منذ اندلاع المواجهات بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وأبناء العشائر في شرقي سورية نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، لا يزال التوتر قائماً في تلك المناطق بسبب عجز “قسد” عن احتواء العشائر وتلبية مطالبها، المتمثلة في تمكينها من حكم مناطقها، عبر إقامة علاقة مباشرة بين العشائر وقوات التحالف الدولي في المنطقة، وليس عبر “قسد”.

ورغم أن قبيلة العكيدات بقيادة إبراهيم الهفل هي التي تصدرت الحراك العسكري العشائري ضد “قسد” منذ ذلك الوقت، فإنها تحظى بتعاطف متفاوت من بقية العشائر والتي قد ينخرط بعضها في المواجهات في حال توفرت فرصة مواتية، خصوصاً عشيرة البكارة، التي أعلن أحد شيوخها أخيراً النفير العام  على خلفية مقتل أحد أبناء العشيرة برصاص قوات “قسد”.

أبو عمر البوكمالي: قسم من عشيرة البكارة مرتبط بعلاقات مع النظام

وقال الشيخ إن “قسد” قتلت خلال الأيام الأخيرة عدداً من أبناء العشائر، واستولت على ثروات محافظة دير الزور، وداهمت البيوت وهاجمت أهلها، مؤكداً وقوفه إلى جانب قبيلة العكيدات. كما وجّه رسالة إلى أبناء العشائر في صفوف “قسد”، دعاهم فيها إلى التخلي عنها، ومتوعداً بمحاسبتهم ما لم يفعلوا ذلك.

كما تداولت صفحات ومنصات إعلامية مهتمة بأخبار المنطقة الشرقية في سورية كلمة صوتية للهفل، يُعلن فيه الوقوف إلى جانب قبيلة البكارة في نفيرهم العام ضد قوات “قسد”، مشدداً على أن “قسد” لا مكان لها على “أرض الفرات والجزيرة”.

البكارة في المواجهات ضد “قسد”

حول هذه التطورات، اعتبر الناشط وسام العكيدي، وهو من أبناء ريف محافظة دير الزور، لـ”العربي الجديد”، أن الشاب محمد خليل الموزر، شقيق خالد الموزر شيخ عشيرة المناصرة التابعة لقبيلة البكارة، قُتل مساء الخميس الماضي، إلى جانب الشاب تركي إسماعيل العواد، وذلك بعد استهدافهما برصاص عناصر “قسد”، أثناء مداهمة منزل الموزر في بلدة الكسرة بريف دير الزور الغربي بهدف اعتقاله.

وأوضح العكيدي أن عملية القتل حصلت على خلفية احتكاكات بين أبناء البكارة وقوات “قسد” التي بدأت في المرحلة الأخيرة بشن هجمات واعتقالات عشوائية بحق أبناء القبيلة وإقامة حواجز أمنية، تعتقل خلالها مدنيين بتهم مختلفة، منها التهريب، مشيراً إلى أن عشيرة البكارة تطالب “قسد” بتسليم مطلقي النار المتهمين بقتل الشابين وتهدد بالتصعيد ضد كل نقاط ومواقع “قسد”.

من جهته، قال الباحث أبو عمر البوكمالي، إن عشيرة البكارة قبيلة كبيرة تنتشر في سورية من حمص حتى البوكمال، وثقلها الأساسي في منطقة الجزيرة، وموجودة في حلب أيضاً.

وهناك قسم من القبيلة يقوده نواف البشير، ب النظام السوري والايراني  وتستغل جماعته مثل هذه الحوادث للتجييش ضد “قسد” في مناطق انتشار قبيلة البكارة.

وأوضح البوكمالي في حديثٍ لـ”العربي الجديد” أن “هناك قسماً في القبيلة ضد نواف البشير، وآخرين يحاولون اتخاذ مواقف متوازنة بقيادة حاجم البشير الموجود في مناطق قسد، وهو ابن أخ نواف البشير، وقد تم تنصيبه كشيخ لعشيرة البكارة في مناطق قسد.

وهؤلاء اجتمعوا الخميس الماضي مع قيادة التحالف الدولي في قاعدة حقل العمر النفطي، شرقي دير الزور، وطالبوها بالضغط على قسد لوقف الاعتقالات التعسفية بحق أبناء العشائر، وإخراج المعتقلين في سجونها، إضافة لاستئناف الأفران أعمالها وفتح طرقات دير الزور والمراكز الصحية في كل المناطق، فيما لم تتم مناقشة المواجهات الميدانية بين قسد وأبناء العشائر من دون حضور شيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل”.

من جهته، اعتبر الباحث أنس شواخ، من مركز جسور للدراسات، أن “معظم المناطق التي تسيطر عليها قوات قسد في شمال وشمال شرقي سورية ذات طابع عشائري، مما فرض عليها وعلى الإدارة الذاتية التواصل بشكل رئيسي مع الفاعلين المحليين من شيوخ ووجهاء قبائل وعشائر، وفق سياسات مختلفة بين الاستثمار أو التحالف أو التفكيك أو تغيير مراكز القوى للقبائل والعشائر بالشكل الذي يضمن مصالحهما واستدامة مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”.

أنس شواخ: علاقة “قسد” مع العشائر تستند إلى استراتيجية محددة تقوم على الانتفاع المتبادل

ولفت شواخ، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “الإعلان عن النفير العام ضد قسد، لم يتم من قبل زعيم العشيرة حاجم البشير، لكن من بعض وجهاء القبيلة ممن لديهم خلفيات عسكرية، وعدم وقوف البشير خلف الإعلان جعل منه دون فاعلية حتى الآن، لكن تتم مداولات بين وجهاء القبيلة بشأن الأمر”.

وأوضح أنه في حال تبنّي الإعلان من جانب العشيرة فسيحدث ذلك فرقاً كبيراً في الوقائع على الأرض، لأن البكارة منتشرة في أجزاء واسعة من مناطق “قسد”، والأخيرة تعتمد على الكثير من أبناء العشيرة في تثبيت نفوذها في مناطق شرق الفرات.

علاقة “قسد” والعشائر

وأضاف شواخ أن “قسد” تحرص بشكل دائم على إظهار تواصلها مع وجهاء وشيوخ قبائل وعشائر المناطق التي تسيطر عليها، لكن علاقتها الحقيقية مع هذه القبائل تستند إلى استراتيجية محددة تقوم على الانتفاع المتبادل، عبر تقديم امتيازات خاصة لبعضهم، كالتدخل في التعيينات الإدارية ضمن مؤسسات الادارة الذاتية في مناطقهم، أو منحهم فرصة كفالة مجموعات محددة من المدنيين المحتجَزين في مخيم الهول وإخراجهم بناءً على هذه الكفالات. وهو ما يساعدهم في تعزيز حضورهم وتأثيرهم داخل مناطقهم.

وأشار شواخ إلى أنه في المقابل تحصل “قسد” و”الإدارة الذاتية” على ولاء الشيوخ والوجهاء، وتضمن تدخّلهم لصالحها في حالات الاحتجاجات الشعبية المناهضة لسياسة “قسد”، لافتاً إلى أنه غالباً ما يكون لدى “قسد” و”الإدارة الذاتية” مجموعة ثابتة من الشيوخ والوجهاء الموالين لها في كل منطقة، تُقدّم لهم الامتيازات المذكورة، إضافة إلى مبالغ مالية شهرية ثابتة في بعض الأحيان.

وإضافة إلى ذلك، وفق شواخ، تتخذ العلاقة بينهما أحياناً شكل التحالف مثل العلاقة مع قبيلة شمّر، إذ تعتبر “قوات الصناديد” التابعة للقبيلة إحدى المكونات الرئيسية لـ”قسد” منذ تأسيسها.

أما الشكل الثالث من تعامل “قسد” مع العشائر العربية، فيقوم على محاولة الأولى تفكيك بعض العشائر ممن رفضت التعاون معها، وإعادة توزيع مراكز القوة فيها، مثل قبيلة العكيدات، إذ كانت “قسد” تدعم قائد “مجلس دير الزور” العسكري، أحمد الخبيل، وتعدّه ممثلها الأول في دير الزور ومساعدها في تقويض وتفكيك إحدى أكبر قبائل دير الزور، خصوصاً أنه كان أحد أبناء القبيلة وتمرد على المشيخة التاريخية للقبيلة المتمثلة بآل الهفل.

لكن “قسد” انقلبت على الخبيل في الصيف الماضي، وعزلته من منصبه بسبب سعيه للتفرد بالحكم بعيداً عنها، مما تسبب في اندلاع اشتباكات مع المجموعات التي يقودها شيخ القبيلة إبراهيم الهفل، في وقت تحاول فيه “قسد” في هذه المرحلة تقسيم قبيلة العكيدات، عبر تأسيس 3 مجالس عسكرية مستقلة جديدة في مناطق سيطرتها في دير الزور.

وأوضح شواخ أن “قسد” تعمل أحياناً على إحداث تغيير قسري داخل هيكلية قيادة أو مشيخة بعض القبائل أو العشائر، تحديداً تلك التي تكون ذات ثقل شعبي وغير موالية لمشروع “الإدارة الذاتية”، ويتم ذلك إما عَبْر دعم شخصيات ثانوية داخل تلك القبائل أو عَبْر التصفية مثل اغتيال شيخ قبيلة العفادلة، بشير الهويدي، وشيخ عشيرة البوعساف، عبيد الحسان، في محافظة الرقة عامي 2019 و2022 بسبب انتقادهما العلني سياسات “قسد” و”الإدارة الذاتية”.