الإنجاز المرتقب التالي سيكون على الأرجح عاجلا أو آجلا على يد أحد أفرع القاعدة في أفريقيا وتحديدا في إحدى دول الساحل.
من السلاح إلى السياسة.. المهمة الصعبة
من المبكر أن نبلور تصورا متكاملا محددا لما سوف تكون عليه الحركات الإسلامية الجهادية في العالم بعد الحدث السوري المركب، الذي قد يغري تشكيلات إسلامية إلى تبني نهج جديد يجمع بين السلاح والسياسة، والصبر والإنجاز، وماضي التمرد الإرهابي ومستقبل التمكين المأمول، في حالة فهم التوازنات الإقليمية والدولية.
قد تصبح التركيبة الدينية الجديدة التي نجحت في سوريا خلال فترة وجيزة نموذجا مُلهما، كونها حققت الهدف الذي تصبو إليه الفصائل الجهادية، وهو الصعود إلى السلطة وتثبيت أقدامها فيها، وهو ما يمكن تبنيه من فصائل سنية انخرطت في التمرد على الأنظمة المحلية والغرب.
ليس فقط فروع القاعدة حول العالم هي من يدور بمخيلتها المشروع النموذج لتستوحيه وتطبقه، بل بعض من معتنقي أدبيات داعش وما يُعرف بالجهاد العابر للحدود تراودهم الفكرة لتطبيقها والانخراط فيها تكتيكيا.
كما أن جماعة الإخوان يشق صفوفها اعتراف واستدراك خطير بأن النهج السلمي عقيم وأن التمكين يلزمه سلاح وذخيرة، ولذلك خرج أول بيان من الجماعة تعقيبا على مُنجَز الجهاديين في سوريا من جناح “الكماليين”، وهو الفصيل الإخواني المسلح الذي قاد عمليات العنف عقب عزل الجماعة عن السلطة في مصر، يوليو 2013.
يزيد من إبهار الحالة السورية في عيون الإسلاميين والجهاديين حول العالم، الصور الساحرة للتمكين، إذ خلال أيام قليلة خرج المتمردون من الخنادق وسكنوا الفنادق والقصور، وتحول القيادي الذي كان مصنفا كإرهابي إلى زعيم دولة يرتدي البزة المدنية والكرافته، ويستقبل الوفود من حول العالم.
◙ التركيبة الدينية الجديدة التي نجحت في سوريا خلال فترة وجيزة قد تصبح نموذجا مُلهما، كونها حققت الهدف الذي تصبو إليه الفصائل الجهادية
كما أن الصيغة التي نجحت تفوقت وحلت محل ثلاث صيغ إسلامية عقائدية يعاني بعضها الانكسار والهزائم (الإسلام السياسي الشيعي) وبعضها التخبط والتيه (الإخوان) والثالث يعاني من مواصلة حمل السلاح دون أفق ودون استثمار سياسي (داعش).
الدروس في اتجاهات شتى يتعلمها الإسلاميون جميعا بمختلف تصنيفاتهم من فصيل جهادي أتقن لعبة التوقيتات، علم جيدا متى يتوحش ويُظهر وجها عنيفا ومتى يتوقف ويُظهر وجها مسالما، ويعلم متى يتبنى الإرهاب العابر للحدود ومتى يتوقف ويركز فقط في القتال ضد الأنظمة المحلية، ومتى يعلن العداء للغرب وإسرائيل ومتى يصبح صديقا لهما.
يزيد من نفوذ وحضور وإلهام نموذج هيئة تحرير الشام وأحمد الشرع المنتصر في سوريا أن له فروعا قوية في أفريقيا تحاول هي الأخرى استنساخ النموذج والتجربة والوصول إلى النصر الكامل كما في تشاد ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وعموم منطقة الساحل الأفريقي.
قطعت فروع القاعدة في أفريقيا شوطا كبيرا في طريق الصعود والتمكين على طريقة هيئة تحرير الشام، حيث أنها تحولت من تنظيم القاعدة العالمي إلى تنظيم القاعدة المحلي وغيّر بعضها العناوين (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على غرار جبهة النصرة) وانتهجت الدبلوماسية والمفاوضات مع القوى الخارجية وأثبتت أنها ليست عدوة للغرب وإسرائيل إنما للجيوش الوطنية وداعش.
يعني ذلك أن الإنجاز المرتقب التالي سيكون على الأرجح عاجلا أو آجلا على يد أحد أفرع القاعدة في أفريقيا، وتحديدا في إحدى دول الساحل الأفريقي ليصنع عمقا إستراتيجيا للجهاديين المتمركزين في الغرب الليبي الذين يترقبون هم أيضا الفرصة المواتية وساعة الصفر.
يؤثر هذا التطور على الحالة الجهادية (الإسلام السياسي المسلح) في المنطقة العربية وأفريقيا والعالم، حيث من المرجح أن تجري محاكاة تحول هيئة تحرير الشام من منظمة جهادية بحتة إلى كيان سياسي مندمج في مناطق أخرى، خاصة في أفريقيا (دول الساحل الأفريقي) وربما الصومال والسودان وليبيا واليمن وغيرها.
إذا أبدت أفرع القاعدة في تلك المناطق بعد استنزافها لسنوات جيش الدولة الوطني استعدادها للانخراط في الدبلوماسية وتغيير خطابها في محاكاة لتحولات أبومحمد الجولاني، سيشكل ذلك فرصة للغرب وتركيا وقطر.
هذه القوى مجتمعة تهدف لاكتساب نفوذ هائل ومزاحمة نفوذ روسيا والصين وقوى أخرى مناوئة، فضلا عن توجيه تطرف القاعدة إلى الداخل وحرمان إيران من توجيه التنظيم الجهادي الرئيسي في العالم (القاعدة المركزي) ضد المصالح الأميركية والغربية، وفي المقابل سيشكل ذلك تحديا كبيرا للحكومات والأنظمة القائمة المستهدفة بالعزل أو الردع أو حتى إضعافها.
كما أن الولايات المتحدة في حاجة إلى تشكيل إسلامي جديد يصبح حليفا ناجحا في الحكم بعد فشل جماعة الإخوان وتراجعها، علاوة على أنها في حاجة ماسة إلى شفط موجات الإرهاب العالمي الذي تقوده داعش ضدها حيث سبق هجوم نيوأورليانز العشرات من المخططات المُجهضة، وضخها باتجاه الداخل العربي والأفريقي، وفقا للصيغة المبتكرة التي دشنها أحمد الشرع مع أميركا وإسرائيل (لكم الأمن والاستقرار والنفوذ ولنا الحكم والسلطة).
◙ لم يعد هناك مكان لفصيل الخطاب الواحد واللون الواحد ونموذج الدولة العقائدية التي دشنتها إيران ولم يعد نموذج القائد الإسلامي هو أسامة بن لادن وحسن نصرالله
لم يعد هناك مكان لفصيل الخطاب الواحد واللون الواحد ونموذج الدولة العقائدية التي دشنتها إيران نهاية سبعينات القرن الماضي والتي تكتسب شرعيتها حول العالم الإسلامي من العداء لأميركا وإسرائيل ونصرة القضية الفلسطينية ولو بمجرد إطلاق الشعارات، ولم يعد نموذج القائد الإسلامي هو أسامة بن لادن وحسن نصرالله.
لدينا الآن صيغة منتصرة ومُلهمة مختلفة تماما تغير جلدها وخطابها وتحالفاتها وتكتسب شرعيتها وتكرس تمكينها من مستوى قدرتها على كبح إيران لا إسرائيل، ومن منطلق مقدرتها على سرعة التأقلم مع مقتضيات التوقيت وعلى فصل نفسها عن معاداة أميركا وإسرائيل، والتسويق لخطاب حتى ولو من قبيل المناورة والخداع بشأن مراعاة تمثيل مختلف مكونات المجتمع والحفاظ على حقوق المرأة ورعاية التعددية والحريات.
هناك استقطاب جار الآن بالاتجاه المعاكس، وهو ما كان سائدا طوال الفترة الماضية قبل التحولات الدراماتيكية في سوريا، استقطاب من القاعدة إلى داعش المعولم والأكثر تشددا، وعلى ضوء الإبهار البصري لصور أحمد الشرع ورفاقه في السلطة بعد طول تمرد وعلى وقع رؤية ثمار التمكين تقطف يجري استقطاب باتجاه القاعدة المتحورة التي تقول لأميركا نحن أصدقاء وتصب جام غضبها على الأنظمة المحلية والجيوش الوطنية.
كما أن هناك استقطابا من نوع جديد داخل تنظيم القاعدة ذاته؛ حيث أن صوت الأفرع المحلية للقاعدة سيعلو على صوت القاعدة المركزي الموالي لإيران خلال الفترة المقبلة كونه حقق إنجازا بإزاحة نظام يعتبره الإسلاميون والجهاديون معاديا للإسلام قبل أن يكون معاديا لتيار الإسلام السياسي.
ويواجه القاعدة المركزي دائما اتهامات بخدمة إستراتيجية إيران التي تعادي الإسلاميين السنة وارتكبت ضدهم مجازر ومذابح وانتهاكات واسعة في سوريا واليمن ولبنان وغيرهم، ما قلص نفوذه وشعبيته داخل أوساط السلفية الجهادية، لأنه أضعف دعاية القاعدة مقابل دعاية داعش الذي يتهم غريمه بموالاة الشيعة والرافضة، وهذا ما يثبت الجولاني وتياره عكسه.
TeilenWhatsAppTwitterFacebook
هشام النجار