بعث أكثر من 500 من المعينين السياسيين والموظفين، يمثلون نحو 40 وكالة حكومية رسالة إلى الرئيس جو بايدن مؤخراً، احتجاجاً على دعمه إسرائيل في حربها على قطاع غزة.

وتدعو الرسالة، التي تأتي في إطار المعارضة الداخلية المتزايدة لدعم الإدارة الأميركية للحرب، الرئيس إلى السعي إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، والضغط على إسرائيل للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وتعد الرسالة الأحدث من بين رسائل احتجاج عدة من المسؤولين بجميع أركان إدارة بايدن، بما في ذلك ثلاث مذكرات داخلية موجهة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وقَّعها العشرات من موظفي وزارة الخارجية، علاوة على رسالة مفتوحة وقَّعها أكثر من ألف موظف في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

يُذكر أن الموقِّعين على رسالة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية المقدمة، ظلت هويتهم مجهولة. وبرَّر الموقعون هذا الأمر بـ«القلق على سلامتنا الشخصية، وخطر احتمال فقدان وظائفنا». وجدير بالذكر أنه يجب على الموقعين على برقيات وزارة الخارجية الاحتجاجية، أن يكشفوا عن أسمائهم، لكنَّ هذه البرقيات لم يجرِ نشرها علناً.

ورغم أن إدارة بايدن بدأت خلال الفترة الأخيرة في التعبير عن قلقها بشأن الأعداد الكبيرة من المدنيين الفلسطينيين الذين لقوا مصرعهم، بينما حثَّت إسرائيل على ضبط النفس، فإن هذه الانتقادات الناشئة لا يبدو أنها كافية لإرضاء الكثيرين داخل الحكومة الأميركية.

بدأت الرسالة، التي اطلعت صحيفة «نيويورك تايمز» على نسخة منها، بإدانة هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي التي شنَّتها «حماس»، ثم حثت بايدن على وقف إراقة الدماء الناجمة عن الحملة العسكرية الانتقامية التي تشنّها إسرائيل على غزة.

ونصت الرسالة: «ندعو الرئيس بايدن إلى المطالبة بشكل عاجل بوقف إطلاق النار، والدعوة إلى وقف تصعيد الصراع الحالي، من خلال ضمان الإفراج الفوري عن الرهائن الإسرائيليين وكذلك الفلسطينيين المحتجزين تعسفياً، واستعادة خدمات المياه والوقود والكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية، وضمان مرور المساعدات الإنسانية الكافية إلى قطاع غزة».

وواصل المنظمون جمع التوقيعات حتى بعد تسليم الرسالة إلى بايدن، وكانت الرسالة تحتوي على نحو 100 اسم إضافة إلى الـ402 الذين حملت الرسالة توقيعاتهم رسمياً. وقال منظمو الرسالة إنَّهم يعتزمون إبلاغ البيت الأبيض يومياً بعدد التوقيعات المحدَّثة.

وقال اثنان من المعينين السياسيين الذين ساعدوا في تنظيم الرسالة الموجهة إلى بايدن، إنَّ غالبية الموقّعين سياسيون معيّنون ينتمون إلى مختلف الأديان، ويعملون بجميع أنحاء الحكومة، التي تتنوع ما بين مجلس الأمن الوطني ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل.

وقد سبق أن ساعد بعض الموقِّعين بايدن في انتخابه عام 2020، وقالوا خلال مقابلات أُجريت معهم إنهم يشعرون بالقلق من تعارض دعم الإدارة لحرب إسرائيل على غزة، مع موقف الناخبين الديمقراطيين حيال هذه القضية.

وأكدت الرسالة أن «الأغلبية الساحقة من الأميركيين تدعم وقف إطلاق النار»، في إشارة إلى استطلاع للرأي أُجري في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أظهر أن 66 في المائة من الأميركيين، بما في ذلك 80 في المائة من الديمقراطيين، يعتقدون أنه يتعين على الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار.

إضافة إلى ذلك، لا يرغب الأميركيون في تورط الجيش الأميركي في حرب أخرى مكلفة ولا معنى لها في الشرق الأوسط.

جدير بالذكر أن إسرائيل شنَّت غزواً برياً، الشهر الماضي، على غزة رداً على الهجمات الدموية التي شنتها «حماس»، والتي أسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص، تبعاً لما أعلنته الحكومة الإسرائيلية. وحتى الآن، فقد أكثر من 11 ألف فلسطيني حياتهم في الهجوم العسكري الإسرائيلي، طبقاً لما أعلنته وزارة الصحة في غزة.

وقال بايدن وبلينكن، مثلما الحال مع القيادة الإسرائيلية، إنهما يعارضان وقف إطلاق النار –بمعنى وقف طويل الأمد للقتال، الأمر الذي تصاحبه عادةً مفاوضات سياسية– على أساس أن وقف إطلاق النار سينقذ «حماس»، ويسمح لها بإعادة تشكيل صفوفها لشن هجمات مستقبلية. ودعوا بدلاً من ذلك إلى «وقفات مؤقتة»، بمعنى توقفات قصيرة في القتال ربما تستمر لبضع ساعات، للسماح بتنفيذ مهام إنسانية محددة بوضوح، مثل توصيل المساعدات إلى غزة وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم «حماس». وقال مسؤولون أميركيون إنهم بذلوا جهوداً أكبر من أي دولة أخرى لضمان دخول بعض المساعدات على الأقل إلى غزة.

وقال الشخصان اللذان ساعدا في وضع الرسالة الموجهة إلى بايدن، إنهما وافقا على العمل مع الإدارة، لأن الرئيس أكد أنه يريد حكومة أكثر تمثيلاً للناخبين الأميركيين. إلا أنهما أضافا أن مخاوفهما ومخاوف المعيّنين السياسيين الآخرين جرى تجاهلها إلى حد كبير.

وقال بعض المسؤولين الأميركيين في أحاديثهم الخاصة إنه في الوقت الذي يرحب كبار المسؤولين بالخلاف، يجب على موظفي الحكومة أن يستوعبوا ويقبلوا أنهم لن يتفقوا دائماً مع السياسة الأميركية. وقال المسؤولون إن المعارضة بخصوص غزة تعكس فجوة بين الأجيال، وتأتي في الجزء الأكبر منها من جانب موظفين في العشرينات والثلاثينات من العمر، على الرغم من أن الكثير من كبار السن وقّعوا كذلك على وثائق معارضة، تبعاً لما ذكره الأشخاص الذين جمعوا التوقيعات.

وتأتي رسائل الاحتجاج بعد اجتماع مثير للجدل في 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي داخل مبنى أيزنهاور الإداري، حيث اجتمع 70 من المعيّنين السياسيين المسلمين والعرب مع مسؤولين بارزين في إدارة بايدن، بينهم جيفري زينتس، رئيس فريق العاملين بالبيت الأبيض، ودوغ إيمهوف، زوج نائبة الرئيس بايدن، كامالا هاريس.

بدأ الاجتماع بسؤال عام: كم عدد المعيّنين السياسيين الذين واجهوا ضغوطاً من العائلة أو الأصدقاء كي يتقدموا باستقالتهم، احتجاجاً على دعم إدارة بايدن لإسرائيل؟ فارتفعت العشرات من الأيدي، حسب أحد الحاضرين وآخَر اطَّلع على تفاصيل الاجتماع.

وفتح كبار المسؤولين في الإدارة الباب لتلقي الأسئلة والتعليقات. وبكى بعض الحاضرين في أثناء مطالبتهم الإدارة بالدعوة إلى وقف إطلاق النار، والحد من شحنات الأسلحة الموجهة إلى الجيش الإسرائيلي، والتوقف عن تجاهل الضحايا المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.

كانت مذكرات وزارة الخارجية الموجَّهة إلى بلينكن عبارة عن برقيات مرسلة داخلياً، عبر ما تُعرف بقناة المعارضة. وجرى إنشاء القناة خلال حرب فيتنام لتشجيع موظفي الإدارة على مشاركة الخلافات مع السياسة الرسمية. وبموجب قواعد وزارة الخارجية، يتمتع المنشقون بالحماية من إجراءات الانتقام.

من جهته، رد بلينكن، على المعارضة الداخلية في رسالة أرسلها بالبريد الإلكتروني إلى موظفي الوزارة. وكتب: «أعلم بالنسبة لكثيرين منكم أن المعاناة الناجمة عن هذه الأزمة تحمل أثراً شخصياً عميقاً»، مضيفاً أنه يدرك أن «بعض الأشخاص في الوزارة قد يختلفون مع الأساليب التي نتبعها أو لديهم وجهات نظر حول ما يمكن أن نفعله على نحو أفضل…

نحن ننصت؛ ما تشاركونه يوجه سياستنا ورسالتنا».