خبر 1:
زعم علماء أنهم اكتشفوا لونًا جديدًا لم يره البشر من قبل. يأتي هذا بعد تجربة أجراها باحثون أميركيون بإطلاق نبضات ليزر على عيون خمسة من المشاركين من خلال تحفيز خلايا فردية في شبكية العين، ووصف الأشخاص الذين قيل إنهم شاهدوا اللون الجديد بأنه أزرق مُخضر، وأطلق العلماء عليه اسم olo – أولو.
(موقع صحيفة “ديلي ميل” البريطانية)
خبر 2:
ستيلا فيرسيني فتاة إيطالية أبهرت العلماء بلون عينيها الذي لم يُرَ من قبل في واحدة من أغرب الظواهر البصرية المسجلة في العصر الحديث، ولم يستطع أي خبير في العالم تحديده وإعادة انتاجه، حتى خوارزميات الذكاء الاصطناعي فشلت في تصنيفه بدقة. فلون عينيها يتغير عند الانعكاس من الفلوري إلى الفضي، وهو أمر غير مسبوق في الطبيعة وعالم الجمال. وأجرى علماء من جامعتي كامبردج وهارفرد فحوصات من عينات جينية من أسرتها لكن من دون التوصل إلى أي تفسير منطقي.
أطلق على هذا اللون اسم “ستيلا” ليسجل كأول لون ينسب إلى شخص حي.
(1)
هذان خبران مثيران وغريبان إلى حد كبير. غرابتهما باكتشاف لونين جديدين يضافان إلى ما هو معروف من ألوان في الطبيعة الأرضية والكون العلوي. مما يعني مبدئيًا أن أولو وستيلا لا لون لهما على وجه التحديد. لنقل بأنهما ما بعد الألوان في سردياتهما الشخصية المقفلة حتى الآن. فالبشرية منذ نشأتها مع الكون لم تعرف غير ألوان محددة مع أطيافها الخفيفة، واكتشاف لونين جديدين هما حالة ما بعد الخيال البشري وطاقته في استيعاب حالة جديدة، عليه أن يصدقها أولًا ومن ثم يراها. وهذا هو الإعجاز في سرديات التخييل الذي ربما سيصبح واقعًا حقيقيًا.
لكن أولو الجديد وشقيقه ستيلا لهما على ما يبدو لون تركوازي بمزج اللونين الأزرق والأخضر مع بعضهما كما يقول أهل الفن. لكن نبضات الليزر لتحفيز الخلايا الفردية لها علمٌ بما لا نعلمه حتى الآن. إنهما على ما يبدو ذوا جينات ضوئية منفردة لا علم للإنسان بها. ولهذا فهما غامضان. لا لونين. استثنائيان. أكبر من الخيال الفائق. فقد يكونان لونًا يفوق الألوان التي نعرفها بوهجه وإنارته.
سنضعهما ما بعد الألوان المتعارف عليها.
(2)
يتوجب التعريف بأن الألوان هي طاقة نفسية خارجية مُحيطة بنا من كل جانب وزاوية ومكان. فالحياة بتفاصيلها الكثيرة غابة من الألوان الدافئة والحارّة والمعتدلة. تتفاعل مع الأمكنة ولا تتفاعل مع الأزمان. زمن اللون يزحف على كل مكان له ألوانه الشخصية ولا يؤثر بها. لكونها في حالة التشبع والسطوع القار من العناصر المكونة للّون الذي هو- ربما- قبس عاكس لأعماق الضوء. لا علاقة للزمن بوجوده بقدر ما له من علاقة بعوامل مكانية جيولوجية كباطن الأرض والصخور الجبلية والأعماق البحرية. لذلك نجده وكأنه وجه آخر لشيء غامض يلامس النفس البشرية. بدرجاته المختلفة؛ فيرتبط بالمشاعر الإنسانية إلى حد كبير ويؤثر فيها. ولا يُعرف حتى الآن ما إذا كان أولو المُكتشَف سيؤثر بالمشاعر الإنسانية أم لا. لأنه حتى لحظة الكتابة هذه لا لون. مجرد رؤيا ورؤية. غير أنه يتيح المجال لنا أن نقف عند لون واحد من ألوان الطبيعة والكون التي نتفاعل معها. وهو اللون الأحمر بتأويلاته ورموزه ومعانيه المختلفة بين الشعوب، فهو يختلف في الثقافات العامة والشخصية كلون للفرح أو للحزن أو الحب أو الجمال أو الإثارة. فـ “تاريخ الألوان يعكس تطور البشرية وثقافاتها على مر العصور” بما يثيره من غرائز سلوكية ونفسية تقتضي رمزية معينة تختلف وتتباين زمنيًا ومكانيًا من شعب إلى آخر.
(3)
لعيون النساء وبعض الرجال في دول كثيرة ألوان خضر وصفر وزرق ورمادية وعسلية. ودرجات الألوان واشتقاقاتها ورمزياتها وتأويلاتها وفنياتها واقعًا وحلمًا، كثيرة جدًا. لا تكون فيها العيون حمرًا إلا فيما ندر عند بعض القبائل الأفريقية. وعلم نفس الألوان يتقصى العلاقة النافذة بين الأحاسيس البشرية والألوان التي تحيط بها من زوايا وأبعاد متعددة، كالبعد الديني والأسطوري والنفسي بتأثيراتها العصبية منذ أقدم العصور. وعادةً ما يرتبط اللون؛ أي لون؛ بمعطيات المكان وثقافته الشعبية على وجه الخصوص. ففي العصر الجاهلي ارتبط اللون الأحمر باللهو والخمر واللحم والطيب وهي الأحامرة الثلاثة عند العرب. ولهذا يقول الأعشى:
إن الأحامرة الثلاثة أهلكــت مالي وكنـت بها قديمًا مولعا
الخمر واللحم السمين وأطّلي بالزعفـران فلن أزال مولعا…
وعند الشاعر عنترة بن شداد صار الدم في المعركة وردته الحمراء إلى معشوقته عبلة:
سلي يا عبلُ قومكِ عن فعالي ومن حضرَ الوقيعةَ والطرادا
وعدتُ مخضبًا بدم الأعادي وكرب الركض قد خضب الجـوادا…
ولأنه يشابه دم الإنسان؛ وحتى الفرائس؛ فهو قرين الانتقام والعنف والتحذير والعدوانية. لكنه في الثقافة الصينية يُعد لون الحظ السعيد، وفي الثقافة الروسية يرتبط مع الجمال والشرف. والأفارقة يعدّونه مرتبطًا بالموت والفقدان. وفي الحضارة الإغريقية يُعد لونًا انتقاليًا “وكانت أكفان الموت حمراء”. لنرى أن اللون متفاوت النسبة الحسية بين الشعوب القديمة وحنى الحديثة منها.
ستيلا فيرسيني فتاة إيطالية أبهرت العلماء بلون عينيها، ولم يستطع أي خبير في العالم تحديده وإعادة إنتاجه، حتى خوارزميات الذكاء الاصطناعي فشلت في تصنيفه بدقة
(4)
اللون الأحمر له شخصية منفردة بين الألوان. إنه لون الدم والنهاية والغياب والفقدان في أحد الجوانب، وهذا يكشف أن للحالة النفسية في مكان معين طاقة معينة ترتبط بتلك الصفات، بعيدًا عن الروحانيات التي تقتل رغبة الانتقام والغضب وإثارة العداوة. وكأنما المكان ليست فيه خفّة ونعومة وتأمل وفرح. فمكان المعركة الذي تمثله صورة الجاهلية في معظم قصائد عنترة بن شداد هو الأكثر احمرارًا ودموية، لذلك انعكست صورة الشجاعة في المكان، وبالتالي تغيب صور الألوان الأخرى في مكان كذلك المكان الحربي. فينكشف غطاء الشخصية الفردية باللون الذي يمثلها:
ولقد ذكرتكِ والرماحُ نواهلٌ منّي وبيضُ الهند تقطرُ من دمي
فوددتُ تقبـيـلَ الســيوفِ لأنّها لمعـتْ كبارقِ ثغـركِ المتبــسمِ…
لكن كما نرى فإن الألوان على ما يبدو هي مزيج من الأضواء المخفية، تنعكس من داخلها إلى الخارج. ليست بحجم النجوم والكواكب المضيئة، انما تبدو وكأنها متجمدة على حالة مادية معينة تنعكس أمامنا بصفة لون معروف لدينا لسبب خارجي أيضًا كما في ساحات المعارك إذا أريد باللون الأحمر أن ينعكس. خلافه تبرز ألوان أخرى برمزيات الحدائق؛ ألوان الأزهار والورود؛ أو أصباغ الأبواب وسقوف البيوت، أو الغابات الشاسعة التي يفترعها اللون الأخضر عادةً. تلك الألوان التي تزيّن الحياة من كل اتجاهاتها يرتبط بعضها بالذوق الخاص، لكنه ليس كل ذلك في الأحوال كلها. وفي كثير من الأحيان فإن الجماعة هي التي تستقطب لونًا معينًا وتصبغ به واجهات بيوتها، سواء بالأصباغ العادية أم حجر السيراميك بألوان متناسقة، كالمدن البحرية التي تفضّل اللون الأزرق شبيه البحر. وقد تجد هناك فوضى لونية في بعض العواصم والمدن من القرميد الأحمر والحنّي وغيرهما من المواد التي تستعمل لتزيين البيوت وتلوينها.
الألوان أشياء خارجية مطلقة.
(5)
لا يوجد في داخل الجسد البشري غير لون الدم الأحمر. وتلك الخارجيات المحيطة بنا هي التي تسبغ علينا الذوق والراحة والرائحة والطمأنينة والتفاؤل والأناقة. ففي رحلة الألوان المتعددة تتعدد خواطرنا وأمزجتنا بين ما نراه خارجيًا وبين ما ينعكس منه في دواخلنا على شكل موجات عطرية وذبذبات نفسية وموجِدات عميقة في أنفسنا. لهذا ارتبط اللون في الطبيعة الماثلة أمامنا من أشجار وأزهار وأنهار وبحيرات وحدائق وعصافير وطيور. مثلما هو كامن في اللوحة الفنية بتدرجاته المتعددة. وفي أثواب وفساتين النساء على وجه الرؤية والجذب أيضًا. فالطبيعة تحتوي على كل الألوان ومشتقاتها وتركيباتها ومسمياتها ومزجها القدري، واللوحة الفنية خليط من أفكار وإلهامات وزيوت وأصباغ وابتكارات وتشكيلات لونية. أما فساتين وأثواب النساء فحار بها صنّاع الأقمشة ومصممو الموديلات الفضفاضة والضيقة، القصيرة والطويلة في ترتيب أذواق النساء لاغتنام طبيعة الألوان وتدرجاتها بما يسبغ على كل جيل نسائي ألوانه وموديلاته المطلوبة… بل حتى عطره.
“المفارقة الغريبة والمؤلمة أيضًا أن البدلة التي يرتديها المحكوم عليه بالإعدام تكون حمراء اللون أو مشتقة منه. وهو لون قاسٍ ينبئ عن قدوم الموت، والذي يرتديه في زنزانته هو الحي الميت”
(6)
إذا كان الرجال يتحاشون اللون الأحمر في ملبسهم العام (إلا من ربطة العنق) فإن النساء أكثر قدرة على احتواء هذه الفاصلة اللونية المميزة لهنّ كونه لونًا ساخنًا قويًا مشبّعًا بالطاقة، لهذا يرتبط بالمشاعر الشخصية بسطوعه المثير جالب الانتباه، معبّرًا عن المشاعر الرومانسية النافذة في أغلب الأحيان، كذلك يوحي بالأناقة والجاذبية والفخامة والحب والقوة والنشاط والحماسة والسيطرة والعدوانية أيضًا (بعض فرق كرة القدم يكون اللون الأحمر زيّها المناسب للمناسبات الكروية لإحداث ردة فعل على الفريق الخصم… إشارات المرور الحمراء آمرة بالوقوف. مصارعو الثيران يعتمدون الوزرة الحمراء لإثارة الثيران) وهذا الأحمر المميز ببريقه وقوته عرفه الإنسان في الطبيعة من خلال الدم ووهج الشمس والنار والحرارة. لهذا يعد الأحمر “من أطول الموجات الضوئية المرئية”.
(7)
المفارقة الغريبة والمؤلمة أيضًا أن البدلة التي يرتديها المحكوم عليه بالإعدام تكون حمراء اللون أو مشتقة منه. وهو لون قاسٍ ينبئ عن قدوم الموت، والذي يرتديه في زنزانته هو الحي الميت. يمكن تشبيهه بمفارقة محزنة بأنه الكفن الذي يلتف حول جسده، لهذا فهو “اللون الخطر”. وفي هذه المفارقة النفسية المؤلمة يتقاسم مثل هذا الشخص المهيّأ للموت لونان هما الأحمر والأبيض في معادلة غير متوازنة تمامًا. تشير؛ حين اقتراب النهاية؛ بأن الحياة ليس فيها غير هذين اللونين اللذين لا يتشابهان فكرةً وسلوكًا ونهاية. بينما تتوارى الألوان كلها. ولا نظن أن اللون المقبل على حياتنا olo يستطيع تخفيف ردات الفعل النفسية لدى مثل هؤلاء الناس الذين يعيشون في حوض الموت أيامًا قبل أن يموتوا…!
استعادة تاريخية مبسّطة
لو تأملنا مصادر بعض الحضارات القديمة لوجدنا الأحمر ومشتقاته وأطيافه كانت “محبّذة لدى البابليين والأشوريين لما لها من أهمية نفسية ودينية وتقليدية بعد أن ارتبط بالقوة الجسدية للبشر وبالنشاط والحياة ويرمز إلى الدماء”. وكان الأكديون والآشوريون “يستخرجون صبغات اللون الأحمر من مصادر حيوانية وديدانية تنمو على أشجار البلوط”، حيث تُغلى وتفرز “عصارات لونية” بينما كانت المخطوطات العربية القديمة بحواشٍ حمرٍ وزرقٍ وبنفسجية وكانت الألوان التي يستخدمونها عبارة عن صبغيات شَجَرية.
اعتمد إنسان العصر القديم على الطبيعة كرافدة له في كل شيء. وكانت به حاجة آنذاك للرسومات الجدارية، لهذا رافقته الطبيعة بألوانها المتعددة. وبقيت مصدره الأول والأخير كالطين والمعدن والنبات فاستخدم اليونانيون والرومانيون اللون الأحمر من مادة “دم التنين” والذي وصفه المؤرخون الرومان بأنه الدم الذي تم جمعه بعد قتال التنانين والفيلة.
مصادر وهوامش:
موقع “موضوع” – 28 آب/ أغسطس، 2023.
أبعاد اللون ودلالته في الشعر الجاهلي- شعر المعلقات نموذجا- إعداد الباحثة بشاير صالح عبد حسين العنزي- ماجستير في الآداب، قسم اللغة العربية وآدابها- جامعة الإسكندرية، جمهورية مصر العربية- المجلة الأكاديمية للأبحاث والنشر العلمي – الإصدار السابع والثلاثون.
حديث اللون في ألوان الحديث في الشعر الجاهلي – منيف الضوي- موقع الجزيرة – 16 نيسان/ أبريل 2021.
مجلة حوليات التراث – العدد 3/ 2005 – الأساس الواقعي لجماليات اللون في شعر الأغربة الجاهليين – خالد زغريت – جامعة حمص- سورية.
ويكيبيديا- الموسوعة الحرة.
لم يرد ذكر اللون الأزرق في التوراة مطلقا.
يقال بأن آخر لون تم اكتشافه كان الأزرق فهوميروس اليوناني وصف البحر بالنبيذ الغامق ولم يعثر ولو لمرة واحدة على كلمة أزرق في ملحمتيه الأوديسة والإلياذة.
من الروايات المعروفة التي حملت مفردة “الأحمر”: اسمي أحمر- الروائي التركي أورهان باموق. والأحمر والأسود – ستاندال، وهو روائي فرنسي. ويرمز اللون الأحمر في الرواية الأخيرة إلى الجيش والأسود إلى ثوب الرهبان، وتتناول الظروف الاجتماعية في فرنسا خلال المرحلة من 1815 إلى 1830.
“الألوان مثل الملامح… تتبع تغيرات المشاعر”، بابلو بيكاسو.
شارك هذا المقال