تشهد الساحة السياسية التركية اليوم تطورات سريعة وبراغماتية , ربما لم تكن متوقعة من معظم المراقبين على الأقل في هذا الوقت بالذات , وذلك بمصافحة السيد دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية التركية المتشدد , والذي يعتبر الوجه الظاهري للدولة العميقة لنواب حزب الشعوب الديمقراطي وامتداده في الجلسة الأولى للبرلمان في دورته التشريعية الجديدة بعد العطلة السنوية , وما تلى ذلك من تطورات على المستوى الإعلامي والوسط السياسي مروراً بزيارة رئيس الجمهورية السيد أردوغان إلى السيد دولت بهجلي في بيته وما خرج منهما من تصريحات وخاصةً دعوته لزعيم حزب العمال الكردستاني بالحضور إلى البرلمان و الاعلان عن وقف الأعمال القتالية وحل حزب العمال الكردستاني , وما تلاها من اتصالات وجولات سياسية مكثفة كزيارة رئيس حزب الشعب الجمهوري للسيد صلاح الدين دمرتاش في سجنه , وجولته الحالية في مدن كردستان الشمالية , والجميع يتحدث عن حل القضية الكردية وتغيير الدستور وما إلى ذلك .
باختصار شديد التطورات الإقليمية السريعة في المنطقة هي التي دفعت اتفاق الجمهور الحاكم في تركيا وخاصةً الحرب في غزة ولبنان والتحديات الطارئة دفعت النظام التركي إلى إعادة ترتيب أوراقه الداخلية والتي تبدأ بالمصالحة مع الكرد وخاصةً بعد تورطه في احتلال الشمال السوري وأجزاء من جغرافية كردستان الغربية والجنوبية واعلانه الحرب المفتوحة ضد الشعب الكردي وطموحاته القومية بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي المنهار والانقسام الخطير في الشارع التركي عرقياً ومذهبياً وطبقياً والاقتراب من حافة تدهور السلم الأهلي … كل تلك العوامل ولكي تبقى تركيا دولة إقليمية ذو شأن تجبر النظام الحاكم على التوجه إلى مصالحة داخلية سواءً كانت جادة أو مخادعة .
من الواضح أنه ستكون هناك مواقف معارضة من دول إقليمية وغيرها وخاصةً إيران وروسيا , وربما عواصم عربية أيضاً , كونها المتضرر المباشر من أية مصالحة كردية – تركية , وذلك بسبب تعارض مشاريعها إقليمياً ودولياً , وربما تحاول العمل في اتجاه اجهاض الصلح المزعوم .
على أية حال وبغض النظر عن عدم معرفتنا بما يجري تحت الطاولة بما فيها محاولة النظام التركي ابعاد الكرد عن التقارب الحاصل مع المعارضة الداخلية وخاصة حزب الشعب الجمهوري الذي حصل على أكبر عدد أصوات متقدماً على حزب العدالة الحاكم في انتخابات الإدارة المحلية الأخيرة وعوامل أخرى كثيرة كالتمهيد لشرعنة اعادة انتخاب السيد أردوغان وغيرها .
إذاً , الكرد لا يخسرون في الحل السلمي , ولكن لا بد من التحضير له بشكل مسؤول ضمن مطلب خارطة طريق واضحة لحل القضية الكردية بضمانات , والاستعداد لمختلف السيناريوهات الصعبة , والتي تعتبر أصعب من حالة الحرب وأهمها عدم السماح لاختراق الصف الكردي , كي لا يقوم النظام بانقاذ نفسه مرة أخرى على حساب الكرد وقضيتهم العادلة , كما حصل في ملاز كري ( ملاز كرت ) وجالديران ولوزان .
ولكي يبرهن اتفاق الجمهور الحاكم عن حسن نيته لا بد أن يخطو خطوات جادة أهمها رفع العزلة عن زعيم حزب العمال الكردستاني السيد عبدالله أوجلان واطلاق سراحه , وكذلك فتح السجون أمام الآلاف من معتقلي الرأي من الكرد بمن فيهم السيد صلاح الدين دمرتاش , والبدء بتطبيق اصلاحات إدارية وخدمية وفصل السلطات وعدم تسييس القضاء والعمل الجاد على إعادة الثقة بين الشارع الكردي والتركي وغيرهم .