بمزيد من الضغط العسكري الإسرائيلي والجهود الديبلوماسية الأميركية المكثفة، يفتح الرئيس دونالد ترامب الطريق أمام هدنة الشهرين في غزة، واضعاً الكرة في ملعب حركة “حماس” بعدما أعلن موافقة إسرائيل عليها.
الوعد الأميركي الوحيد المعطى لـ”حماس” وللوسيطين المصري والقطري، هو بذل المساعي خلال مدة الشهرين للتوصل إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ 22 شهراً. وكما حدث في هدنٍ سابقة، ستكون هناك ضمانة أميركية جانبية لإسرائيل تخولها معاودة العمليات العسكرية، في أي وقت ترى فيه أن “حماس” تنتهك بنود وقف النار، على غرار هدنة كانون الثاني/ يناير الماضي، وعلى غرار وقف النار في لبنان، المرفق بورقة ضمانات أميركية تتيح حرية التحرك لإسرائيل.
وفي هذه الحال، يسهل على نتنياهو إقناع الوزيرين المتطرفين إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، بالبقاء في الائتلاف الحكومي، وعدم الانسحاب والذهاب إلى انتخابات مبكرة. وأصلاً، لم يعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بعد حرب إيران، يخشى على ما يبدو الانتخابات المبكرة، بفعل ارتفاع شعبيته، ونتيجة الدعم الواسع والعلني الذي يحظي به من ترامب.
نتنياهو، بعد إيران، أكثر ارتياحاً في المشهد الداخلي وتوحي مواقفه أنه بدأ فعلاً الاستعداد لاحتمال الانتخابات المبكرة، التي قد يقدم عليها هو نفسه، مستفيداً من الإنجازات العسكرية في الأشهر الـ22 الأخيرة. كما أن اتفاقاً يؤمّن إطلاق ما تبقى من أسرى إسرائيليين في غزة، سيوظفه في رفع التأييد له في الداخل، باعتبار أنه حقق هدفاً رئيسياً من أهداف الحرب.
أكثر من تنبه إلى نيات نتيناهو، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، زعيم حزب “اليمين الجديد” الذي يتوقع أن يكون المنافس الرئيسي لنتنياهو في الانتخابات المقررة في خريف 2026 أو في أي انتخابات مبكرة، إذ دشن عودته إلى الحياة السياسية الأسبوع الماضي، بإعلان تأييده اتفاقاً شاملاً يتضمن الإفراج عن جميع الأسرى، وأكد أنه “يجب على نتنياهو أن يتنحى. لقد ظل في السلطة لمدة 20 عاماً وهذا أكثر من كافٍ… الشعب يريد التغيير، يريد السلام”.
يتناغم بينيت أكثر بكثير من نتنياهو، مع الرأي العام الإسرائيلي، إذ أظهر استطلاع أجرته هيئة البث العامة “كان 11” أوائل الأسبوع الجاري (من بين استطلاعات أخرى)، أن نحو ثلثي المشاركين يدعمون إنهاء الحرب في غزة، بينما يؤيد 22 في المئة فقط مواصلتها.
هذا دليل آخر، على انطلاق الحملات الانتخابية في إسرائيل من دون إعلان رسمي. وستتهافت أطراف في الطبقة السياسية الإسرائيلية إلى ادعاء الفضل لنفسها، في تأمين الإفراج عن الأسرى.
موافقة نتنياهو على صفقة ترامب، تضمن له قصب السبق في هذا المجال، من دون أن يكون مقيداً في الوقت نفسه بوقف دائم للحرب.
وسيحظى نتنياهو خلال القمة المزمعة مع ترامب في 7 تموز /يوليو الجاري، بفرصة لتظهير إنجازاته في الأشهر الـ22 الأخيرة، بما يغطي على أي مسؤولية يتحملها في الإخفاق الكبير في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
هل يكفي إسقاط تهم التورط بالفساد التي سخّفها ترامب، والإفلات من المحاسبة على التقصير في مواجهة هجوم “حماس” على غلاف غزة، لإقناع الإسرائيليين بإعادة انتخاب نتنياهو؟ يبقى ذلك سؤالاً بلا جواب يقيني.
أما في الجانب الأميركي، فإن ترامب يدرج هدنة الشهرين في سياق استراتيجيته الأوسع لوقف الحروب، والزعم أنه نجح في وقف النزاعات المسلحة، من غزة إلى إيران، إلى الهند وباكستان، مروراً بالكونغو الديموقراطية ورواندا. وبقيت الحرب بين روسيا وأوكرانيا هي الاستعصاء الوحيد. لكن وقف الحروب في الشرق الأوسط وأفريقيا، يتيح لترامب التركيز أكثر على وقف النار في أوروبا، وتالياً إزالة آخر العقبات من أمام حصوله على جائزة نوبل للسلام.