أقر النظام السوري أخيراً بتوغل الجيش الإسرائيلي في المنطقة العازلة التي تفصل الجولان السوري المحتل عن الأراضي السورية، مكتفياً بـ”التحذير” من خطورة هذه الأفعال، وإبلاغ الأمانة العامة للأمم المتحدة بما أسماها “الانتهاكات”، والتي تعد تجاوزاً لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة في عام 1974 بين تل أبيب والنظام السوري، والتي نصّت على أن “إسرائيل وسورية ستراعيان بدقة وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو، وستمتنعان عن جميع الأعمال العسكرية فور توقيع هذه الوثيقة”. وحددت الاتفاقية بالتفصيل أماكن قوات النظام والجانب الإسرائيلي، ومنطقة الفصل بينهما والتي تبلغ مساحتها حوالي 400 كيلومتر مربع، ورابطت بها منذ ذلك الحين قوة مراقبة تابعة للأمم المتحدة يبلغ عددها 1200 عنصر.
وفي جلسة مجلس الأمن الدولي حول سورية، الخميس الماضي، قال المندوب السوري لدى الأمم المتحدة قصي الضحاك، إن إسرائيل مستمرة في انتهاك اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 “بشن عدوانها على الأراضي السورية من جهة الجولان السوري المحتل”. وأضاف أن إسرائيل “أقدمت أخيراً على حفر خنادق، ورفع سواتر ترابية بمحاذاة خط وقف إطلاق النار في القسمين الشمالي والجنوبي من منطقة الفصل”، مشيراً إلى أن قيادة قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك “أوندوف” أجرت تحقيقات “بشأن قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بأعمال هندسية تشمل حفر خندق يمتد لمسافة 350 متراً، وبعرض ستة أمتار، وغيرها من الانتهاكات مثل أعمال تجريف الأراضي الزراعية وشق الطرقات”. ولفت المندوب إلى أن النظام السوري “أبلغ الأمانة العامة للأمم المتحدة بهذه الانتهاكات”، محذراً “من خطورة هذه الأفعال الإسرائيلية العدوانية التي تهدف لخلق واقع جديد في المنطقة”.
وكانت أظهرت صور أقمار اصطناعية حللتها وكالة أسوشييتد برس، منتصف الشهر الحالي، أن إسرائيل بدأت مشروع بناء على طول ما يسمى الخط “ألفا” الذي يفصل مرتفعات الجولان المحتلة عن سورية، في تجاوز واضح لاتفاقية فك الاشتباك. وذكرت الوكالة أن الصور تظهر إنشاءات بطول 7.5 كيلومترات على امتداد الخط “ألفا”. وطيلة السنوات الماضية تعرضت الأراضي السورية لانتهاكات واسعة سواء من الجو أو على الأرض من قبل الجانب الإسرائيلي، إلا أن النظام لم يحاول أبداً التصدي أو الرد عليها عسكرياً أو حتى قانونياً، ويكتفي في كل مرة بالشكوى إلى الأمم المتحدة.
النظام السوري يتجنب الصدام
يعكس صمت النظام على هذه الانتهاكات عجزه عسكرياً، فضلاً عن كونه لا يريد أي صدام مع الجانب الإسرائيلي يمكن أن يزعزع سلطته في البلاد. ولم تكتف تل أبيب بالتوغل داخل المنطقة العازلة، بل وصلت الخميس الماضي، إلى بلدة الرفيد القريبة من السياج الحدودي داخل الأراضي السورية، واعتقلت مواطناً يدعى محمود هلال الفنيش، أثناء عمله في رعي الأغنام. وذكرت مصادر محلية أن عملية التوغل شارك فيها عشرات من جنود الاحتلال رافقتهم سيارات مزودة برشاشات، وأنها تمت أمام أعين عناصر قوات النظام السوري الموجودين في النقاط العسكرية القريبة.
وسبق أن أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، في بيان رسمي مطلع الشهر الحالي، اعتقال علي سليمان العاصي، زاعماً أنه “أحد أفراد شبكة إرهابية” تعمل لصالح إيران بالقرب من الحدود مع الجولان السوري المحتل. ويقصف الطيران الإسرائيلي بشكل شبه يومي مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري لاستهداف ما يُعتقد أنها أهداف عسكرية أو شخصيات من حزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية، من دون أي رد من قبل النظام. وكعادته، لجأ الرئيس السوري بشار الأسد إلى الجانب الروسي للتعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية جنوبي سورية، ولمنع التصعيد العسكري الإسرائيلي على مناطق خاضعة لسيطرة النظام، فأقام الروس تسع قواعد مراقبة على مشارف الجولان المحتل في رسالة واضحة لتل أبيب أن الجبهة السورية ستظل على ما كانت عليه من برود طيلة نصف قرن. بيد أن المحلل العسكري العميد أسعد الزعبي، قلل في حديث مع “العربي الجديد”، من أهمية نقاط المراقبة الروسية في جنوبي سورية، مشيراً إلى أن الإمكانيات العسكرية لدى الشرطة الروسية في هذه النقاط “لا تساعدها على ردع أي هجوم في حال حدوثه”.
خروقات مستمرة
أوضح المحامي والخبير القانوني محمد صبرا، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هذا ليس الخرق البري الأول من قبل القوات الإسرائيلية للمنطقة العازلة”، مضيفاً أن “إسرائيل اعتادت على التوغل في هذه المنطقة خلال السنوات الماضية، قبل الثورة وقبل عام 2011، وبعدها، ونظام بشار لم يقم بأي ردة فعل”. واعتبر أنه “في الخرق الحالي يتبع النظام سياسة ترك كل الأطراف تفعل ما تشاء ضمن الأرض السورية، فإيران تسلح حزب الله والمليشيات التابعة لها، وإسرائيل تنفّذ عمليات قصف وتوغل بري في المنطقة العازلة والتي اتخذتها منطلقاً للهجوم على منطقة شمال مزارع شبعا”. ووصف صبرا الذي كان كبير المفاوضين في وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف، السياسة التي ينتهجها النظام بأنها “شبه محايدة في الصراع بين إسرائيل وإيران وأذرعها”، مضيفاً أنها “تهدف لحماية بقاء النظام، وهذا ما تدركه إيران أيضاً”.
وباعتقاده فإن “ما يهم إيران حالياً، ليس مشاركة نظام بشار (الأسد) في الصراع الجاري، بل الحفاظ عليه موقعَ نفوذ إيراني متقدم تستطيع استثماره مستقبلاً في إعادة احتواء الخسائر الاستراتيجية التي منيت بها طهران منذ العام الماضي وحتى الآن”. وأوضح أنه “لذلك تدعمه في محاولة تشكيل مظلة حماية عربية له عبر الإيحاء بأنه مستعد للسير ضمن السياسات العربية الداعية لإعادة تشكيل توازنات القوة والضعف في المنطقة”. واستبعد صبرا إثارة النظام “موضوع خرق إسرائيل للسيادة السورية سواء عبر القصف المتكرر أو عبر الخروقات الأرضية، مع أن الأدوات القانونية متوفرة لديه عبر اتفاقية فصل الاشتباك عام 1974 والاتفاقيات المرتبطة بها”.