مقدمة
تُعتبر الانتخابات واحدة من أسهل المهام التي تقوم بها الدول، سواء كانت عاجلة أو مستحقة. والسبب في ذلك هو المشاركة الفعّالة لمئات الآلاف من المتطوعين الذين يساهمون بجهودهم في إنجاحها. فلولا مساهمتهم، لن تتمكن الحكومات من إنجازها مهما كانت قوية وغنية. فالانتخابات واحدة من القضايا التي تحتاج إلى مساهمة مجتمعية واسعة وفعالة، مثل الأمن والنظافة. فالبلد تكون آمنة إذا تعاون الشعب مع الشرطة في الكشف عن المجرمين والإبلاغ عنهم، وتكون نظيفة إذا استجاب الشعب لدعوات الحكومة للالتزام بسبل التخلص السليم من النفايات. فالحكومة وحدها لا تستطيع تحقيق ذلك مهما بذلت من جهود.
بالنسبة للانتخابات
لا تستغرق الانتخابات في أغلب الدول سوى يوم واحد. تُفتح مراكز الاقتراع صباحاً، وفي المساء تُعلن النتائج وأسماء الفائزين. هذه السرعة والفعالية ناتجة عن المشاركة الفعّالة للمواطنين والمتطوعين المستقلين ومنظمات المجتمع المدني في تنظيم الناخبين، توزيع البطاقات الانتخابية، وفرز وعدّ الأصوات.
اليوم، إذا طلبت من السوريين التطوع ليوم انتخابي واحد، فسيتقدم مليون مواطن للمساهمة بكل صدق وتفانٍ. السوريون أنفسهم الذين خرجوا في مظاهرات مخاطرين بأرواحهم، والذين شاركوا في تنظيف الشوارع والحدائق وترحيل الركام، قادرون على المساهمة في إنجاح الانتخابات.
حجج وتبريرات باطلة
إن التذرّع بعدم وجود بنية تحتية، أو بالهجرة، أو بوجود مواطنين غير مسجلين، ليس سوى تهرب من أهم استحقاق وطني قامت ثورة شعبية لأجله وقدمت تضحيات في سبيله.
أما الانتظار أربع سنوات حتى كتابة دستور جديد، فهو عبث أيضاً. هناك دستور 1950 المتوافق عليه، والذي لم يفقد صلاحيته يوماً، بل تم إلغاؤه بموجب قانون طوارئ جائر من قِبَل سلطة انقلابية.
البنية التحتية للانتخابات بسيطة جداً: مبانٍ، صناديق، أوراق، وأقلام. يمكن التصويت في جميع المباني الحكومية القائمة، بل ويمكن إجراء التصويت في المخيمات، حيث يُنصب المتطوعون خيمة انتخابية وينظمون المواطنين في طوابير الاقتراع. أما من يعيش في الخارج، فيمكنه تنظيم وكالة لقريب له في الداخل ليصوت نيابة عنه.
مشاركة الحكومة
مشاركة الحكومة في الانتخابات تكون الأقل. يقوم وزير العدل بتشكيل ما يُسمى بـ”اللجنة العليا للانتخابات” المكونة من أربعة عشر قاضياً نزيهاً، بمعدل قاضٍ واحد من كل محافظة مثلا. تتولى اللجنة تحديد تاريخ الانتخابات وتوقيتها، والمصادقة على النتائج وإعلانها. كل ما تبقى يعتمد على المتطوعين ومنظماتهم المدنية.
تتولى وزارة الداخلية تأمين المراكز بشرطي واحد عند كل مركز، والإعلام مواكبة العملية الانتخابية. أما اللجان الحقوقية المستقلة فتتولى مراقبة نزاهة التصويت والإبلاغ عن أي خروقات. كل هذه أمور بسيطة يتولاها المتطوعون، وتحدث كل يوم في مكان ما من العالم، ولا تستغرق سوى يوم واحد، حتى في دول مثل الولايات المتحدة.
سلطة الأمر الواقع والانتخابات
لا يبدو أن حكومة الأمر الواقع الحالية تتبنى الديمقراطية أو تسعى للحصول على الشرعية الشعبية. على العكس، تحاول الحصول على شرعية دولية من خلال تكثيف اللقاءات والتحضير لمؤتمر حوار يهدف إلى نيل مبايعة من ألف من شيوخ العشائر والدين لكسب أتباعهم من البسطاء.
ليس أمام الشعب سوى المطالبة والتظاهر للوصول إلى استحقاق الانتخابات. ومن المؤكد أن من تحدّى سلطة الدكتاتور السابق في مظاهرات وواجهت جيوش النظام وحلفائه، يستطيع التظاهر اليوم لإجبار سلطة الأمر الواقع على الاستجابة.
خاتمة
لن تستغرق عملية التحضير والإعداد لانتخاب مجلس تشريعي أكثر من ستة أشهر. وبهمة وحماس، يمكن إنجازها في ثلاثة أشهر بجهود المواطنين الطيبة. بعدها، يترأس العضو الأكبر سناً جلسة لانتخاب سكرتير للبرلمان، والذي بدوره يعين رئيساً للوزراء لتشكيل الحكومة. كل ما سبق ليس سوى خطوة أولى في مسار ديمقراطي طويل يجب البدء به اليوم.