“الضرر على السمعة سيدوم لفترة أطول بكثير. شركاء روسيا يتعرضون للهزيمة الواحد تلو الآخر مما يتسبب بخسارة موسكو النفوذ معهم”.
امتناع روسيا عن نجدة حلفائها، والذي كتب عنه نيكيتا سماغين في مركز “كارنيغي” مؤخراً، يترك ارتداداته على تقييم بيونغ يانغ للعلاقة المزدهرة مؤخراً مع موسكو.
مرّ عام تقريباً على توقيع العاصمتين “الشراكة الاستراتيجية الشاملة”. تختلف الشراكتان بين كل من روسيا وكوريا الشمالية (حزيران/يونيو 2024)، وروسيا وإيران (كانون الثاني/يناير 2025)، في أن الأولى تضم بنداً للدفاع المشترك بعكس الثانية. نظرياً، يُفترض بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الشعور بالارتياح. على أرض الواقع، أسباب القلق واضحة.
ما لا تحبه الدول الكبرى
مع وضع البنود الدفاعيّة جانباً، يصعب إنكار أنّ إيران دعمت روسيا في ذروة حاجتها إلى المساعدة، حين نقلت إليها مسيّراتها من طراز “شاهد-131″ و”شاهد-136” لرفد غزوها بآلات هجومية قاتلة. وثمة تقارير عن أنّ طهران نقلت إليها صواريخ باليستيّة في 2024. وربّما وصل الأمر بإيران إلى التفكير بإرسال منصات لإطلاق الصواريخ الباليستية القصيرة المدى، بحسب ما نقلته “رويترز” عن مسؤولَين غربيّين في أيار/مايو الماضي، علماً أنّ إيران نفت ذلك.
عمّق ذلك عزلة إيران وأكسبها تشدداً أوروبياً لأنّ بروكسل نظرت إلى الدعم باعتباره مشاركة إيرانيّة في حرب على الأراضي الأوروبّيّة. لكن بعدما نجحت موسكو في توطين صناعة المسيّرات الإيرانيّة وتطويرها، يبدو أنّها لم تعد بحاجة إلى طهران فلم تُقْدِم على مساعدتها، متذرعة ببنود الشراكة والعلاقة الثقافية مع إسرائيل. بعبارة أخرى ممكنة أيضاً، لا تحبّ الدول الكبرى أن تكون مَدينة للدول الأصغر منها.
بالتالي، قد يفكّر كيم في السؤال التالي: ماذا لو لم تعد روسيا بحاجة إلى خدماته؟ في نهاية المطاف، قدّمت بلاده الأسلحة، من بينها الصواريخ والقذائف المدفعية، لكنّها قدّمت أيضاً ما هو أهمّ: آلاف الجنود الذين ساعدوا روسيا على استرجاع منطقة كورسك وقد يشاركون في محاولة تأسيس منطقة عازلة في سومي الأوكرانية. وإذا صحت استخبارات كييف، فقد ترسل كوريا الشمالية نحو 30 ألف جندي إضافي إلى خطوط الجبهة.
ارتيابٌ من “جُعبة” روسيا
ما قد يريح كيم نسبيّاً ليس فقط حاجة روسيا الحاليّة إلى الجنود الكوريّين الشماليّين. في الجغرافيا السياسية، تحتاج روسيا أيضاً إلى كوريا الشمالية كمنطقة عازلة جزئياً عن هجوم أميركيّ محتمل من أقصى الشرق، وهو خاصرة ضعيفة محتملة لروسيا. لذلك، لن يكون “التخلي” عن بيونغ يانغ سهلاً. وإذا تخلّى بوتين عن كيم فسيجسّد ذلك ضربة إضافية، ربما قاضية، لتعهّدات روسيا الدفاعيّة الأخرى كما هي الحال مع “منظّمة معاهدة الأمن الجماعيّ” التي اهتزت أصلاً بفعل عدم نجدة موسكو لأرمينيا في حربها مع أذربيجان. تقول روسيا إنّ ناغورنو كراباخ موضوع النزاع ليس أرضاً أرمينيّة لمساعدة يريفان عسكرياً، لكنْ في السنوات الأخيرة، يبدو أنّ في جعبة روسيا من المبرّرات لعدم التورّط عسكريّاً، ما يفوق أيّ حوافز للدفاع عن الشركاء.
بالتالي، تنشر هذه “الجعبة” المزيد من الضبابية حول العلاقة بين روسيا وكوريا الشمالية. وقد يكون الأمر أسوأ. يقول الأستاذ بارك وون-غون من “جامعة إيوها للنساء” في كوريا الجنوبيّة، إنّ الدولتين قد تملكان بنداً للدفاع المشترك على الورق، لكن في الأنظمة غير الديموقراطية، تبقى الالتزامات مرنة. وأضاف: “إذا أعطى بوتين الأولويّة لترامب عوضاً عن بيونغ يانغ، فقد يجد كيم نفسه وحيداً”.
بالفعل، يمكن أن تنظر روسيا إلى مساعداتها السابقة والحاليّة لكوريا الشماليّة، منها بشكل محتمل المساعدات التقنيّة والنفطيّة والغذائيّة، على أنّها مبادلة للدعم الذي قدّمته بيونغ يانغ لموسكو. مع ذلك، ربّما كان الدعم الكوريّ الشماليّ العسكريّ استثنائيّاً إلى درجة دفعت وزير الدفاع السابق لويد أوستين إلى القول إنّ ذلك السلاح “سمح للروس بالوقوف مجدّداً على أرجلهم”.
اللائحة ستتّسع؟
لهذه الأسباب وغيرها، قد يكون كيم الشخصيّة التالية على لائحة شركاء روسيا الذين “يتعرّضون للهزيمة الواحد تلو الآخر” بحسب عبارة سماغين، أو على الأقل، لائحة الشركاء الذين تتخلى عنهم روسيا في حال اندلع توتر إقليميّ مقبل. لكن في المدى المنظور، لن يتعيّن على كيم القلق كثيراً. أولاً، إنّ تجدد الحرب بين الكوريّتين قد لا يكون قريباً على أي حال، وكذلك الأمر بالنسبة إلى هجوم أميركيّ على نظام كيم.
ثانياً، لا يزال التقدّم الروسي في أوكرانيا بطيئاً جداً، وترامب متردّداً في إبرام صفقة شاملة مع بوتين، فيما تواصل كييف تحقيق بعض المفاجآت التكتيكيّة. يعزّز ذلك حيويّة خدمات كوريا الشماليّة العسكريّة لروسيا.
أما بالنسبة إلى المستقبل الأبعد، فحديثٌ آخر.