“أكره فعل ذلك”. لا يجد الرئيس الأميركي دونالد ترامب صعوبة في التنقل سريعاً بين اعتبار “التعريفات الجمركية أجمل كلمة في المعجم”، وبين اعتبار حملة الضغط الأقصى المكثفة بالعقوبات على إيران أمراً “مكروهاً”.
لا جدال حول أن التعريفات والعقوبات وسيلة لتحقيق مطالب ترامب من الدول المستهدَفة. لكن قضيته العالقة مع طهران أكثر تعقيداً بكثير: “لا نريد أن نكون قساة على إيران. لا نريد أن نكون قساة على أي حد. لكن ببساطة لا يمكنهم الحصول على قنبلة نووية”.
“كابوس”
بالرغم من العقوبات الجديدة التي استهدفت يوم الخميس شبكة لتهريب النفط الإيراني إلى الصين، لا تلقى خطوات ترامب ارتياحاً كبيراً بين صقور واشنطن أو تل أبيب. يدرك هؤلاء أن الرئيس الأميركي يريد على الأغلب التوصل إلى اتفاق مع إيران، لا تغيير نظامها. وأعلن ترامب ليل الأربعاء عبر “تروث سوشل” أنه يريد إبرام “اتفاق نووي سلمي قابل للتحقق منه” وإقامة “احتفال شرق أوسطي كبير”. وبدأ الصقور يخشون من تكرار ترامب مع إيران أخطاءه التفاوضية السابقة مع كوريا الشمالية.
يوم الخميس، عقد “المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي” نقاشاً حول خطة ترامب بشأن المحادثات الجديدة. قال الباحث البارز في المعهد جون حنا: “ترامب وكيم جونغ أون – هذا أسوأ (سيناريو)… ينخرط (ترامب) في مفاوضات ويُحاصَر فيها. يتلقى حديثاً ودوداً. وتمتد (المفاوضات) إلى سائر رئاسته. ولا نحقق أي تقدم على الإطلاق في تفكيك أو تحييد برنامج كوريا الشمالية. هذا كابوس”.
بين الرفض والقبول
قال المرشد الأعلى علي خامنئي الجمعة إن تجربة بلاده السابقة مع إدارة ترامب تظهر أن المحادثات الجديدة “ليست عقلانية، أو ذكية، أو مشرفة”. لكن كلام خامنئي متوقع. لن تهرول إيران إلى المفاوضات مباشرة بعد فرض العقوبات أو بعد الدعوة الأميركية. حتى في الشكل، تريد طهران الاحتفاظ بما تبقى لها من نفوذ قبل القبول بالمفاوضات. لكنها تعرف أنها لا تستطيع تحمل الانتظار طويلاً قبل فتح باب التواصل مع الأميركيين.
فخامنئي نفسه منح الضوء الأخضر لمفاوضيه السنة الماضية كي يعيدوا التفاوض مع الولايات المتحدة. ويدرك خامنئي أن أي اتفاق جديد مع ترامب سيكون أشد ثباتاً من اتفاق آخر مع الديموقراطيين. يؤكد الانفتاح الإيراني الضمني على المحادثات كلام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي السبت عن أن بلاده مستعدة للتفاوض مع واشنطن، لكن ليس تحت استراتيجية الضغط الأقصى، لأن ذلك سيعد “استسلاماً” من إيران.
عوامل أخرى
قد لا يكون الانتظار استراتيجية رابحة لإيران. سيتعرض ترامب لضغط الصقور من أجل تغيير نهجه في التفاوض مع النظام، إلى محاولة لخنقه. إليوت أبرامز الذي كان موفد ترامب الخاص إلى فنزويلا في ولايته الأولى رأى في مقال نشرته “فورين أفيرز” الأسبوع الماضي أن “الحل الحقيقي لمشكلة الجمهورية الإسلامية هو زوالها” ولذلك دعا إلى فرض “حملة ضغط” بالنيابة عن الشعب الإيراني.
وبالتأكيد، ثمة من يدعو أميركا إلى التخلص من البرنامج النووي الإيراني بضربة عسكرية. حتى ولو لم تكن هذه الضربة مدمرة بالكامل للبرنامج، ستحتاج إيران لفترة طويلة، بالإضافة إلى الأموال، من أجل إعادة بنائه. بعد خسارتها لحلفائها في غزة ولبنان وسوريا، لا تستطيع إيران المخاطرة بخسارة أهم مصادر قوتها على الإطلاق وهو الطاقة النووية القابلة للتسليح، إن لم يكن السلاح النووي نفسه. وسيحصل الضغط في نافذة مناسبة للعمل العسكري بعد ضرب تل أبيب لمعظم الدفاعات الإيرانية المتقدمة في 26 تشرين الأول (أكتوبر). إن توجيه ترامب ضربة مدمرة للبرنامج النووي – هو الذي قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت سابق من تشرين الأول إنه ينبغي عليه أن يضرب البرنامج ويترك القلق من تداعياته لفترة لاحقة – قد يكون مغرياً فعلاً للرئيس الأميركي.
عائق مستجد
سواء أتفاوض على اتفاق جديد أم شن غارة عسكرية مدمرة، من المرجح أن يحقق ترامب طموحه بتدوين اسمه في سجل الرؤساء الذين حققوا هدفاً “مميزاً” مع إيران. كما كتب تشارلي غامل في مجلة “سبكتيتور”، ستكون سنة 2025 محورية لإيران، بخاصة أن الحكم في طهران بات يعتمد على “أهواء” ترامب.
من هنا، تسير إيران على حبل مشدود لتفادي إغضاب ترامب مما يعرضها لخطواته الراديكالية، كما لتفادي الظهور كدولة يائسة لعقد صفقة مع الرئيس الذي اغتال أكبر شخصية عسكرية فيها قبل نحو أربعة أعوام.
بالحديث عن اغتيال قاسم سليماني، وما استتبع ذلك من اتهام فيدرالي عن انتقام إيراني عبر محاولة اغتيال ترامب، كشف مؤلف كتاب “انتقام: القصة الداخلية لعودة ترامب إلى السلطة” أليكس إسينستادت أن الرئيس كان قلقاً من محاولة إيران اغتياله أكثر مما أظهر ذلك خلال حملته، حتى أنه راح يخفف علناً من الحديث عن قتل سليماني. الكتاب الذي سيصدر الشهر المقبل والذي تحدث إسينستادت عن بعض تفاصيله في موقع “أكسيوس” يوم الأحد يعيد تسليط الضوء على حجم العداء الكامن بين الطرفين، وهو تعقيد إضافي على طريق تذليل العقبات بينهما.
يوم الثلاثاء الماضي، وبعد فرضه مجدداً حملة الضغط الأقصى عليها، هدد ترامب إيران بقضاء القوات الأميركية عليها في حال اغتالته. ثم بعد فترة قصيرة، تحدث عن الاحتفالات الشرق أوسطية الكبيرة بفضل التوقيع على اتفاق نووي جديد. في مؤشر إلى مدى تقلبية المسار المقبل للعلاقات الثنائية، لم يستغرق تحول ترامب من ضفة إلى أخرى سوى 24 ساعة.