في مشهد يجسّد استمرار التصعيد في الجنوب اللبناني، استُهدف الشاب علي كايد هاشم، ابن بلدة مجدل زون، بصاروخٍ مباشر أُطلق من طائرة مسيّرة يوم الثلاثاء.
لم تُصِب المسيّرة الشاب العشريني في الضربة الأولى، إذ تمكّن من الركض محاولاً النجاة بحياته. لكن العدو الاسرائيلي لم يكتفِ بذلك، بل أصرّ على قتله، فاستهدفه بصاروخ ثانٍ، أنهى حياته على الفور. كل ذلك جرى تحت أنظار كاميرات المراقبة التي وثّقت الجريمة لحظةً بلحظة، في مشهد يختصر وحشية الاستهداف المتعمد، ويكشف حجم الانتهاك بحق شخص أعزل، ليس على الجبهة.
في يوم الاستهداف، كان هاشم يمارس عمله المعتاد، قبل أن تستهدفه طائرة مسيّرة بصاروخ مباشر، ما أدى إلى مقتله. الاستهداف، الذي وُصف بـ”المباشر والدقيق”، شكّل صدمة لأبناء بلدته الذين عرفوه شاباً طيباً، يسعى خلف لقمة العيش في ظروف معيشية صعبة، لا ذنب له سوى أنه وُجد في المكان الخطأ، في الزمن الخطأ.
وفق التفاصيل التي حصل عليها موقع “لبنان الكبير”، من مقربين في بلدة مجدل زون، فإن علي كايد هاشم لم يكن سوى شابٍ بسيط يعمل في بيع الخردة، ويجوب المناطق الجنوبية بحثاً عن رزقه اليومي. لم يكن منتمياً الى أي جهة سياسية أو عسكرية، ولا علاقة له بـ”حزب الله”، على الأقل في الوقت الحالي، في حين أشارت مصادر أخرى، إلى أن هاشم كان منخرطاً في صفوف الحزب، في وقت سابق، ولم يعد كذلك. وفي المقابل، نعاه “حزب الله”، كما بقية الشهداء، “على طريق القدس”، الأمر الذي يطرح السؤال التالي، هل بدأت اسرائيل بإستهداف عناصر الصف الثالث، أي المقاتلين العاديين؟
تطرح عملية اغتيال علي كايد هاشم، ابن بلدة مجدل زون، بوضوح تساؤلات حقيقية حول طبيعة الأهداف التي باتت الطائرات المسيّرة الاسرائيلية تلاحقها في الجنوب اللبناني. فهاشم، الذي لا يحمل صفة قيادية ولا يُعرف بانتمائه إلى أي فصيل مسلح، قد يكون نموذجاً لتحوّل لافت في قواعد الاشتباك: من استهداف القادة والخلايا الفاعلة، إلى ملاحقة عناصر الصف الثالث أو حتى من يُشتبه بانتمائهم، من دون أدلة دامغة؟
العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر، الباحث في الشؤون السياسية، قال لموقع “لبنان الكبير”: “ما نشهده اليوم من استهداف عناصر ميدانيين أو ما يُعرف بعناصر الصف الثالث من حزب الله، قد لا يكون مجرد تصعيد عسكري اعتيادي، بل هو انعكاس مباشر لقلق إسرائيلي متزايد من تصاعد الخطاب السياسي لدى الحزب حول عدم تسليم السلاح، وربطه بالمعادلة الداخلية اللبنانية. إسرائيل تدرك أن بقاء هذا السلاح لا يرتبط بالجنوب وحسب، بل بدأ يتحوّل إلى عنصر ضغط سياسي في الداخل اللبناني، وبالتالي فإن هذه الضربات قد تحمل رسائل مزدوجة: عسكرية وأيضاً سياسية، هدفها تقليص هوامش حزب الله لا ميدانياً فقط، بل على مستوى الخطاب والتأثير”.
أما العميد المتقاعد حسن جوني فرأى عبر موقع “لبنان الكبير”، أنه “ليس مستبعداً أن تواصل إسرائيل استهداف مقاتلي حزب الله، بغض النظر عن مواقعهم التنظيمية أو مستواهم القيادي. صحيح أنها كانت تركّز سابقاً على كوادر من الصف الثاني، لكن سياستها العسكرية لا تضع خطوطاً حمراً واضحة، وهي مستعدة للانتقال إلى استهداف عناصر من مستويات أدنى إذا تعذّر الوصول إلى الأطر القيادية”، معتبراً أن “ما نراه اليوم هو جزء من استراتيجية عسكرية إسرائيلية مستمرة، قائمة على الضغط العسكري المتواصل، سواء عبر استهداف الأفراد أو القواعد والمراكز التي تدّعي إسرائيل أنها تُستخدم لنقل السلاح أو تخزينه”.
الهدف الأساسي من هذا التصعيد، كما يبدو، هو الضغط على لبنان ودفعه باتجاه التفاوض، وتحديداً نحو نزع سلاح “حزب الله” تحت غطاء عسكري وأمني. وبالتالي، فإن ما يجري ليس مجرد ردود فعل ميدانية، بل خيار استراتيجي واضح تقوده إسرائيل لتحقيق غايات سياسية عبر الوسائل العسكرية.