تسري في بعض الأبنية المجتمعية كلمات لها وقع السحر، أو ما يشبه الاحتفالات الشعائرية، من حيث المفعول والأثر عند الآخرين، لتتشكل سلطة من حيث الهيمنة، نظرًا إلى توفرها على رأسمال رمزي، يُصار بها إلى إحداث نوع من العنف والاستبعاد. وهذا يعود إلى ما تحظى به من شرعية، تستند في أغلب الأحيان إلى مرجعية الاستعارات اللغوية لنموذج له سلطة الخطاب، لكي تحدد نفسها وتأخذ هوية الانتساب إلى مؤسسة القول ومعانيه، والتي بطبيعة الحال تملك أدبياتها الأيديولوجية. وهذا ليس فقط على صعيد حقل السياسة، إنما أيضًا على صعيد العلم، والثقافة بشتى تعبيراتها، من فكر وشعر ومذاهب دينية ذات وجهة وفهم محدد…
وهنا نقف على عتبة القول من زاوية مجتمعية في سوسيولوجيا اللغة كما صنفها توماس لوكمان، لأن اللغة وسيلة اجتماعية تربط الفرد بجماعة أو طبقة أو نموذج له عقليته وخصائصه، فهي واقعة مجتمعية مهمة. فكما يرى همبولت، فإنها تتوسط بين الذاتية والفردية المحددة من خلال الكيان الشامل للبناء الاجتماعي، والذي يوفر نوعًا من التوزيع اللامتكافئ للرأسمال الرمزي بطبيعة الحال. وهنا لا نكون أمام فكر في جهة ولغة في جهة أخرى كما يرى فيتجنشتاين، لأن كليهما يتوالد من الآخر تركيبيًا، ليأتي جان بياجيه ويقول إن جذور البنيات المنطقية والرياضية تكمن في تنسيق الأفعال قبل تطور اللغة، من خلال التفاعل مع العالم الخارجي.
اللغة عبر الكلمات تشير إلى شيء، إلى “الهناك”، إلى خطاب له مراسيله التي تكشف عنه. وبالتالي، فإن المنغمس في جو وبيئة هذا الخطاب، إن كان يعي أو لا يعي، فإنه يقول ويشير إلى اتجاه هذا الخطاب وما يحمله من نظام تعريفي للأشياء التي أُعطيت أوصافًا ووسومًا. وبالتالي، فإن الذوات هي الحوامل التي تُنقل عبرها قوانين الأشياء المعروفة سلفًا. من هنا، إلى أي حد يكون الحامل له سلطة القول على المحمول، والتي يتحول معها الحامل إلى شيء أشبه بالرضيع الذي لا تتوفر حالات الإشباع إلا بهذا المحمول المستبطن، الذي يستريح فيه لأنه أشبه بالرحم الذي يسكنه ويشعره بهوية الانتماء الهوياتي. وعلى ذلك، تصبح الكلمات أشبه بالسهام التي تطارد كل مخالف لنظام الخطاب، والذي يعمل على إحراج الخطاب بالأخطاء والاختلاف.
الصراع على امتلاك شرعية اللغة التي تمنح القوة
السؤال هو: هل السلطة للكلمات بذاتها، أي أن قوتها داخل الكلمات، وبالتالي هناك فصل عما هو خارجها، أي عن الأفراد، كما ذهب فردينان دو سوسور والتي قامت الألسنية البنيوية على أساسها، والذي سوّغ كلود ليفي ستراوس أعماله من خلالها بفصل الشكل عن الجوهر في عملية أشبه بالخلاص المنهجي؟ فالاختلاف بين لغات العالم هو اختلاف في الشكل، اختلاف في الطريقة التي تُقسم بها المواد المشتركة: تتابع الصوت والفكر في لغات مختلفة. لذا، فإن اللسانيات تعنى فقط بالشكل، وليس بمادة اللغة، الأخيرة مسألة لا أهمية لها بالنسبة لعالم اللغة. والعلاقة بين المفهوم والصوت الذي يشكل العلامة عند دو سوسور هي علاقة اعتباطية.
من هنا، أخذ ستراوس هذا الفهم من مفهوم اللغة لدى سوسور، معتمدًا بشكل رئيس على ثنائية “الطبيعي والثقافي” في حقل القرابة، وكذلك ثنائية الشكل والمضمون، ليطبقه على بنية لغة الأسطورة، معتمدًا على أهمية الشكل، الذي من خلال الأدوات (الدال)، كالطوطم، يتم إخفاء هذه التعارضات فيه. ونكون عندها أمام بنيات موضوعية هي من طبيعة الذهن بشكل منطقي، يبتعد فيها ستراوس عن الثقافة من خلال الطابع النفساني، كما يشير إلى ذلك غودلييه عن أستاذه، الذي عمل على معادلة جعلها الأم في تفسيراته، مبتعدًا عن الصرامة والدقة.
وبالرجوع إلى موضوعنا الأساس: هل السلطة للكلمات، أم للمؤسسة التي تعطي الشرعية لكلمات بذاتها، فتتحول إلى دوالٍ للسلطة الفعلية؟ وهنا نكون أمام سوسيولوجيا الصراع (ماركس، وفيبر)، الذي استفاد عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو منها لفهم عملية احتكار إنتاج الثقافة لامتلاك السلطة الرمزية. ليجد أن القول ما هو إلا سلطة موكلة لمن فُوّض إليه أمر التكلم والنطق بلسان جهة معينة، وبأن سلطة الظواهر اللغوية وفعالية لغة المؤسسة إنما تستمد سلطتها من الخارج:
“فمن عهد إليه أن يكون ناطقًا باللسان، لا يستطيع أن يؤثر عن طريق الكلمات على أعضاء آخرين، ويؤثر عبر أعمالهم على الأشياء ذاتها، إلا لأن كلامه يكثف الرأسمال الرمزي الذي وفرته الجماعة التي فوضت إليه الكلام ووكلت إليه أمر النطق باسمها وأسندت إليه السلطة” (من كتاب “الرمز والسلطة”، بيير بورديو، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي).
“الإشكالية هي في الجمهور الذي يرى أن كلام الزعيم هو كلام مقدس، خصوصًا مع الأنماط غير العقلانية، ويكون الإيمان بكلامه إيمانًا تامًا، مع أنه في أحيان كثيرة تكون أفعاله عكس كلماته”
يعطي بورديو مثالًا عن الصولجان عندما يُمدّ في أشعار هوميروس إلى الخطيب وهو يأخذ الكلمة، باعتباره رمزًا للسلطة. من لباس، على سبيل المثال، أو طريقة في الكلام، واستعمال بعض الملفوظات، ما هي إلا سلطة للنموذج، ومن يستعمل هذه الأدوات هو بشكل أو بآخر يريد أن ينتمي إلى جماعة ومؤسسة. وهناك بعض الخصائص اللغوية التي تميز أسلوب رجل السياسة، أو مثلًا الخطيب الديني، أو حتى الشاعر أو رجل الصحافة. وجميع المؤسسات، كالتقليد والتكرار وترديد القوالب الجاهزة، التي تتأتى في ميدان التنافس والسباق على الأدوار التي أُسندت إليهم، أي أن دور هؤلاء هو تمثيل السلطة والإشارة إليها.
نرى أن لكل نموذج إرشادي كلماته وتعبيراته الخاصة، التي تسري في كافة مؤسسات المجتمع، في الجامعة أو حتى في أبنية المجتمع، التي لكل واحدة منها مفردات خاصة، للتمايز (الهابيتوس). أي التعسف الثقافي. مثلًا، الفئة التي تعطي انطباعًا بالتكلم بأكثر من لغة، ما هي إلا ممارسة عنف على الآخر واستبعاد وإزاحة للمختلف، وهنا ندخل في الموضة وسحرها.
يشير بورديو إلى أن قواعد بلاغية معينة تميز جميع أشكال الخطاب الذي يصدر عن المؤسسة، لمن سُمح له وعُهد إليه التكلم بلسانها، وفي كثير من الأحيان تتوقف على المقام الاجتماعي للمتكلم، ليكون ذا مشروعية أيضًا ولكي يكون له فعالية. فالمجالات الاجتماعية هي مجالات الصراع من أجل تحويل مجالات القوى تلك والحفاظ عليها. إن أقوى هذه المجالات كما يصنفها بورديو هو مجال البلاط والأحزاب السياسية، والتي يكون صراعها، كما يشير ماكس فيبر في “حرفة السياسة”، ليس من أجل تحقيق غايات موضوعية، بل صراعات لإحكام الرقابة على توزيع المناصب، أي أنها تتأثر بالمسّ بحقها في المناصب أكثر من تأثرها بمعارضة أهدافها العينية.
والإشكالية هي في الجمهور الذي يرى أن كلام الزعيم هو كلام مقدس، خصوصًا مع الأنماط غير العقلانية، ويكون الإيمان بكلامه إيمانًا تامًا، مع أنه في أحيان كثيرة تكون أفعاله عكس كلماته. وهذه الشخصيات توحي بشكل من الأشكال بطابع تجاوزي، فتمارس القداسة في حقل اللاقداسة. وهذه النماذج أيضًا يكون وقع كلامها أشبه بالسحر، في شكل الخطاب والتعبيرات والنبرة، ليعطي إيحاءً بإغواء النبوة من حيث الاستفادة من العالم العلوي.
ما يزال هذا البعد، منذ التراث حتى اليوم، يُستخدم نظرًا لفاعليته في استملاك أرواح وأبدان الجماعة، لأنه يحوي رساميل رمزية ضخمة في إضفاء المعاني على الأشياء وتحويل حقيقتها. وهذا يعود إلى السلطة المعطاة له والإيمان بكلماته، من خلال النماذج المتعددة (إن كان إسلاميًا، يساريًا، ليبراليًا، قوميًّا)، والسياسيون يقدمون أنفسهم كمتعهدين لخدمة هذه النماذج وضباط للانتظام.
أيضًا، ينطبق هذا الكلام على الصحافة، كما يصفها فيبر، بوصفها تشكل تنظيمًا سياسيًا، أي أنها وسيلة مشتراة، تعمل على تحوير كبير من خلال الكلمات ذات السلطة، لأنها تشير إلى نموذج له رساميل من الشرعية، بالإضافة إلى سوق الإعلام بكل تعبيراته. لذلك، من يتكلم بلغة خارج سلطة القول يُستبعد بشكل كبير.
تعاقب نماذج القول في بنى الثقافة
نرى الصراع في المجال الثقافي، بين فنانين وشعراء يقدّمون أنفسهم ويوظّفونها ليملكوا سلطة القول والتصوير. على سبيل المثال، ألم يكن الشعراء في تنافس مع النبي من ناحية الإبداع واستقبال الإشارات وتصويرها عبر اللغة؟ المتنبي، مثلًا، ألم ينافس على سلطة القول؟ فمثلًا، لم يكن شعراء الفترة الرومنطيقية (ألمانيا) بحاجة إلى إطلاق لقب الفيلسوف عليهم، وهذا يعود إلى إشارات الكلمات المتأتية من شرعية النموذج الطاغي الذي كان يتكلم لغة العصر، وعندما يُزَحزَح هذا النموذج نرى الاستهداف، كاستهداف هيغل للشاعر يوهان بول، الذي خرج عن النموذج الإرشادي لروح ذلك العصر، والذي قال نيتشه عنه إنه كان كاشفًا لعصره من خلال القالب الساخر. فالسّيادة للنموذج، وما القول إلا أداة، لأنه استند إلى إطار مرجعي، وعندها لا تعود السلطة للشخص أو الكلمة بذاتها. وعلى ذلك، نكون أمام إشارة رولان بارت في “موت الكاتب”، فهي بشكلٍ ما إشارة إلى سلطة النموذج. وعلى ذلك، تُقام المنتديات الثقافية بشكل دوري لمؤسسات الشرعية الثقافية، والمرتبطة بشكل أو بآخر بمؤسسات السلطة السياسية، كمجال دعائي ترويجي لأيديولوجيات بشكل خفي، وهنا ندخل في عملية تسليع للثقافة بشكل أوسع، وارتباطها بسلطات النماذج، على امتلاك السلطة الرمزية للثقافة واحتكارها وإعطاء الشرعية.
وكذلك الأمر، على كلّ من له علاقة بالمؤسسة التي تعيد إنتاج المجتمع، في الثقافة أو السياسة، وبالأخص العلوم الإنسانية، ألّا يكون دوره هو إرضاء المؤسسة، بل النقد الدائم، بوصفه “حرفيًا فكريًا”، كما أشار رايت ميلز، بعيدًا عن صورة التقني المتزمت، ليس على طريقة “اجتماعيات بارسونز” التي تؤدي إلى المحافظة على النمط والتكيّف الوظيفي لثبات شرعية السلطة.
الكلمات، بمعنى من المعاني، هي استعارات وكنايات عن نماذج وهويات وأيديولوجيات تتكلّم عبر الأفراد والجماعات، وهذا لا يخص المجال السياسي والثقافي فقط، إنما أيضًا المجال الاقتصادي والإنتاجي. فمثلًا، نجد أن لأنماط السوق الحديث لغة، ومن يخرج عنها يخرج عن مجال السوق والتبادل. وكذلك، الكلمات عبارة عن كنايات للرغبات الضائعة، وقد تكون تعبيرات لاتجاهين في الواقع: الأول واقع يُعاد فيه الماضي باستمرار، والثاني واقع للقفز عن الذاكرة والانتماءات.
“لم يكن شعراء الفترة الرومنطيقية (ألمانيا) بحاجة إلى إطلاق لقب الفيلسوف عليهم، وهذا يعود إلى إشارات الكلمات المتأتية من شرعية النموذج الطاغي الذي كان يتكلم لغة العصر”
وأيضًا، من المجالات الأكثر أهمية: المجال العلمي والأكاديمي، الذي لا يعمل، حسب بورديو، إلّا إذا وُجد أعضاء يستثمرون فيه أنفسهم ويوظفونها، ويساهمون فيه ويتابعون، وعن طريق صراعاتهم وتنافسهم للحفاظ على بنيته أو تحويلها. لذلك، القليل من العلماء من يعمل على خرق غلاف السلطة وعلى فضحها، من خلال الكشف عن الإيمان الذي يغطيها. أما هؤلاء الذين تُوكل لهم المهمة الاجتماعية لكي يعترفوا بأنفسهم، فإنهم يجدون صعوبة في الكشف عن الأساس الحقيقي الذي تقوم عليه السلطة القوية، التي تمارسها جميع المكافآت الاجتماعية، التي تدل على اعتراف بالقيمة، أمام العلم الذي يقطع مع البديهيات في الفكر العادي والمعرفة المتلكئة للعلم الرسمي، لأن وحده الموقف الانتقادي يستطيع أن يقضي على اليقينيات التي تتسرّب إلى الخطاب العلمي عبر المسبقات التي تسكن اللغة، والقوالب الجاهزة الكامنة في الخطاب اليومي المتداول حول المسائل الاجتماعية، عبر ضباب الكلمات، لأن اللغة تعبّر عن المتحوّل. وعلى ذلك، فإن الوظائف الاجتماعية أوهام اجتماعية، وطقوس المؤسسة هي التي تجعل ممن يُعترف له بالدخول في المؤسسة: ملكًا أو خطيبًا، واعظًا دينيًا أو أستاذًا أو فنانًا، فترسم له صورته الاجتماعية وتُعطيه منصبًا تُلزمه بما هو عليه، أي ما ينبغي أن يكونه باعتباره موظفًا، فتلزمه بالقيام بوظيفة، ويدخل اللعبة والوهم، ويلعب اللعبة والوظيفة. فالسلطة الرمزية هي سلطة لا مرئية، ولا يمكن أن تُمارس إلّا بتواطؤ أولئك الذين يأبون الاعتراف بأنهم يخضعون لها ويمارسونها. من هنا، نرى أن من لا يملك سلطة القول، أي المبتعد عن المؤسسة التي توفّر السلطة للقول، لن يكون إلّا منبوذًا، لا شرعية لقوله الآخر، الذي هو قول يمنح العالم فهمًا غير متكرر.
الاتجاه التقني والاتجاه النقدي
من خلال هذا، نرى أن بورديو وضع اتجاهين للعلماء: اتجاه له صفة المهنة عند سلطان النموذج، والذي هو أشبه بالفولكلور والزينة، من دون تقديم أية إشكاليات تعمل على كشف السلطة التي تختبئ بالكلمات، وبأن هؤلاء دورهم هو معاودة إنتاج النظام. والاتجاه الآخر، هو الذي يطلع بمهمة النقد، الذي من خلاله ينمو العلم. مهمّته الكشف عن الألغاز، وتقديم الإشكاليات، وتدشين التخوم المحرّمة، والابتعاد قدر الإمكان عن الاصطفافات التي تشكّل مظلّة للشرعية، وأخذ مسافة عن الانتماءات، وإلّا لن نستطيع ملامسة وملاحظة التعسّفات والاستبعادات للإنسان المنبوذ، المُلقى عليه من قبل العنف الرمزي لمؤسسات المجتمع.
ونرجع إلى المجتمع، الذي منه وبه تُنتج كل هذه المجالات، وأهمها القول وسلطته وعلاقته بالمؤسسات، أيًا كان هذا القول، إن كان على صعيد السياسة أو الفنون والأدب أو على صعيد العلم، والتي على عالم الاجتماع، كما ينبهنا بورديو، أن يخلق مسافة عنها لكي يعي ويهتم بالمؤسسة (“درس في الدرس”، محاضرة أُلقيت في الكوليج دو فرانس)، ويتحرّر منها. فالأستاذ الذي يتكلم بنوع من النفوذ، يكون كلامه خطابًا مشروعًا يصدر عمّن يعنيه الأمر. لا يجب أن يكون السوسيولوجي، كما أشار بورديو، ينتظر الرضى عن كلامه، لأن العلم لا يقوم إلّا بالنقد، ولا كما قدّمه مثلًا كارل مانهايم، أي الحلم بقفز وطيران اجتماعي لطبقة تشكّل البديل التاريخي لمطمح المعرفة المطلقة، وهو وهم النخبة. وبالعودة إلى بورديو، فإن العالِم الذي لا يخلق مسافة، سوف يتحوّل إلى مفتّش مرعب، قادر على الممارسة الرمزية لجميع أعمال الشرطة، أو على طريقة الزعامة المشيخية للمعرفة التوكيدية.
وأخيرًا، إن ما يُعطي للكلمات والقول من قوة، ويجعلها قادرة على حفظ النظام والمؤسسات التي تُنتج هذا النظام/ النموذج أو خرقه، هو الإيمان بمشروعية القول وجهازه، الذي شكّل دوالّ كثيفة لسماكة النظام (إبيستيميه فوكو لكل عصر)، تنسحب كينونتها المجتمعية باستمرار وتختفي عبر سحر الكلمات. لذلك، من يقول كلمات بعيدة عن المؤسسات الاجتماعية هو شخص غريب، منبوذ إلى حد ما. من هنا، فإن الدرس الأهم من سوسيولوجيا بورديو هو عدم القول الذي يُرضي، لنَيل شرعية السلطة والتوفّر على الرأسمال الرمزي. فالكلمات تدفّق للفراغ وامتلائه، بل علينا أن نكون كاشفين للسلطة التي تُهمّش الآخرين.