منذ تسلمه الأمانة العامة لـ “حزب الله” لم يلقِ الشيخ نعيم قاسم خطاباً مماثلاً لخطابه الأخير حتى في يوم تشييع السيد حسن نصر الله، وإن كان يومها أعطى المعنويات العالية لجمهور الحزب، الذي كان أساساً مشغولاً ومهموماً بالحدث نفسه.
أما وقد مرّ ما مرّ بهم شعباً وما تبقى من قيادة، أما وأن إسرائيل مدعومة من أميركا بإعطائها الضوء الأخضر للقيام بأي عمل، أما وأن المسؤولين اللبنانيين لم يتوصلوا مع الحزب بعد الى عناوين لتسوية موضوع السلاح، أما وأن أطرافاً لبنانية تصدر تصريحات من هنا وهناك بوجه الحزب وسلاحه، أخيراً والأهم، أما وأن المفاوضات الأميركية-الايرانية لم تصل بعد الى النتائج المرجوة، سمعنا ما سمعناه من الأمينال عام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم.
ينقسم خطاب نعيم قاسم الى ثلاثة أقسام بعناوينه وتفاصيله، جزء أساسي موجه بالمباشر الى بيئة الحزب غير المرتاحة لكل ما يقال عن تسليم السلاح والتي لم تصل بعد الى حد الاقتناع بعدم وجوده بين أيديها كما كان، ليتوجه إليها الأمين العام في خطاب عالي النبرة بأننا لن نسمح لأحد بأن ينزع سلاح المقاومة ونحن لسنا ضعفاء بل نحن أهل المواجهة والعزة والكرامة للأرض والإنسان، ولدينا خيارات ونحن لا نخشى شيئاً وسترون في الوقت المناسب الذي نقرره. وربطاً نصل الى الجزء الثاني من الخطاب الموجه الى الداخل اللبناني تحديداً الأطراف التي تصدر عنها تصريحات في ما خص ضرورة نزع سلاح الحزب، ليرد عليها قاسم: إسرائيل تريد أن تبطل قوة لبنان بالحديث عن نزع سلاح المقاومة، فهل تطلبون منا أن نصل الى العجز الذي يتيح لإسرائيل أن تدخل الى كل لبنان؟ فهذا لن يحصل، ومن يحسبون أننا ضعفاء هم واهمون، فنزع السلاح بالقوة خدمة للعدو الاسرائيلي وفتنة بين المقاومة والجيش اللبناني لن تحصل، مضيفاً: سنواجه من يعتدي على المقاومة ومن يعمل على نزع سلاحها كما واجهنا إسرائيل، وننصح بألا يلعب معنا أحد هذه اللعبة.
لم يبقَ خطاب نعيم قاسم لبنانياً بحتاً، فهو بمجرد أن قال بمعادلة الإعمار لتسليم السلاح، يرد على مورغان أورتاغوس التي تحدثت عن عملية الإعمار بعد تسليم السلاح، وهذا لم يكن كلاماً عادياً لأورتاغوس، لا بل شرط أساسي من شروط إعادة الإعمار، وهو ما يعرفه قاسم جيداً، لكن الأمور لا تتوقف عند معرفته بالشروط الأميركية، ليبدو وكأنه يخاطب أميركا مجدداً من البوابة الايرانية لا اللبنانية، فالقوة الفائضة في خطابه لا تترك مجالاً للشك بأن محركها إيراني أراد أن يستغل ما يجري مع الحزب في لبنان، لتقوية ورقته الضعيفة في مفاوضاته مع الأميركيين، فبدا ما سمعناه من الأمين العام لـ”حزب الله” وكأنه رسالة جديدة حمّلته إياها إيران الخائفة كثيراً من خسارة كل محور الممانعة على الرغم من العديد من التطمينات التي تصلها، آخرها من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لكن يبدو أن إيران لا تحمل ملفاً تفاوضياً دسماً هذه المرة، وهي مضطرة لاستعمال أوراقها عبر وكيلها الأساسي في لبنان ألا وهو “حزب الله”.
طبعاً الرسالة وصلت الى الأميركيين، لكن الرد جاء بتغريدة على لسان أورتاغوس، التي وصفت خطاب نعيم قاسم بـ “التثاؤب”، مقللةً من أهميته من جهة وباعثةً برسالة له من جهة ثانية بأننا لا نكترث لكل كلامك، شروطنا وضعناها وعليكم التعاون مع الدولة اللبنانية للوصول الى اتفاق حول موضوع السلاح، اهتموا بهذا الموضوع، واتركوا لنا الشأن الايراني وإلا!
صحيح أن خطاب قاسم كان عالي السقف، إلا أنه في الوقت نفسه اعتمد أسلوب “ضربة عا الحافر وضربة عا المسمار”، فهو أبدى الاستعداد للحوار مع رئيس الجمهورية لكن ليس تحت ضغط الاحتلال وعدوانه، على اسرائيل أن تنسحب وتُوقف عدوانها، وأيضاً على الدولة اللبنانية أن تبدأ الالتزام بإعادة الإعمار وهذا سيمثل خطوة مهمة من أجل أن ندخل إلى نقاش الإستراتيجية الدفاعية.
مما لا شك فيه أن خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” الأخير كان قوياً، إلا أنه لم يحمل صفة نقلة نوعية ولا حتى نقطة تحول مهمة، لأنه وبكل بساطة عاد ليضع لبنان من جديد على سكة الخطر والتي من الممكن أن تحمل ضربات جديدة وقاسية هذه المرة كما يرى محللون محليون وغربيون، لنعيش مرةً أخرى حالة من الترقب يبدو أنها ستمتد لشهرين إضافيين يعتبران خطرين بحسب تعبير أحدهم، والحزب على ما يبدو لن يسلم، وهو يشتري الوقت حتى تنضج الطبخة الايرانية مع الولايات المتحدة، وهو وقت ليس بقليل.