فخامة الرئيس جوزف عون،
دولة رئيس الوزراء نواف سلام،
أخاطبكم اليوم بكل احترام وقلق عميق في ما يتعلق بالحاجة الملحّة إلى نهج منظم وشفاف وخاضع للمساءلة لإعادة إعمار لبنان. لا يزال لبنان في حالة شلل بينما اللبنانيون ينتظرون خطة إنعاش موثوقة وفعالة، ومع ذلك، لم يتم إجراء مسح شامل وتقييم للأضرار حتى الآن، ولم يتم إنشاء هيئة إعادة إعمار قابلة للحياة.
هذا ما أقترحه:
١- الحاجة إلى مسح وتقييم مستقل وموثوق للأضرار. لا يمكن لأي بلد أن يعيد بناء نفسه دون أن يفهم أولاً المدى الكامل للدمار. تراوح التقديرات الحالية بشأن الأضرار التي لحقت بالوحدات السكنية والشركات والمستشفيات والبنية التحتية والأراضي الزراعية من 9 مليارات دولار إلى 20 مليار دولار، لكن هذه الأرقام تفتقر إلى الوضوح والمنهجية والمصداقية الدولية.
بدون مسح وتقييم مستقل للأضرار في كل قطاع ومنطقة، لا يمكن للحكومة اللبنانية التواصل مع المانحين الدوليين أو المؤسسات المالية بثقة.
أحثكم بشدة على التكليف بإجراء مسح وتقييم شامل ومستقل للأضرار من قبل هيئات ذات مصداقية مثل الشعبة الهندسية في الجيش اللبناني أو شركات هندسية ومالية مستقلة.
٢- الحاجة إلى هيئة إعادة الإعمار
لا يمكن التعامل مع إعادة الإعمار من خلال القنوات السياسية القائمة التي فشلت مراراً وتكراراً في تحقيق النتائج. يحتاج لبنان إلى هيئة إعادة إعمار وإنعاش غير سياسية ومستقلة تكون مسؤولة عن:
– مسح وتقييم وتصنيف الأضرار في جميع القطاعات المتضررة.
– وضع خطة منظمة لإعادة البناء بالتنسيق مع الوزارات ذات الصلة والشركاء الدوليين.
– الإشراف على الشفافية المالية في كيفية تأمين الأموال وتخصيصها وكيفية إنفاقها.
– ضمان المصداقية، وفق المعايير الدولية، من خلال الحفاظ على المساءلة الكاملة وتجنب سوء الإدارة.
وقد نجحت العديد من البلدان التي واجهت أزمات مماثلة لأزمتنا مثل أوروبا ما بعد الحرب، وتركيا ما بعد الزلزال، واليابان في مرحلة ما بعد كارثة تسونامي، في تنفيذ مثل هذه المشاريع. لا يستطيع لبنان الاعتماد على الارتجال السياسي بعد الآن.
٣- الحاجة إلى نهج مالي مسؤول
يمكن أن يؤدي تمويل إعادة الإعمار، إذا أسيئت إدارته، إلى عدم الاستقرار النقدي والكوارث الاقتصادية. بدون إشراف مناسب:
– يمكن أن يؤدي التدفق المفاجئ للأموال الأجنبية، إن لم يكن تحت أعين ورقابة السلطة النقدية، إلى زعزعة استقرار سعر الصرف وتفاقم التضخم.
– بات الجميع يعلم بأن الدولة لم تكن مسؤولة عن الحرب، ولكن من الضروري أن تتحمّل مسؤولية إعادة الإعمار لتفادي الزبائنية السياسية، والعشوائية في مقاربة إعادة الإعمار. ويجب أن تتدفق أموال التمويل عبر القنوات الرسمية: من الدولة المانحة إلى حساب الدولة اللبنانية في مصرف لبنان، ومن ثم تُصرف من خلال المصارف التجارية وباعتماد وسائل الدفع المتاحة من خلال هذه المؤسسات وليس نقداً.
– وقد يفشل سوء التخطيط الاقتصادي في توزيع مزايا إعادة الإعمار بعدالة، وهذا يؤدي إلى مزيد من الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية.
أحث الحكومة بقوة على إنشاء إطار حوكمة مالية يضمن وصول التمويل إلى المشاريع المزمع تنفيذها وعدم تعميق الأزمة المالية في لبنان. ويجب أن تكون الشفافية في إدارة المساعدة المالية مبدأً غير قابل للتفاوض.
٤- العامل البيئي: إزالة الأنقاض وردميات الحرب بطريقة مسؤولة وإعادة البناء المستدام. أحد أبرز جوانب إعادة الإعمار التي يتم تجاهلها هو التأثير البيئي لإزالة الأنقاض. إن إزالة ردميات الحرب ليست مجرد مشكلة لوجستية – إذا جرى التعامل معها بطريقة غير مسؤولة، فقد تؤدي إلى تدهور بيئي شديد، والتعرّض للنفايات الخطرة، وعواقب طويلة الأجل على الصحة العامة. أحث الحكومة بشدة على:
– تنفيذ استراتيجية إعادة تدوير الردميات، بإتباع أفضل الممارسات العالمية في جهود التعافي المستدامة.
– التأكد من التخلص من المواد الخطرة بطريقة صحيحة وعدم إلقائها بطريقة عشوائية وغير مسؤولة.
– إعطاء الأولوية لاستخدام مواد البناء الصديقة للبيئة في عملية إعادة البناء.
لا ينبغي لإعادة إعمار لبنان أن تعيد الماضي فحسب، بل يجب أن تبني أيضاً مستقبلاً أكثر مرونة واستدامة.
V- إلى إعادة الإعمار در
يقف لبنان عند مفترق طرق. ولن يؤدي استمرار التقاعس إلا إلى تعميق الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية. يجب على الحكومة اتخاذ خطوات عاجلة وجريئة ومسؤولة من أجل:
1- إجراء مسح وتقييم كامل وشامل ومستقل للأضرار.
2- إنشاء هيئة لإعادة إعمار مستقلة، على أن تكون ملحقة مباشرة برئاسة الجمهورية.
3- تنفيذ إطار مالي مسؤول وشفاف لإدارة أموال إعادة الإعمار تفادياً لعودة الضغوط التضخمية وعدم الاستقرار النقدي والاقتصادي.
4- معالجة الأثر البيئي لإزالة ردميات الحرب ومقاربة إعادة البناء بمسؤولية.
سيؤدي الفشل في التحرك إلى فقدان المصداقية الدولية وإهدار الموارد المالية والمعاناة الطويلة للشعب اللبناني. لقد انقضى وقت المناقشة – لقد حان وقت العمل.
سيحكم التاريخ على هذه الحكومة بناءً على كيفية تعاملها مع هذه الأزمة. أحثكم على تحمّل المسؤولية والعمل الحاسم لضمان مستقبل مستقر ومزدهر للبنان يتناغم مع خطاب القسم لفخامة رئيس الجمهورية، ومضمون البيان الوزاري لحكومة الإصلاح والإنقاذ.
ولكم مني كامل وفائق الاحترام والتقدير
– باحث في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال (OSB)في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB)
*المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة “النهار” الإعلامية.