أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استعداده لجولة جديدة من الحرب على سبع جبهات، بالتزامن مع موافقة الحكومة على استدعاء أربعمئة ألف جندي من الاحتياط خلال الشهرين المقبلين لتلبية متطلبات المرحلة. يأتي هذا في وقت يترنح اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتتوسع عمليات الجيش الإسرائيلي في جنوبي سوريا، وتستمرّ الغارات مستهدفة قيادات ومنشآت لـ”حزب الله” جنوبي لبنان، وفي منطقة الهرمل على الحدود مع سوريا. أهمّ ما في الأمر أن تحركات نتنياهو الأخيرة تأتي بعد اجتماعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقرار واشنطن تسريع تسليم إسرائيل مساعدات عسكرية بقيمة ٤ مليارات دولار، تتضمّن كميات كبيرة من القنابل المضادة للتحصينات. وهذا يستوجب طرح أسئلة عن مدى تطابق مخططات نتنياهو مع خطط ترامب للمنطقة، وتحديداً في أمرين: منع إيران من امتلاك سلاح نوويّ، وإحياء الاتفاقيات الإبراهيمية وتوسيعها لتضمّ دولاً عربية أخرى.يتساءل مراقبون إذا ما كانت خطط نتنياهو بالاستمرار في حروب مفتوحة في المنطقة تحظى بموافقة واشنطن أو باهتمامها حالياً. فتحركات نتنياهو تأتي خدمة لسياسات أعضاء حكومته من اليمين المتطرف، الذين تحرّكهم إيديولوجيا عنصرية متشددة تسعى لتطبيق نظرية “إسرائيل الكبرى”، وإبقاء الحروب مفتوحة حتى يحين موعد الانتخابات التشريعية العام المقبل، وذلك لتأمين المزيد من المكاسب وإبقاء حالة التجييش والخوف في الشارع الإسرائيلي لتحقيق فوز كبير لأحزاب اليمين. ولقد هدد وزراء اليمين المتشدد أكثر من مرة نتنياهو بالاستقالة وحلّ التحالف إذا أنهى الحروب الحالية على الجبهات السبع: غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا، وإيران، واليمن، والعراق.
لكن سياسات ترامب لا تسيّرها الإيديولوجيا، بل المصالح الاقتصادية الخاصّة به وبالولايات المتحدة. ولقد ظهر هذا جلياً في قراراته الأخيرة في أكثر من ملف. وهو مستعدّ للتخلّي عن حلفائه وأصدقائه في لحظةٍ إذا تعارضت مصالحه معهم. وفي ما يخصّ الشرق الأوسط، فهو حدّد مصالحه باستثمارات المملكة العربية السعودية، ويتحدث عن دورها الكبير في ملفات المنطقة. وتشكّل موافقته على جعل الرياض مكان أول اجتماع مع روسيا لإعادة تطبيع العلاقات معها مؤشراً إلى المكانة التي تحتلّها المملكة ممثلة بوليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في رؤية ترامب إلى المنطقة. وبما أن الرياض تصرّ على حلّ الدولتين كمدخل لأيّ تطبيع مع إسرائيل، فإن سياسات نتنياهو تتعارض مع سياسة الرياض في المنطقة.
أما في ما يخصّ ملف إيران النووي، فإن المؤشرات من تل أبيب تشي بأن إسرائيل تستعد لعملية عسكرية كبيرة ضد منشآت إيران النووية. ولقد ناقش نتنياهو هذا الموضوع مع ترامب، وكان الاتفاق، بحسب مصادر غربية، على أن تدعم أميركا العملية العسكرية إذا ما فشلت الجهود الديبلوماسية في إقناع إيران باتفاق جديد يحد من برامجها النووية والصاروخية وينهي أذرعها في المنطقة.
وأفادت بعض التقارير بأن الرياض تسعى للتوسط بين واشنطن وطهران للوصول إلى حل ديبلوماسي، كما أن موسكو عرضت على ترامب وساطتها مع إيران للتوصل إلى حلّ سلمي. وبحسب مقرّبين من ترامب، فإن الرئيس الأميركي يحبّذ الخيار السلمي، وسيحاول حتى آخر لحظة التوصّل إليه قبل الصيف.
لكنه على ضوء استقالة مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، فإن الأجواء من طهران توحي بأن القيادة متجهة نحو التصعيد. فظريف كان يقود الجهود الساعية لاتفاق ديبلوماسي مع واشنطن، إلا أن الضربات التي تلقاها الحرس الثوري الإيراني خلال الأشهر الماضية نتيجة فشل استراتيجية وحدة الساحات وخسارة الجسر إلى داخل العمق العربي، الذي كان النظام السوري يوفره، رفعت من منسوب التهديد في أروقة الحرس الثوري، الذي يضاعف تحركاته العسكرية في داخل إيران وخارجها، استعداداً للمواجهة المقبلة. كذلك يزداد الوضع في داخل إيران خطورة مع تردّي الأوضاع الاقتصادية واستمرار انهيار الريال أمام الدولار إلى مستويات قياسية.
وبناءً عليه، فإن نتنياهو سيستمرّ في حروبه مستفيداً من التصعيد الإيراني وخدمة لأهدافه الخاصة والإيديولوجية. وهذا يضع الجنوب السوري والبقاع اللبناني في دائرة الخطر، لا سيما مع استمرار رفض “حزب الله” تسليم سلاحه شمال نهر الليطاني. وستكشف الأسابيع أو الأشهر المقبلة مدى تطابق خطط نتنياهو مع توجّهات ترامب، وإلى متى سيستمر الأول في توسيع خططه العسكرية على أكثر من جبهة من دون ممانعة من واشنطن. لكنه في نهاية المطاف، ستُنهي أولويات ترامب الاقتصادية والتفاهمات المنشودة مع الرياض لإحراز أيّ تطوير بالاتفاقيات الإبراهيمية حروب نتنياهو.