زار رئيس جهاز الاستخبارات التركي (MİT) إبراهيم قالن طهران حيث التقى وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب وأمين مجلس الأمن القومي علي أكبر أحمديان، وشملت أجندة الاجتماع، بحسب مصادر إعلامية تركية، ملفّات حزب العمال الكردستاني وتنظيم “داعش” والتطوّرات في سوريا وأزمة غزّة.
في خطوة تهدف إلى انتزاع ورقة محاربة “داعش” من “الإدارة الذاتية” في شمال سوريا وشرقها، وإحراج الجناح المصمّم على مواصلة الدعم الأميركي لـ”قوّات سوريا الديموقراطية” في واشنطن، أعلنت أنقرة عزمها على تشكيل تحالف أمني رباعي لمواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي.
ويضمّ التحالف، إلى جانب تركيا، دول العراق وسوريا المعنيتين بالملف ميدانياً والأردن المتأثر بزعزعة الاستقرار أو تمدد الإرهاب عبر جيرانه.
ووفق التسريبات المتداولة في الإعلام التركي، من المنتظر أن يعقد الاجتماع التأسيسي الأول خلال الشهر الجاري في الأردن، بمشاركة وزراء خارجية الدول المعنية.
من ناحية أخرى، زار رئيس جهاز الاستخبارات التركي (MİT) إبراهيم قالن طهران حيث التقى وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب وأمين مجلس الأمن القومي علي أكبر أحمديان، وشملت أجندة الاجتماع، بحسب مصادر إعلامية تركية، ملفات حزب العمال الكردستاني وتنظيم “داعش” والتطورات في سوريا وأزمة غزة.
أنقرة تعيد رسم المشهد الأمنيّ في الشرق الأوسط
ويهدف التحالف المزمع تشكيله إلى تعزيز التنسيق الأمني والعسكري بين الدول الأربع لمواجهة التهديدات التي يمثلها تنظيم “داعش” والتنظيمات المتشددة الأخرى، خصوصاً في المناطق الحدودية، بالاستفادة من الفراغ الأمني.
وتسعى أنقرة إلى إحداث تحوّل استراتيجي في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، في وقت تشهد فيه المنطقة تغيّرات سياسية وأمنية جذرية، تترافق مع خروج طهران من الساحة بشكل شبه كامل وتراجع الدور الروسي واحتمالات انكفاء الدور الأميركي في فترة رئاسة دونالد ترامب.
وتعتمد رؤية أنقرة الاستراتيجية على تعزيز الحلول الإقليمية لمكافحة الإرهاب، من خلال خطوات ميدانية وعسكرية عبر تنفيذ دوريات مشتركة، وتركيب أنظمة مراقبة متطورة، وإنشاء شبكات لتبادل البيانات والمعلومات الاستخبارية لتعطيل تحركات عناصر “داعش” عبر الحدود والخلايا النائمة وشبكات التمويل، وعمليات التجنيد، على أن تتطوّر الشراكة لاحقاً إلى تنفيذ مناورات عسكرية مشتركة وضربات دقيقة عابرة للحدود تستهدف معاقل “داعش” في مناطق مثل شمال شرقي سوريا ومحافظة الأنبار العراقية.
وتتماشى الخطة مع فلسفة “السيادة الإقليمية” التي أعلنتها تركيا والداعية إلى حلّ النزاعات بين دول الشرق الأوسط من دون تدخّل خارجي، في ظل السعي إلى تعزيز التعاون الأمني مع الدول العربية الفاعلة في المنطقة مثل الإمارات والسعودية ومصر، إضافة إلى دول التحالف لتشكيل بنية أمنية مقبولة إقليمياً ومدعومة دولياً.
فرصة إقليميّة وسط تحدّيات معقّدة
مع سقوط نظام الأسد وإعلان رئاسة أحمد الشرع في سوريا، شهدت البلاد تغيرات كبيرة في تحالفاتها، أكبرها العلاقة بين دمشق وأنقرة، وتراجع النفوذين الإيراني والروسي، وتطابق الرؤى في شأن مستقبل “قسد”، الجناح العسكريّ “للإدارة الذاتية” في شمال سوريا وشرقها.
وتهدف أنقرة إلى استبدال قوّات مشتركة “تركية- عربية” بـ”قسد” لمحاربة داعش، كوسيلة لتقويض النفوذ الكردي من خلال تفكيك “قسد”، التي تعتبرها امتداداً لحزب العمّال الكردستاني في سوريا، مستغلة ضبابية موقف الإدارة الأميركية من القوّات التي يقودها الأكراد.
ولتحقيق ذلك، تتّخذ أنقرة جملة من الخطوات منها الترويج لنداء من عبد الله أوجلان لنزع السلاح لإضفاء الشرعية على موقفها الدولي، وتصوير المسألة الكردية في تركيا وسوريا “مشكلة إرهاب”، وتقديم الإغراءات الكفيلة بإقناع واشنطن بإطلاق يدها في شمال سوريا وشرقها.
وإلى جانب تحييد دور “قسد”، تسعى أنقرة إلى انتزاع ورقة سجون مقاتلي التنظيم وعائلاتهم ومخيّماتهم من يد “الإدارة الذاتية” أيضاً، من خلال الدعوة إلى نقل حوالى 10,000 معتقل من سجون “قسد” المدعومة أميركياً إلى سيطرة الحكومة السورية الانتقالية، في حجّة ضعف الإجراءات الأمنية لهذه السجون التي قد تصبح مراكز لتجنيد عناصر جديدة للتنظيم.
وفي الوقت الذي تسعى فيه أنقرة إلى حشد الدعم العربيّ-الغربيّ من خلال التحرّك المشترك مع الأردن لتحقيق أهدافها في سوريا، فإنّها تحاول طمأنة بغداد ومن خلفها طهران لتفادي تعقيد طهران خططها عبر استغلال ميليشيات تابعة لها لملء الفراغ الأمني الناتج من تراجع “قسد”، وهو ما يوضّح غاية الزيارة التي قام بها قالن للعاصمة الإيرانية.
تركيا تسعى الآن إلى تعزيز نفوذها في سوريا من خلال الخطوات الديبلوماسية والعسكرية، مع تفادي الصدام مع إسرائيل التي قامت هي الأخرى بتحرّكات عسكرية استراتيجية، مثل احتلال جبل حرمون واستهداف الأصول العسكرية السورية.
وتتوقّع أنقرة أن توفّر عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة فرصة لإعادة ضبط علاقاتها بواشنطن، وهو الذي أبدى تحفّظاً عن دعم الأكراد خلال ولايته الأولى، وأعطى تركيا الضوء الأخضر لعملية “نبع السلام” عام 2019 ضدّ “قسد”، لكنّ الكونغرس والبنتاغون يعارضان أيّ تخفيف للدعم الأميركي لـ”قسد”، ومع إضافة الموقف الإسرائيلي الحديث، فإنّ جهود تركيا لإقناع واشنطن بقبول التحالف الرباعي كبديل للتحالف الدولي قد تكون أكثر صعوبة.
لكنّ نجاح التحالف يعتمد على قدرة الدول الأعضاء على التغلّب على الخلافات الداخلية والتحديات الأمنية، فضلاً عن إدارة العلاقات المعقّدة مع الأطراف الدولية مثل الولايات المتحدة وروسيا.