علمت “النهار” أن قيادات “الجيش الوطني” الليبي الذي يسيطر على شرق ليبيا ومناطق شاسعة في جنوبها، أبدت انفتاحها على التعاون مع الولايات المتحدة، في خطتها نحو توحيد المؤسسة العسكرية، في خطوة قد تمثل تطوراً يُتوقع أن ينعكس على الحضور الروسي في المنطقة.
وكشفت مصادر دولية ومحلية تفاصيل محادثات أجراها نائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الفريق جون برينان، مع قائد “الجيش الوطني” خليفة حفتر ونجله صدام، رئيس أركان القوات البرية، ركزت على ملف التعاون مع قوات الغرب الليبي في خطة توحيد المؤسسة العسكرية.
وأوضحت المصادر، لـ”النهار”، أن قادة “الجيش الوطني” أظهروا انفتاحاً “غير مسبوق” على التعاون مع المؤسسة العسكرية الأميركية، يبدأ بإجراء تدريبات مشتركة تقودها قوات أميركية بين نخب مختارة من قوات الشرق ونظيرتها في الغرب، سواء داخل ليبيا أم خارجها، بالإضافة إلى التعاون في تشكيل غرفة عمليات مشتركة بين جنرالات الشرق والغرب تهدف إلى التعاون والتنسيق في ما يتعلق بتأمين المنطقة الجنوبية، والتي تمتد من الحدود مع الجزائر ثم النيجر وتشاد وصولاً إلى المثلث الحدودي مع السودان ومصر.
ولفتت المصادر إلى أن الخطوة “تمثل تطوراً نوعياً في تنفيذ الرغبة الأميركية – الأوروبية في تشكيل قوات مشتركة بين الشرق والغرب تخضع لتدريبات مع قوات أميركية وأوروبية قبل أن توكل لها مهمة تأمين الجنوب الليبي”، معتبرة أن الخطوة “ستسبب إزعاجاً لموسكو التي سعت طوال السنوات الماضية إلى توسيع نفوذها في أفريقيا عبر ليبيا”.
وأكدت المصادر أن واشنطن أظهرت في المقابل “انفتاحاً على بحث ملف السماح بتخفيف الحظر المفروض على تسليح الجيش الوطني وتقديم بعض الأنواع من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والمركبات والمتعلقة بمهمات تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب والجريمة”، مؤكدة أن الضغط الأميركي باتجاه توحيد المؤسسة العسكرية “لا ينفصل عن ملفي الرقابة على الموارد وآلية إنفاقها وكذلك حلحلة المعضلة السياسية برعاية البعثة الأممية، وسط رغبة دولية ملحة في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية قبل نهاية العام الجاري”.
وبالتزامن مع لقاء الجنرال الأميركي نجل حفتر وجولتهما على معسكرات “الجيش الوطني” ومن بينها قوات الصاعقة، لوحظ احتفاء وسائل إعلام محسوبة على سلطة شرق ليبيا بالضيف، إذ أجرت لقاء معه على هامش زيارته مدينة سرت قال فيه: “أعتقد أن المؤسسة العسكرية تقود الطريق نحو إعادة توحيد الشرق والغرب في نهاية المطاف. نقدر التعاون من الجانبين والسماح بالحوار والخطوات الملموسة بإعادة توحيد الجيش، ونتخذ خطوات ملموسة لتحقيق هذه الأهداف”، فيما قال القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة في ليبيا جيرمي برنت إن وجود جيش ليبي قوي وموحد سيسهم في الحفاظ على سيادة البلاد أمام ما وصفها بـ “أي جهات خبيثة وانعدام الاستقرار الإقليمي”.
المحلل السياسي محمد بويصير، أكد لـ”النهار” أن هدف واشنطن الرئيسي يكمن في “إخراج الروس من المنطقة وإبعادهم عن الواجهة الجنوبية لأوروبا أو على أقل تقدير تجريدهم من غطاء تحالفاتهم المحلية”.
وإذ رأى أن الحفاوة اللافتة في استقبال الجنرال برينان في شرق ليبيا تعكس محاولة قائد “الجيش الوطني” خليفة حفتر “تخفيف الضغط الأميركي عنه”، استبعد بشدة أن تقبل واشنطن بأن يُمسك بالعصا من المنتصف بالحفاظ على تحالفه مع موسكو بالتزامن مع الانفتاح على التعاون العسكري مع الولايات المتحدة. وقال: “يبدو أن الديبلوماسية الأميركية تسابق الزمن استعداداً للقاء مرتقب بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، والذي يتوجب قبله إضعاف النفوذ الروسي فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الأرض حتى تحصد واشنطن نتائج على طاولة المفاوضات”.
ويتفق رئيس التحالف الليبي – الأميركي في واشنطن فيصل الفيتوري على كون التحرك الأميركي تجاه شرق ليبيا يأتي ضمن “مشروع التصدي لتمدد النفوذ الروسي”، متوقعاً أن تشهد الساحة الليبية “تحولاً جذرياً في موازين القوى، إذ سيجد معسكر الشرق نفسه أمام معادلة جديدة تفرض عليه إعادة ترتيب تحالفاته وفقاً للمتغيرات الإقليمية والدولية”. كما يرجح أن تدفع الرسائل التي حملتها زيارة الوفد العسكري الأميركي الكرملين إلى “إعادة تقييم علاقاته، أو حتى البحث عن بدائل”. كما يتفق مع بويصير على كون قيادات “الجيش الوطني” أمام خيارين: فإما الانخراط بشكل كامل في المشروع الأمني الأميركي، أو المخاطرة بالحفاظ على العلاقات مع موسكو.