عندما سُئل رجل الأعمال السوري البريطاني أيمن أصفري (66 عاماً) في مقابلة أخيرة بعد سقوط نظام الأسد عن طموحاته المستقبلية في ما يتصل بوطنه الأم، قال “أريد أن أكون جزءاً من سوريا الجديدة”. التقى الرئيس أحمد الشرع في دمشق أوائل العام الحالي ولفتت إطلالته من القصر الجمهوري الأنظار كأحد كبار رجال الأعمال والمموّلين السوريين ممن أدوا دوراً في حياة بلادهم خلال السنوات التي سبقت رحيل الطاغية. إلا أنه مرشح الآن لرئاسة أولى وزارات العهد الحالي، ما سيساعده على رسم معالم “سوريا الجديدة” بحق.
ليس من المستبعد أن يكون هذا الدور عُرض عليه فعلاً. فهو رجل أعمال له سجلّ حافل من النجاح على امتداد ثلاثة عقود بنى فيها شركة “بتروفاك” النفطية المهمة. والنظام الحالي الذي يحتاج إلى الصدقية السياسية والمعالجة الجادة المثمرة للاقتصاد المنهار ومشاكله ربما لن يجد أفضل من هذا الملياردير ليعطيه الصدقية التي يحتاج إليها ويطلق ورشة الإصلاح والبناء.
لكن هل يقبل أصفري أن يؤدي هذا الدور؟
قد تحول دون ذلك اعتبارات شتى متناقضة. فهو لا يبحث عن أمجاد ينوء سلفاً بحمل ما حققه منها بجهده الخاص. و”لن يرضى بأن يكون مطيّة لأحد ولا أن تستعمله الإدارة الحالية لتبييض صفحتها في الخارج” على حد تعبير أحد عارفيه. ولفت الرجل الذي تحدثت إليه “النهار” إلى أن أصفري لم يرث ملايينه عن أبيه الدكتور أديب. فالأخير كان يحظى باحترام أبناء مدينته، إدلب، وحلب حيث عمل، قبل أن يسافر إلى الخارج للعمل في البعثات الديبلوماسية السورية في دول منها تركيا وعمان وتشيكوسلوفاكيا السابقة، لكنه لم يكن ثرياً جداً.
والابن يحمل شهادات عليا في الهندسة، كما درس ماجستير إدارة أعمال من “كلية وارتون للأعمال” التابعة لجامعة بنسلفانيا، التي تخرّج منها الرئيس دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك أيضاً. كما أنه “يحتفظ بشبكة علاقات واسعة مع صناع قرار عرب وأجانب” حسبما ذكر ديبلوماسي سوري في اتصال من لندن أجرته معه “النهار”. وإذ قال: “عرفت أيمن منذ زمن طويل كاقتصادي ناجح ورجل أعمال من العيار الثقيل” أعتبر أن تسلمه رئاسة الحكومة سيعني أن ثمة فرصة أفضل “بتعافي الاقتصاد السوري المعتل”.
غير أن مسيرته في بريطانيا، حيث أغدق التبرّعات بسخاء على حزب المحافظين وزعمائه، ديفيد كاميرون وتيريزا ماي وبوريس جونسون، شابتها مشاكل خطيرة تتعلق بالفساد. فقد اتُهم موظفون في “بتروفاك” بتقديم الرشى لأشخاص في الشرق الأوسط للفوز بعقود سمينة. وجرى التحقيق معه كما جُرد من وظائفه الشرفية في حزب المحافظين كمتبرع من المستوى الرفيع. وتمت تبرئته في 2022 بعد مساءلة استمرت سنوات وحملته على الاستقالة من الشركة التي أسسها.
من ناحية أخرى، يُعدّ أصفري “غريباً” عن سوريا، بما فيها مدينته الأصلية. فقد قال لـ”النهار” أحد أبنائها الذين تربطهم علاقة قرابة بعيدة بأيمن، إنه لا يعرف إدلب وهي بالكاد تعرفه بفضل البصمات الخيرية التي تركها فيها. وأضاف: “كنا نعرف والده الدكتور أديب رحمه الله ونحترمه، أما أيمن فلم تكن لنا أي علاقة معه لأنه لم يكن يعيش بيننا بل أمضى عمره في الخارج”.
ويثير “الاغتراب” الطويل تساؤلات رائجة في أوساط المعارضة السورية حول “شرعية” إسناد ثاني أرفع وظيفة في البلاد لشخص “أجنبي” لا يعرف عن كثب مشاكل البلاد ولا حاجات أهلها.
زيد سفوك، القيادي في “الحركة الكوردستانية المستقلة في سوريا” رأى في ردّ على سؤال لـ”النهار” عن رأيه في احتمال تعيين أصفري في هذا المنصب “لا يمكن جلب مغترب من عشرات السنين (…) ليشكل حكومة تليق بخصوصية الشعب السوري”. ولم يفته أن يأخذ على المرشح المزعوم أنه “حين قدم المساعدات أثناء الثورة السورية كان دعمه محصوراً بمكان ولادته ومناطق تتعلق بانتمائه”.
وفعلاً، من الانتقادات التي وُجّهت إلى أصفري أنه لم يكن محايداً تماماً خلال الثورة، ليس فقط لتجاهله فئات كثيرة من السوريين، بل أيضاً لدعمه مجموعات بعينها في محافظة إدلب.
كان أصفري صديقاً لنظام الأسد قبل أن يعارضه بشجاعة. وله علاقة تبدو طيبة بالإدارة الراهنة التي يبالغ أحياناً في الثناء عليها. ففي مقابلة أخيرة اعتبر أن النظام “يتجه إلى [تطبيق] نظام ديموقراطي”، في الوقت الذي قال فيه الرئيس بعظمة لسانه إنه مقتنع بوجوب الاحتفاظ بحكم “اللون الواحد”. ووصف الشرع “المتطرّف سابقاً” بـ”المؤمن بالتعددية”. ورأى أن السوريين “معتدلون جداً” ولا يريدون نظاماً إسلامياً!
ويبدو أنه لم يسمع ضجيج التظاهرات الطائفية البغيضة وأنين ذوي الضحايا والمعتقلين، والمطرودين من وظائفهم، في غياب كامل للقانون! فهل هو مفرط بتفاؤله، أم هو لا يعرف سوريا وليس مؤهلاً بالتالي لتشكيل حكومتها؟