في ظل تعقيدات المشهد السوري الراهن، جاء مؤتمر الحوار الوطني السوري، قبل أيام، ليطرح تساؤلات جوهرية حول مدى جديته في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية، أم أنه مجرد خطوة شكلية لتمهيد الطريق أمام تغييرات حكومية محدودة. وبينما أكدت الجهات المنظمة أن المؤتمر يهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية والانفتاح على جميع المكونات، يرى مراقبون، ومن بينهم الصحفي السوري سركيس قصارجيان، أن المؤتمر لم يحقق اختراقاً حقيقياً في الملفات العالقة، وأن غياب أطراف رئيسية من سوريا، وضعف التحضيرات، جعلت منه مجرد استعراض سياسي أكثر منه منصة لحوار وطني شامل.
وأضاف قصارجيان في تصريحات لموقع “963+”: “الحوار لا يمكن أن يكون فاعلاً إذا لم يكن منفتحاً على كل المكونات، ولا ينبغي أن يكون مجرد إجراء سريع لتحقيق مكاسب سياسية. الحكومة تسعى من خلال هذا المؤتمر إلى إضفاء الشرعية على تشكيلتها الجديدة، ولكن ذلك لن يعالج المشكلات الأساسية التي تعاني منها البلاد”.
وفي هذا السياق، ومع انتهاء المؤتمر وإعلان مخرجاته، يبقى السؤال الأبرز: هل يمثل هذا الحوار خطوة أولى نحو حل سياسي شامل، أم أنه مجرد محطة أخرى في مسار طويل من المؤتمرات التي لم تأتِ بجديد؟
تحضيرات متسرعة وانسحابات بارزة
واجه المؤتمر انتقادات حادة بسبب الاستعجال في التحضير وإرسال الدعوات، حيث تم توجيه الدعوات قبل يومين فقط من انعقاده، ما أدى إلى اعتذار العديد من الشخصيات البارزة، مثل الدكتور سام دلة، أستاذ القانون الدستوري، الذي رأى أن الاستعدادات لم تكن بالمستوى المطلوب لضمان نجاح مثل هذا الاستحقاق الوطني. كما اعتذر الديبلوماسي السابق جهاد مقدسي، مشيراً إلى صعوبة الوصول السريع من واشنطن إلى دمشق والتزامات مسبقة لديه.
وفي هذا السياق، رد مصدر مسؤول في اللجنة التحضيرية للمؤتمر على هذه الانتقادات بقوله: “لقد عملنا على تنظيم المؤتمر ضمن ظروف معقدة وحساسة، وكان الهدف الأساسي هو فتح المجال أمام جميع السوريين للحوار دون استثناء، إلا أن بعض الاعتذارات جاءت لأسباب شخصية أو لوجستية خارجة عن إرادتنا.”
وأحد أبرز الانتقادات التي طالت المؤتمر كان غياب التمثيل الشامل لمختلف المكونات السورية، حيث أعرب المجلس الوطني الكردي عن رفضه لآلية عقد المؤتمر، معتبراً أن تجاهل مكونات سياسية وقومية بعينها يمثل انتهاكاً لمبدأ الشراكة الوطنية.
وفي ردها على هذه الانتقادات، أكدت اللجنة المنظمة للمؤتمر: “لقد سعينا جاهدين لضمان أوسع مشاركة ممكنة، ولكن من المؤسف أن بعض الجهات قررت عدم الحضور لأسباب سياسية. نحن لا نرفض إشراك أي طرف، ونتمنى أن تكون هناك حوارات قادمة تضم جميع الأصوات الوطنية”.
اقرأ أيضاً: الإدارة الذاتية: لن نكون جزءاً من تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني – 963+
التشكيك في أهداف المؤتمر وجدواه
رأى بعض المراقبين أن المؤتمر يهدف بالدرجة الأولى إلى تحسين صورة القيادة الحالية وإضفاء الشرعية على تشكيل حكومة جديدة، بدلاً من تحقيق حوار حقيقي يفضي إلى حلول جوهرية للأزمة السورية.
واعتبر الصحفي السوري سركيس قصارجيان، أن “الحوار لم يكن شاملاً ولم يعكس التعددية المطلوبة”، مؤكداً أن “الحكومة المقبلة قد تتضمن بعض التغييرات الشكلية في التمثيل دون معالجة القضايا العميقة”.
وأضاف قصارجيان: “الحوار يجب أن يكون على مستويات وشرائح متعددة، ويجب أن يكون مفتوحاً ومتصلاً بشكل مستمر، وليس محصوراً بآلية وزمن ومكان”. كما أشار إلى أن “الحكومة القادمة قد تتضمن شخصيات متنوعة، لكن ذلك لن يغير كثيراً من طبيعة المشهد السياسي طالما لم تكن هناك إصلاحات فعلية تعكس تطلعات الشعب السوري”.
في المقابل، شددت مصادر رسمية على أن المؤتمر جاء في إطار تعزيز الوحدة الوطنية، مشيرة إلى أن “الهدف لم يكن مجرد استعراض سياسي، بل وضع أسس لحل مستدام يستند إلى مشاركة جميع الأطياف السورية، ونتطلع إلى أن تكون مخرجات المؤتمر بداية لمزيد من الخطوات الإصلاحية.”
وكانت قد أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مقاطعتها للمؤتمر، وأكدت أنها لن تكون جزءاً من تنفيذ مخرجاته، معتبرة أن المؤتمر لم يمثل الشعب السوري بالشكل المطلوب. وأضافت في بيان رسمي أن اللجنة التحضيرية مارست الإقصاء منذ اليوم الأول ولم توفر بيئة حوارية حقيقية.
ورداً على هذه المواقف، أكد مسؤول في اللجنة التحضيرية أن “الأبواب لم تغلق أمام أحد، والإدارة الذاتية كان بإمكانها المشاركة وإيصال صوتها داخل المؤتمر بدلاً من الاكتفاء بالرفض من الخارج. الحوار يحتاج إلى إرادة مشتركة من جميع الأطراف، وليس مجرد انتقادات دون مشاركة فعلية”.
اقرأ أيضاً: مؤتمر الحوار الوطني السوري ينهي أعماله ببيان ختامي بـ 18 مخرجاً – 963+
مخرجات المؤتمر والتحديات المقبلة
أصدر المشاركون في المؤتمر بياناً ختامياً تضمن 18 مخرجاً، أبرزها ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا وسيادة الدولة، ورفض أي محاولات للتقسيم، إلى جانب تشكيل لجنة دستورية لإعداد دستور جديد يحقق التوازن بين السلطات المختلفة. كما أشار البيان إلى بدء العمل على إعلان دستوري ومجلس تشريعي مؤقت لسد الفراغ الدستوري.
وعلى الرغم من هذه المخرجات، تبقى التساؤلات قائمة حول مدى فاعلية هذه القرارات في ظل استمرار غياب العديد من الأطراف المؤثرة عن المؤتمر، مما يثير الشكوك حول قدرة هذا الحوار على تحقيق تغيير حقيقي في المشهد السوري.