرجعية لأي قرار جديد هو القرار نفسه الذي شكّل مرجعية للقرار 1701، إنما جرى تجاهله والقفز فوقه من خلال البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة التي شُكّلت بعد غزوات “حزب الله” لبيروت ومناطق الجبل في 7 و11 أيار (مايو) 2008. وقد نصت جميع البيانات الوزارية المصاحبة لتشكيل الحكومات على ثلاثية “الجيش الشعب والمقاومة”، المرجعية يجب أن تكون على الدوام “اتفاق الطائف” والقرارين 1559 و1680. والأهم إبطال مفاعيل “اتفاق الدوحة” للعام 2008 الذي فرض على اللبنانيين بقوة السلاح إما بالاغتيالات أو بالغزوات المسلحة.
والحال أنه بعد أن جرى توريط لبنان بالحرب، لم يعد من الممكن القبول بأن يبقى لبنان أسيرَ أجندة إيران الإقليمية. والتجربة الأخيرة قاسية بما فيها الكفاية لكي تؤكد لنا ولأصحابها أنها فشلت فشلاً ذريعاً. فلم تحم لا لبنان ولا أصحابها. وانتهى الأمر بكارثة كبيرة سوف يحتاج لبنان إلى سنوات طويلة لكي يلملم جراحه منها. ومن هنا وبمعزل عن رأينا بأخطائهم، فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المستوى السياسي اللبناني بدءاً من رئيس مجلس النواب الذي سيتعين عليه احتواء الوضع الكارثي الذي وُضعت فيه الطائفة الشيعية الكريمة. والاحتواء هنا صعب لأن الجمهور الذي كان متعلقاً بـ”حزب الله” وبأمينه العام السيد حسن نصرالله يحتاج إلى وقت لكي تنقشع أمامه الصورة الحقيقية والواقعية للوضع المستجد. ومن السابق لأوانه توقّع نتائج المعركة على الأرض في الجنوب. وعلى الرغم من أن مَن بقي في سدّة القيادة في “حزب الله” يراهن على استعادة شيء من التوازن مع الإسرائيلي عبر إنجازات في ساحة الجنوب، فإن المعيار سيكون متصلا ًبالقرار الكبير الذي اتُخذ على المستوى الدولي والإقليمي في ما يتعلق بمصير “حزب الله” كتنظيم عسكري. فالحزب كحالة سياسية واجتماعية لا خلاف حوله. المشكلة هي السلاح والوظيفة الإقليمية العسكرية والأمنية. ومن هنا علينا أن نتوقع هزّات كبيرة مقبلة داخل لبنان وفي الإقليم إذا ما سقط “حزب الله” كقوة عسكرية، وأيضاً في حال العكس، إذا ما نجا من الحرب الحالية. أمامنا أسابيع طويلة يتقرر فيها المشهد الإقليمي.