بداية، لا بد أن نعترف بأن عملية إسقاط النظام المجرم قد تم بأقل إراقة للدماءـ وأن نعترف أيضاً بأن ثمة خطاب مقبول حتى الآن، من قبل بعض قادة السلطة الجديدة، وأحياناً وعود مطمئنة حول أهمية التشارك والتعاون في إدارة البلاد بعيداً عن الاستئثار والاقصاء.
لكن في المقابل يبدو أن الوطن السوري الذي تخلص من أكبر عقبة أمام تطوره، لا يزال في رسم مستقبله وترسيخ المواطنة الحرة، أو بناء دولة المواطنة والديمقراطية، يرتهن إلى عوامل كثيرة، بعضها يعيق وبعضها حافز ومشجع..
من أهم المعوقات..
أولاً، البنية الأيديولوجية للجماعات المنتصرة وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام، واعتمادها مرجعية دينية في جوهرها مشروع سياسي يتطلع إلى إقامة شرع الله على الأرض، الأمر الذي إن لم يتم تجاوزه أو التخفيف من حضوره، فسوف يتعقد مسار العمل لبناء المواطنة الحرة.
ثانياً، ما نشهده من ميل لافت عند السلطة الجديدة لاتخاذ بعض القرارات والاندفاعات تسودها روح الاستئثار واقصاء الآخرين والأمثلة كثيرة.. تشكيل حكومة تصريف الأعمال من لون واحد… طريقة القيام بالترفيعات والتعيينات العسكرية.. الموقف من مناهج التعليم.. الموقف من المرأة السورية. الخ.
وما يزيد الطين بلة حجم التباينات بين الفصائل المشاركة في السلطة، وحجم الجماعات المتشددة فيها والتي لا تريد تقديم تنازلات يعتبرونها إساءة لتطبيق شرع الله.
ثالثاً، لدينا تجارب الإسلام السياسي وطريقتها الباطنية في العمل لتحقيق مطالبها، واتباعها غالباً مبدأ تمسكن حتى تتمكن.. وهو ما يزيد من حجم المخاوف والعقبات.
رابعاً، الأدوار السلبية وربما التخريبية التي يرجح أن تلعبها فلول النظام كما إيران وميليشياتها.
خامساً، واقع القوى السياسية الديمقراطية المشتتة والضعيفة والتي لم تتمكن نيل ثقة الناس عبر سنوات الحرب الطويلة بل كانت محط انتقاد وأحياناً رفض.
إلى جانب هذه العقبات على تنوعها، ثمة حوافز تشجع على الرهان في تقدم خيار دولة المواطنة والديمقراطية…
أولاً، حجم الخراب، انسانياً واقتصادياً وعمرانياً والذي لا يمكن لطرف واحد تجاوزه أو تحمل تبعاته.
ثانياً، مصالح ومواقف بعض الأطراف العربية والغربية التي تشدد وإن بشكل متفاوت في رفض قيام دولة اسلاموية أو حكم ديني، في سورية، وأيضاً في رفض تمدد النفوذ التركي اقليمياً، ويمكن تلمس هذه المواقف والمصالح في تصريحات الزائرين الأجانب والعرب، والأهم في مقررات اجتماعي العقبة والرياض حول الشأن السوري.
ثالثاً، خصوصية المجتمع السوري بتعدد مكوناته وبعضها وازن، ويزيد المر وضوحاً ما يعرف عن ميل قطاع مهم من المكون السني الإسلامي نحو الاعتدال ورفض التعصب والتطرف. وهنا يمكن إدراج ما يحتله حراك السويداء كما الوضع الكردي في شرق الفرات… وتجاه الحالة الكردية وكي تتمكن من لعب دور قوي وذي صدقية يفترض المسارعة لإجراء مراجعة نقدية لتجاوز تراجع الثقة بها، خاصة وقف الانتهاكات والتركيز على إنجاح الحوار الكردي، الكردي والحوار الكردي العربي، ومعالجة المشكلات التنموية اقتصاديا واجتماعياً.
رابعاً، ما راكمته السنوات المنصرمة من كفاءات سياسية وثقافية ومدنية يمكنها في حال تشابكت أن تلعب دوراً مؤثراً في رسم المستقبل السوري.
خامساً، وهو الأهم، ما يصح اعتباره التركة الثقيلة للإسلام السياسي في فشله المتكرر في غالبية التجارب.. فشله التنموي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ودفع المجتمعات نحو التخلف والانعزال والتفكك… ما يعني عجزه فعلياً مع هذه التركة الثقيلة، عن قيادة المرحلة القادمة.
مع وضوح العقبات فإن ذكر الحوافز السابقة غرضه زرع الأمل والجدوى في التغيير القادم.