اصطدمت الحكومة السورية الانتقالية بواقع اقتصادي سيّئ في مختلف القطاعات في البلاد، بسبب تركة ثقيلة ورثتها عن النظام السابق. وبرزت الاتصالات كقطاع يعاني من تهالك وخسائر كبيرة، مما يتطلّب صرف مبالغ كبيرة لإعادة ترميم بنيته التحتية كي تعود إلى العمل بشكل طبيعي.
هكذا يختصر وزير الاتصالات السوري حسين المصري المشهد في مقابلة مع “النهار”، موضحاً بأنّ النظام السابق لم يكن مهتمّاً بتقديم خدمات اتصالات “ذات كلفة قليلة وجودة عالية “، بل جلّ اهتمامه كان التركيز على “جمع الأموال فقط، مما خلّف بيئة وبنية تحتية سيئة”
200 مليار دولار… وشركات جديدة؟
يكشف المصري عن أنّ إعادة ترميم الاتصالات السلكية تحتاج إلى قيمة تقديرية تصل إلى 200 مليار دولار، فيما تحتاج الاتصالات الخليوية إلى تحديث وترميم، إذ كانت تعمل بنسبة الثلثين على تقنية “ثري جي”، وبنسبة الثلث على تقنية “فور جي”، وهي لا تلبّي الاحتياجات المطلوبة.
في سوريا، هناك شركتا اتصالات فقط، هما “سيرياتيل” و”أم تي إن”، اللتان تغطيان معظم الأراضي السورية بجودة ضعيفة. ويوضح المصري في هذا السياق بأن “سيرياتيل محسوبة على رموز النظام السابق بنسبة تتجاوز الـ 70% ، لتصبّ أرباحها مباشرة في القصر الجمهوري، وليس في خدمة الشعب السوري”، مؤكّداً أنّه سيتم “تقييم الواقع القانوني والفني والمالي للشركتين، وتأسيس رؤية يمكن البناء عليها إما تخصيصها أو بطرحها للاستثمار الأجنبي والعربي”.
وإلى جانب الشركتين، كانت شركة “وفا تيليكوم”، المملوكة لشركة إيرانية في حصتها الكبرى، بالشراكة مع القصر الجمهوري، تتهيّأ لإطلاق خدماتها قبل سقوط النظام، وهو ما توقف اليوم، فيما يُعاد تقييم عقودها قبل اتّخاذ أيّ إجراء رسميّ بحقها كطرحها للاستثمار أو إغلاقها، وفقاً للمصري.
وفي الشمال السوري، كمحافظة إدلب وريف حلب، نشأت شركات خليوية عدة كـ”سيريا فون” و”إيلوكس” لعدد من رجال الأعمال الأتراك والأوروبيين، وأحدهم سوري – أميركي. وسألت “النهار” عن إمكانية توسيع نفوذ هذه الشركات لتطال خدماتها بقية المحافظات، ليجيب المصري بأنّ “قرار توسعة الشركات أو إدخال مشغّل ثالث أو رابع إلى جانب الشركتين الحاليتين يحتاج إلى دراسة معمّقة وتداول”.
وفي إطار المباحثات التي عقدتها وزارة الاتصالات السورية مع شركات ووفود تركية وسعودية، يُبدي المصري ارتياحه للقاءات والمبادرات التي طُرحت من الجانبين “رغم عدم عقد أيّ لقاء رسمي مع وزارة الاتصالات التركية حتى الآن”.
تجسّس إيراني؟
وعن الجدل المثار بشأن تجسّس إيران على السوريين من خلال شرائح الاتصال التي يستخدمونها، وهي مصنّعة لدى شركة تتبع لوزارة الدفاع الإيرانية، يقول المصري إنّ جزءاً من شرائح الاتصال لدى شركة “سيرياتيل” تمّ استيرادها من إيران فعلاً، لكنّه يوضح بأنّ “هذ لا يعني أن النظام السابق صنع هذه الشرائح في إيران كي تتمكّن من التجسس (على السوريين)، وإنما بسبب العقوبات اضطر إلى شراء هذه التقنيات إمّا من إيران أو الصين أو روسيا”، مبيّناً أنه “تمّ أخذ عيّنة من هذه الشرائح وإرسالها لشركات خارجية ليتم فصحها، وبانتظار نتائج هذه الفحوصات لاتخاذ الإجراء اللازم”.
ويتحدّث المصري عن سياسة التجسس وجمع البيانات عن الشعب التي كانت يتبعها النظام السابق، فيقول إنّه “كان يعتمد هذه السياسة عند إدخال أيّ تقنية جديدة”، ويضيف أنّه تمّ اكتشاف تقنية اتصالات سلكية “آي إم إس” في الشركة السورية للاتصالات لم يتم إطلاقها بعد، وحين الاستفسار عن السبب من المعنيين، أجابوا بأنّ “النظام السابق لم يكن يسمح بإطلاق هذه التقنية قبل أن يتم إدخال منظومة تجسّس عليها”. ووفقاً للمصري، فإنّ “سياسة الحكومة الحالية تتمثّل بالحفاظ على سياسة الخصوصية وأمن معلومات وبيانات الشعب السوري”.
وتسود حالياً على مواقع التواصل الاجتماعي المتاحة في سوريا “فوضى” تتمثل بالحسابات الوهمية والمعلومات المغلوطة التي قد تتسبّب، في مكان أو منطقة ما، بخلق صراعات لم تكن موجودة في الواقع. هذه الحالات كانت تختص بها “إدارة الجرائم الإلكترونية” في عهد النظام السابق، والتي تم إيقافها عقب سقوطه، لأنّ الأشخاص الذين يديرونها “كانوا مرتبطين بالمخابرات”، وفقاً لوزير الاتصالات السوري، الذي يؤكد أنّه يجري العمل على إعادة بناء هذه الإدارة مجدّداً.
مفصولون من “ذوي الشهداء”
وفيما كانت “النهار” تُجري اللقاء مع المصري، كان عدد من الموظفين المفصولين عن العمل نهائياً “الذين جرى تعيينهم بعقود ذوي شهداء في عهد النظام السابق” يعتصمون أمام أبواب الوزارة للمطالبة بالنظر في أوضاعهم. وعند الاستفسار من المصري عن طريقة التقييم والفصل التي جرى اعتمادها، نفى إصدار أيّ قرار فصل، وإنما “منح إجازة براتب” إلى حين تقييم الخبرات وعدد الموظفين المطلوب من قبل لجنة مختصّة.
قطاع الاتصالات كحال بقية القطاعات في سوريا “يحتاج مدّة قد تصل إلى عام على أقلّ تقدير ليعاود الوقوف على قدميه مجدداً وتقديم أفضل الخدمات”، ختم المصري حديثه.