ترى الولايات المتحدة أن هناك فرصة لتطبيع علاقات إسرائيل مع كلّ من سورية ولبنان، في إطار عملية أوسع نطاقاً لإحلال السلم في الشرق الأوسط. وقد رسم مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستيف ويتكوف، في مقابلة صحافية، ملامح رؤية الإدارة الأميركية إلى مستقبل المنطقة، موضحاً أن التطبيع بين الأطراف الثلاثة يمكن له أن يستند إلى مسألتَين، الأولى أن سورية خرجت من دائرة النفوذ الإيراني، والثانية أن إسرائيل تتحرّك داخل لبنان وسورية، و”تسيطر عليهما ميدانياً”، على حدّ تعبيره، واعتبر أن ذلك يفتح الباب أمام تطبيع شامل، في حال تمّ القضاء على الجماعات المسلّحة. والجدير بالاهتمام هنا أنه ليس هناك ما ينفي أن تكون هذه التصريحات توجّهاً أميركياً يربط الانفتاح على السلطات السورية بالتطبيع مع إسرائيل. وحسب تسريبات من واشنطن، هناك جولة مراجعة للشروط الأميركية في دمشق في منتصف الشهر المقبل (إبريل/ نيسان 2025)، تقودها شخصية على مستوى رفيع من وزارة الخارجية الأميركية، وتشمل بحث ما تقدّمت به الإدارتان، السابقة والحالية.
وبصدد حديث ويتكوف عن القضاء على الجماعات المسلّحة، هناك فارق في الموقف من حزب الله والفصائل السورية. ويبدو أن التصعيد على نطاق واسع مستبعد في سورية خلال المدى المنظور، لأن الإدارة الأميركية اتخذت عدة خطوات، وتُجري حواراً لبناء علاقات مشروطة مع الفصائل التي أسقطت النظام السابق، بينما تستغلّ إسرائيل ضعف سورية العسكري، وحالة الفوضى السياسية الراهنة، لفرض أمر واقع في الأرض، توظّفه في أيّ مباحثات مقبلة ليكتسب طابع الديمومة، على غرار ما سار عليه الجولان منذ احتلاله عام 1967. وحسب ما هو متوافر من مؤشّرات حتى الآن، لا يبدو أن إسرائيل تنوي شنّ حرب واسعة على سورية في هذه المرحلة، لأن تعميق الفوضى من شأنه أن يقوي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ويفتح الباب لعودة إيران، ويعزّز نفوذ تركيا. لكن تلّ أبيب لن تتخلّى عن مشاريع التقسيم، وتطمح إلى تحويل سورية دولةً مجزّأةً وضعيفة. واللافت هو عدم صدور موقف أميركي رسمي صريح تجاه الاعتداءات والتوغّلات الإسرائيلية، وتجميد العمل باتفاقية فصل القوات التي هندسها هنري كيسنجر عام 1974، وفي ذلك كلّه زعزعة للاستقرار، وهزّ صورة السلطة الجديدة، بينما دعمت واشنطن الاتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتعمل مع الأطراف كافّة للحيلولة دون عودة النفوذ الإيراني إلى سورية.
لا يبدو أن إدارة ترامب على عجلة من أمرها لوضع سياسة واضحة متكاملة الأركان تجاه سورية، خاصّة في ما يتعلّق برفع العقوبات، وتكتفي بتصريحات ذات صبغة عمومية، ومواقف غير حاسمة تجاه الإعلان الدستوري، الذي وصفته وزارة الخارجية بأنه يمركز السلطة بيد شخص واحد، ورغم التباينات الواضحة بين مصادر القرار الأميركية تجاه حكّام سورية الحاليين، فإن الغالب هو انتظار حصول خطوات فعلية نحو بناء مؤسّسات الدولة، ومشاركة شخصيات في صنع القرار من خارج الفصائل، التي تحاول الإمساك بمفاصل السلطة، وهناك معلومات مؤكّدة بأن واشنطن أوصلت رسائلَ صريحةً بهذا الصدد من طريق بعض الدول العربية التي تضغط باتجاه رفع العقوبات، وهي تنتظر أن ترى ترجمةً لذلك في تشكيلة الحكومة المقبلة.
لا يقف التوجّه الأميركي عند التطبيع بين إسرائيل وكلٍّ من سورية ولبنان، بل يتعداه إلى السعودية، ليكون جزءاً من عملية أوسع نطاقاً لإحلال السلام في المنطقة، لكن السياسة الإسرائيلية تحول دون السير في هذا الطريق، من خلال استمرار حرب الإبادة والتهجير ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والضفة الغربية، ومواصلة الاعتداءات والتوسّع في لبنان وسورية، والتوجّه إلى شنّ حرب على إيران يمكن أن تشعل المنطقة.