أعلن رئيس الجمهورية جوزاف عون عن مؤشرات “ليونة” من جانب “حزب الله” في التعامل مع ملف سلاحه، وذلك في سياق خطوات مكثفة يبذلها لمعالجة واحدة من أعقد أزمات لبنان، تنفيذاً لما جاء في خطاب القسم، وتماشياً مع الضغوط والمطالب الدولية المتزايدة، خصوصاً الأميركية. حديث عون عن “الكثير من الليونة والمرونة” من الحزب يوحي بأن لبنان أمام ملامح تسوية تاريخية قد تُفضي إلى نزع السلاح. لكن يبقى السؤال الأهم: من يفاوض من؟ وهل القرار يُتخذ فعلاً في بيروت، أم أن ما يُحاك في الكواليس الاقليمية والدولية، وتحديداً في محادثات مسقط بين واشنطن وطهران، هو ما سيرسم ملامح المرحلة المقبلة؟
الحديث عن خطة “زمنية” لمعالجة السلاح، بعد زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، لا يمكن فصله عن الحراك الأميركي المتجدد تجاه طهران. فبدء المفاوضات بين إدارة دونالد ترامب الثانية والنظام الايراني يعيد لبنان إلى موقعه المألوف: ساحة لتصفية الحسابات، أو ورقة تُتداول في بازار الاقليم.
المعلومات عن حوار ثلاثي يقوده عون بالتعاون مع الرئيس نبيه بري و”حزب الله” توحي بمشهد لبناني داخلي يبدو، للوهلة الأولى، جدياً في مقاربة ملف السلاح. لكن الحقيقة أن هذا الحوار هو أشبه بعملية تجميل سياسي لمسار خارجي تُرسم خطوطه الأولى في مسقط، لا في بعبدا. ذلك أن أي تغيير جذري في وضعية الحزب وسلاحه لا يأتي من رغبة محلية، بل من قرار إيراني بحت، قد تُمليه حاجة استراتيجية طارئة: رفع العقوبات، وقف الاستنزاف، وتجنّب حرب إقليمية شاملة.
في هذا السياق، لا يعود سلاح الحزب شأناً سيادياً لبنانياً، بل “أداة قابلة للتفاوض”. الولايات المتحدة، مدفوعة بشهوة تقليص النفوذ الايراني، ترى أن نقطة البداية تمرّ من لبنان. وإسرائيل، وقد حققت نجاحات في غزة وسوريا، تنتظر اللحظة المناسبة لكسر الحلقة اللبنانية. أما إيران، المحاصَرة والمنهكة اقتصادياً، فتحتاج إلى تنفّس، ولو بثمن تقليص “أذرعها”.
المفارقة أن الحزب نفسه، الذي لطالما رفع شعار المقاومة ورفض الإملاءات الخارجية، قد يجد نفسه مضطراً، لا الى التنازل أمام الداخل اللبناني، بل استجابةً لضرورات طهران. وهكذا، تُعاد كتابة الرواية: ليس بفعل الضغوط السيادية اللبنانية، بل بسبب التزامات تفاوضية إيرانية – أميركية.
والأخطر، أن المفاوضات لا تقف عند حدود لبنان. ملف الصواريخ البالستية، دعم الفصائل المسلحة، وإعادة ترسيم النفوذ في الاقليم، كلها مطروحة على الطاولة. حتى صحيفة “جافان” الايرانية، لسان حال الحرس الثوري، لوّحت بإنهاء الحوار إذا ما طُرحت الصواريخ، لكن الأميركيين والاسرائيليين يُصرّون على إدراجها. في المقابل، تظهر طهران براغماتية مقلقة، تُذكّر بتنازلاتها في الاتفاق النووي الأول.
وسط هذه التوازنات، يظهر لبنان كجغرافيا لا كدولة، وككيان ينتظر تقرير مصيره في غرف مغلقة لا يملك مفاتيحها. الرئيس عون يعبّر عن تفاؤل، فيما الحقيقة أن لبنان، مرة أخرى، يتفرّج على مصيره وهو يُكتب من دون أن يكون حاضراً.
فأين لبنان من حوار عُمان؟ الجواب واضح: خارج القاعة، خلف الزجاج، يراقب وينتظر الاشارة.
عون: “حزب الله” أبدى ليونة
أعلن رئيس الجمهورية أن “حزب الله” أبدى الكثير من “الليونة والمرونة في مسألة التعاون وفق خطة زمنية معينة” لمعالجة ملف سلاحه، وذلك بعد زيارة أورتاغوس، والدفع الأميركي لحصر السلاح على الأراضي اللبنانية بيد القوى الشرعية، والبدء بنقاشات حول آلية معالجة هذا السلاح.
وقال النائب سجيع عطية، بعد لقاء لكتلة “الاعتدال الوطني” مع الرئيس عون، إن البحث تناول ملف نزع سلاح “حزب الله”، مضيفاً أن “رئيس الجمهورية يتعاطى مع هذا الملف بكثير من الحكمة، وقد أكد أن الحزب أبدى الكثير من الليونة والمرونة في مسألة التعاون وفق خطة زمنية معينة، وهو متفائل بأن الإيجابية لدى الحزب يجب أن نقابلها بإيجابية أيضاً وبتفهم للواقع الجديد الذي يعيشه البلد”.
قرار حكومي
في السياق، أكد وزير المهجرين كمال شحادة “التوافق التام بين رئيسَي الجمهورية والحكومة على الخطوات التي اتخذتها الحكومة في ما يتعلق بموضوع السلاح وتطبيق الاتفاقات الدولية المتعلقة بحصرية السلاح بيد القوى الشرعية”.
وأشار في حديث تلفزيوني الى أن “القرار اتُّخذ بضرورة حصر السلاح بالدولة اللبنانية وقواها الذاتية”.
فضل الله: المواجهة ضمن استراتيجية وطنية
وقال عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله، في مؤتمر صحافي عقده أمس في مجلس النواب، إن “الحكومة هي المسؤولة عن القيام بأي جهد رسمي لوقف الاعتداءات الاسرائيلية، وعليها التزام ما جاء في بيانها الوزاري”. واعتبر أن هناك “بنداً أساسياً يجب أن يكون على جدول أعمال الحكومة، وهو وقف استباحة لبنان، وهذه هي الأولوية الوطنية”.
ورأى أن “المواطنين يعانون من الاعتداءات الاسرائيلية ويطالبون الدولة بالقيام بدورها الفعلي”. وأشار إلى أن “النقاش الجدي يجب أن يركّز على الحقائق المرتبطة بالاعتداءات الاسرائيلية وكيفية مواجهتها ضمن استراتيجية وطنية وحوار بين الحريصين على هذه الوطنية”، لافتاً إلى أن “الجيش الاسرائيلي ارتكب جرائم حرب ضد مدنيين عزّل على مرأى لجنة مراقبة وقف النار والأمم المتحدة والدولة اللبنانية”. كما نفى “الادعاءات حول تهريب السلاح عبر مرفأ بيروت”.
رجي: لا مساعدات قبل حصر السلاح
إلى ذلك، شدد وزير الخارجية يوسف رجي، خلال استقباله سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان وليد بخاري، على “التزام الحكومة اللبنانية، بكامل أعضائها، تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية المطلوبة، وحصر السلاح بيد الدولة، لوضع لبنان على سكة التعافي والنهوض”.
وأكد رجي في حديث صحافي أن لبنان “أُبلِغ بوضوح أن لا إعادة إعمار ولا مساعدات دولية قبل حصرية السلاح شمال الليطاني وجنوبه”، لافتاً إلى أن آخر من أبلغ هذا الموقف للبنان الرسمي كانت المبعوثة الأميركية التي زارت بيروت نهاية الأسبوع الماضي، والتقت قسماً كبيراً من المسؤولين اللبنانيين.
تهديدات واستهدافات
ميدانياً، وبعد قصف ثلاثة منازل بالأمس في بلدة ياطر – قضاء صور، استهدفت مسيّرة إسرائيلية على ثلاث دفعات حفّارة في بلدة عيتا الشعب، سبقتها معلومات بأن الجيش الإسرائيلي طلب، عبر لجنة الإشراف، التزام الجيش و”اليونيفيل” مراكزهم في البلدة، وهو ما فُهم كتمهيدٍ لاعتداء محتمل كما حصل في ياطر. وقد تم إبلاغ الأهالي بضرورة توخي الحذر.