وزير الدفاع سيرغي شويغو في مركز قيادة “فوستوك” بشرق أوكرانيا  (أ ف ب)

تواجه اوكرانيا  التي لم يسفر هجومها المضاد ضد الروس عن النتائج المتوقعة رياحاً معاكسة في مواجهة الشكوك التي باتت تحيط بالمساعدات الغربية والوحدة الأوروبية الهشة مع اقتراب انعقاد المجلس الاوروبي  الأسبوع المقبل.

وكمثال على هذا الوضع المحير كان من المقرر أن يتحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عبر الإنترنت أول من أمس الثلاثاء أمام الكونغرس الأميركي، بهدف الحصول على حزمة مساعدات مالية جديدة تعد حاسمة بالنسبة إلى بلاده، غير أنه ألغي هذا الخطاب في اللحظة الأخيرة من دون الإشارة إلى السبب.

نوايا عرقلة الدعم

يأتي ذلك فيما يلتقي الرئيس الفرنسي  اليوم الخميس في الإليزيه رئيس الحكومة المجرية فيكتور أوربان الذي يبدو أنه يريد عرقلة دعم كييف.

وطالب أوربان بتأجيل قرارين أساسيين بالنسبة إلى كييف سيخضعان للتصويت من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ويتعلق أحد هذين القرارين بدعم مالي بقيمة 50 مليار يورو، بينما يتعلق القرار الآخر ببدء المفاوضات في شأن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.

يذكر أن الهجوم الأوكراني المضاد الذي بدأ في يونيو (حزيران) فشل إلى حد كبير في تحرير الأراضي المحتلة في الشرق والجنوب، الأمر الذي أثار تساؤلات في شأن استمرار المساعدات الغربية الضخمة.

عند درجة التجميد

وعلى رغم أنه سجلت مكاسب في البحر الأسود، حيث تمكنت كييف من تصدير أطنان عدة من المنتجات الزراعية، فإن الوضع العسكري على الجبهة البرية يبدو الآن مجمداً، في ظل عدم وجود حل تكتيكي حقيقي في الأفق على المدى القصير. ومع ذلك، تؤكد كييف أنها قادرة على تحقيق مكاسب إذا استمرت المساعدات العسكرية الغربية.

في السياق، قال مسؤول عسكري أوروبي في حلف شمال الأطلسي لوكالة الصحافة الفرنسية، “حتى مع هذا الضخ من قبل الغرب، فإن أوكرانيا تفتقر إلى الرجال، وهي مشكلة لا تعاني منها روسيا”، مشيراً إلى أنه “في دورات التدريب (التي يقدمها “الناتو” للجنود الأوكرانيين)، يتقدم الأشخاص الأكبر سناً والأقل خبرة الآن”.

وأضاف المصدر ذاته “يجب الآن التعامل مع زيلينسكي، وجعله يتراجع عن موقفه المتشدد إلى حد ما. لا أحد يقول ذلك رسمياً، لكنني أعتقد أن هذا لا يزال جزءاً مما يتم إعداده”.

انخفاض معدل التعبئة

في المقابل، حاول مصدر دبلوماسي فرنسي التخفيف من أهمية هذه التصريحات، مشيراً إلى أن أوكرانيا لديها حالياً “معدل تعبئة منخفض للغاية” ولافتاً إلى أنه على الجانب الروسي “تم التلاعب بالإحصاءات”.

فضلاً عن ذلك، من المؤكد أن معنويات الأوكرانيين تراجعت بعدما سئموا من هذه الحرب، على رغم أن خطاب الجنود في الميدان لم يتغير.

سابقة خطرة

من جهتها، اعتبرت المتخصصة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية تاتيانا كاستونيفا جان أنه على رغم أن الحرب مكلفة للغاية، فإن “الأوروبيين لن يتركوا أوكرانيا تسقط أبداً لأنهم يدركون أنه إذا استولى (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين على أوكرانيا، فإنها ستكون سابقة خطرة للغاية” في ظل ما تحمله من أخطار على دول البلطيق وبولندا.

وفي هذا السياق أشار المصدر الدبلوماسي الفرنسي إلى أن كل الأسباب التي أدت إلى دعم أوكرانيا منذ 24 فبراير (شباط) 2022، لا تزال قائمة.

 

وقال هذا المصدر لعدد من الصحافيين إن “دعم أوكرانيا مسألة أمنية بالنسبة لأوروبا ولفرنسا”، مضيفاً أنه من الضروري أيضاً “استبعاد فكرة أن هناك أزمة تلغي أخرى”، في إشارة إلى المخاوف الأوكرانية من أن الحرب بين إسرائيل و”حماس” ستصرف اهتمام الأوروبيين بالنزاع في أوكرانيا.

وفقاً لهذا المصدر، من الطبيعي أن تكون هناك تساؤلات بعد نحو عامين على بدء هذه الحرب، وقال “يدرك الجميع أننا في فترة خطر، لكنني لا أرى (مؤشرات إلى) انهزامية لدى بروكسل أو لدى حلف شمال الأطلسي”.

مع ذلك، بالنسبة إلى تاتيانا كاستويفا جان، هناك حاجة ملحة لأن يقوم الأوروبيون بإسكات الأصوات المتنافرة مثل تلك الصادرة عن المجر “في وقت تسير فيه الأمور باتجاه ترسيخ الوضع الراهن” على المستوى العسكري، وقد يستمر ذلك حتى الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

الداخل الأوكراني

يأتي ذلك فيما بدأت تظهر مؤشرات إلى المستوى الداخلي في أوكرانيا، حيث “أفيد عن خلافات داخل النخب”، وفقاً لكاستويفا جان، التي تشير خصوصاً إلى تدهور العلاقات بين زيلينسكي والقائد الأعلى للقوات المسلحة فاليري زالوجني. وتساءلت، “هل هذه نهاية الاتحاد المقدس وراء زيلينسكي أم أنها مجرد مرحلة مرتبطة بالتحدي القائم على الجبهة؟”.

وفي هذا السياق، يسعى الدبلوماسيون الفرنسيون إلى إقناع شركائهم الأوروبيين والحلف الأطلسي بأنه من الضروري أيضاً مواصلة الدعم لأوكرانيا من أجل إرسال إشارة إلى فلاديمير بوتين بـ”عدم الاعتماد على استنفاد دعم كييف”، ولكن للقيام بذلك، يتعين على الأوروبيين أيضاً تسريع وتيرة زيادة معدلات صناعاتهم الدفاعية وقابلية التشغيل البيني للمعدات.