حذرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية من خطر اندلاع حرب أهلية جديدة في سوريا، في ظل تنامي نفوذ الميليشيات المسلحة التي “تنفذ القانون بيدها”، وضعف سيطرة الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، الذي تولى الحكم بعد سقوط نظام الأسد.
وقالت الصحيفة إن وزير الخارجية الأميركي حذر أمام مجلس الشيوخ من احتمال انهيار السلطة الانتقالية خلال أسابيع، في ظل اشتباكات دموية شهدتها مدن سورية عدة، كان أبرزها في اللاذقية، حيث سقط نحو 1700 قتيلاً خلال صدامات بين ميليشيات وأفراد من الطائفة العلوية، إضافة إلى مواجهات أخرى في السويداء بين فصائل إسلامية ومدنيين دروز.
ووفقاً للتقرير، فإن أبرز التحديات التي تواجه الشرع تتمثل في الجماعات المسلحة الأجنبية التي قاتلت معه ضد الأسد، وتحوّلت الآن إلى قوة مستقلة قد تنقلب عليه، إذ يضم بعضها مقاتلين من القوقاز وروسيا وتركيا ومصر، واندمج جزء منهم في أجهزة الأمن أو تقلد مناصب حكومية، في حين يسعى آخرون لفرض رؤيتهم الدينية بالقوة.
وتشير الصحيفة إلى أن غياب التمييز بين الميليشيات “الرسمية” وتلك الخارجة عن القانون، إضافة إلى اختراق أجهزة الأمن من قبل فصائل متطرفة، كلها عوامل تعمّق من فوضى الدولة، وتضع الشرع أمام معادلة صعبة: بين مطالب أميركية بطرد المقاتلين الأجانب، وضغوط داخلية من حلفائه المسلحين.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع الأمن في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الصحيفة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
عندما قرر الاتحاد الأوروبي في يوم الثلاثاء الماضي أن ينضم إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب في رفع العقوبات عن سوريا، أطلق وزير الخارجية الأميركي تحذيراً مدوياً تجاه ما يمكن أن يحدث في سوريا.
إذ في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، حذر روبيو من أن تقييم بلاده يرى وبكل صراحة بأن: “السلطة الانتقالية، ونظراً للتحديات التي تواجهها، لم تعد تفصلها سوى أسابيع ربما، وليست شهوراً، عن احتمال الانهيار، وعن الحرب الشاملة التي تفوق كل المقاييس، والتي سيتعرض البلد من خلالها للتقسيم بصورة أساسية”.
أتى تحذير روبيو في أعقاب أحداث دموية وقعت بمحافظة اللاذقية في آذار الماضي وذلك بين الميليشيات المسلحة وأفراد من الطائفة العلوية، راح ضحيتها ما بين 1100 إلى 1700 إنساناً، وذلك بحسب تقديرات منظمات حقوقية، غير أن ما لا يقل عن 900 شخصاً من الضحايا كانوا مدنيين. وخلال الشهر الماضي، وقعت اشتباكات دامية أخرى بين الميليشيات الإسلاموية من جهة والمدنيين الدروز والميليشيات الدرزية من جهة أخرى، وقع ضحيتها ما لا يقل عن مئة وشخصين.
سيناريوهات مخيفة
لذا، عندما حذر روبيو من خطر اندلاع حرب أهلية، فإنه كان يشير بصورة رئيسية إلى أنشطة الميليشيات الأجنبية الشريكة لأحمد الشرع، الرئيس السوري الجديد والقائد العسكري القديم لهيئة تحرير الشام، والتي بقيت تحارب نظام الأسد سنين عدداً، فلقد ساعدت تلك الميليشيات الشرع في إسقاط الأسد، بيد أن الخوف الآن يتمثل في أنه كلما أرجأت حكومة الشرع البحث عن حل للتخلص من تلك الميليشيات وإخراجها من سوريا، أو على الأقل تحييد سيطرتها على بعض المناطق في البلد، زاد احتمال ظهور حركة مقاومة شعبية ضدها، وهذه الحركة في حال قيامها يمكن أن تستهدف تلك الميليشيات، وكذلك الحكومة التي تسمح لها بأن تعمل في البلد، وهذا ما قد يمهد السبيل وبشكل سريع لنشوب حرب أهلية في سوريا.
غير أن تلك الميليشيات ليست كلها من طينة واحدة، إذ معظمها ينضوي تحت رايتها مواطنون سوريون إلى جانب أجانب تعود أصولهم إلى إقليم القوقاز وروسيا وتركيا ومصر والأردن. وفي الوقت الذي بقي عدد هؤلاء الأجانب مجهولاً، أشارت تقديرات إلى أن عدد المقاتلين بينهم يتراوح ما بين خمسة إلى ستة آلاف، وقد استقر بعضهم في سوريا حيث تزوجوا من سوريات وأسسوا عائلات، ومع سقوط نظام الأسد، ظهرت لديهم الرغبة ببناء “حياة جديدة”.
في حين اندمج آخرون منهم ضمن قوات الأمن السورية، بل إن بعضهم عُيّنوا في مناصب رفيعة ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، أما الفئة الثالثة فتنتمي لفصائل متشددة ترغب بإقامة نظام حكم ديني في سوريا، ومن المرجح لهؤلاء المقاتلين أن يصطدموا بشكل مباشر مع القوات الحكومية أو أن ينضموا لقوات تنظيم الدولة التي ماتزال موجودة في البلد، فينفذون من خلالها هجمات ويحاولون تجنيد عناصر ضمن صفوفها ممن يشتركون معهم بالرؤية العالمية المتطرفة. وإلى جانب النشاطات العنيفة التي تتبناها تلك الميليشيات والتي هزت البلد خلال الأشهر الماضية، فإن النزاعات والمماحكات الأقل حدة ماتزال تمثل تحديات لا تقل صعوبة عن غيرها أمام نظام الشرع.
“كيف سنية ولا ترتدين الحجاب؟”
روت الصحفية السورية عرين يمان حادثة صادمة في منشور كتبته على مدونة موقع رصيف22 اللبناني جاء فيه: “في 20 شباط 2025، كنت أقود سيارتي ومعي خطيبي عندما استوقفتنا سيارة سانتافيه، وخرج منها ستة مسلحين، كان بينهم خمسة ملثمون، والسادس الذي لم يكن ملثماً سأل خطيبي عمن تكون المرأة التي تقود السيارة بصحبته، فأخبرهم بأني خطيبته، فأمروه بالترجل من السيارة، عندئذ طلبنا منهم أن يكشفوا عن هوياتهم لنا، لكنهم اكتفوا بإبراز شارة بلا اسم أو صورة، عليها شعار النظام الجديد، ثم أمروا خطيبي أن يصعد إلى سيارتهم في حين واصل الرجل الذي لم يكن ملثماً طرح أسئلته علي، ومنها: “من هذا الرجل؟” أجبته: “إنه خطيبي”، فسألني: “لماذا تخرجين معه؟” فلم أجب على هذا السؤال، ما دفعه للمتابعة بسؤال آخر: “من أين أنتما؟” قلت: “من إدلب”، سألني: “ما دينك؟” أجبت: “إنني مسلمة”، فسألني: “هل أنت علوية؟” قلت: “كلا، إنني سنية”، فقال: “كيف أنت سنية من إدلب ولا ترتدين الحجاب؟” عندئذ لم أرد على السؤال، فطلب مني أن أبرز له وثيقة تثبت خطوبتنا، لكن لم تكن بحوزتي تلك الوثيقة، ولهذا أمرني هذا الرجل مع الخمسة الآخرين أن أترجل من السيارة، وعندما رفضت، جروني خارجها بالقوة، وأخذوا مني هاتفي، وشرعوا في البحث فيه، واستجوابي عن الأشخاص الذين شاهدوهم في الصور”.
أضافت عرين بأن المسلحين ضربوها هي وخطيبها، كما شتموهما، ثم اقتادوهما إلى مقر لم يعرفا ما هو، وفي نهاية الأمر أطلق سراحهما، بعد أن صادروا هاتفيهما وأخذوا كل ما بحوزتهما من مال، وقد قيل بأن أحد الرجال خاطب عرين بالقول: “أبعدي نشاطك في مجال حقوق الإنسان عن مؤخراتنا”.
بعد أن تعرض الخطيبان للضرب والكدمات، توجها إلى مخفر شرطة حيث عوملا باحترام ومهنية بحسب ما روت عرين، ثم سُجلت إفادتهما، ووعدهما الضباط بفتح تحقيق في الموضوع، وقبل أن يغادرا، سألهما الضابط المناوب: “كيف تتنقلان هكذا بمفردكما؟ أو تظنان أنكما في أوروبا؟” وبعد مرور بضعة أيام، أبلغتهما الشرطة بأنها ألقت القبض على ثلاثة من المسلحين، وبأنهم عناصر من ميليشيا متطرفة، وليسوا تابعين لقوات الأمن العام، وأكدوا لهما بأن الثلاثة سيخضعون للمحاكمة.
في محادثة مع هآرتس عبر واتساب، ذكر ناشط سوري بأن: “هذه الحوادث تقع بصورة يومية في المدن الكبرى وفي القرى الصغيرة على حد سواء، ولهذا صرنا نرى نساء علمانيات يرتدين الحجاب فجأة، بل إن بعضهن صرن يرتدين حتى البرقع الأفغاني أو النقاب في بعض الأحيان، وهنالك مسلحون لا أحد يعلم لمن ينتمون يفتشون الهويات للتحقق من وقوع زواج رسمي بين أي شاب وشابة يسيران مع بعضهما أو يظهران محبة تجاه بعضهما، وفي بعض الحالات اقتحموا المقاهي والحانات، فهشموا قوارير النبيذ والبيرة الموجودة فيها، مع أن هذا البلد كان علمانياً في السابق، والآن تتحدث الحكومة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، غير أن المواطنين لا يصدقونها، ولست أدري ما الذي سيحدث”.
خلال الأسبوع الماضي نقل موقع سناكسيريان الإخباري السوري بأن محافظ اللاذقية التقى بممثلين عن الطوائف المسيحية في المدينة فطلب منهم بتوجيه نساء تلك الطوائف لارتداء لباس “البوركيني” المحتشم عند ارتياد الشواطئ، وتجنب ارتداء السراويل القصيرة في الأماكن العامة، وبحسب ما أورده ناشطون سوريون، لم تظهر أية أوامر أو تشريعات رسمية تحرم ارتداء لباس فاضح أو شراء الكحول، إلا أن بعض الناس يحاولون خلق بيئة قائمة على التخويف والترويع، ولهذا وجه الناطقون باسم الحكومة اتهاماتهم “لعصابات غير قانونية” يحاول أفرادها فرض القانون بأيديهم من دون الرجوع إلى السلطات المختصة، وتعهدوا بأن تعمل قوات الأمن والشرطة والجيش في القضاء على تلك الظاهرة، مع ضمان التمسك بـ”حرية الأفراد والحقوق المدنية”.
غير أن المدنيين مايزالون يجدون صعوبة في التمييز ما بين الميليشيات “القانونية” التي تتصرف باسم وزارتي الداخلية والدفاع، وتلك الميليشيات والعصابات التي تعمل بصورة مستقلة وتستغل نقص الكوادر الكبير ضمن صفوف هيئات فرض القانون في البلد، إلى جانب عدم وجود كوادر محترفة وتقانة متطورة، ناهيك عن استغلالها لسيطرة الحكومة المحدودة على بعض المناطق. ومما يزيد الطين بلة هو أن بعض عناصر الشرطة والأمن ينتمون إلى تلك الميليشيات المتطرفة.
“سنرى ما سيحدث”
من بين الشروط التي وضعتها الإدارة الأميركية لرفع العقوبات، مطالبة الشرع بالتراجع عن تعيين عناصر الميليشيات الأجنبية في مناصب رفيعة، إلى جانب طرد المقاتلين الأجانب، وهذا الشرط الذي ساقه الأميركان على سبيل الاختبار يجبر الرئيس السوري على الخوض في حقل ألغام خطير لابد له أن يتعرض في أثناء سيره فيه لضغوط متضاربة، وذلك لأن عليه استرضاء المقاتلين الذين ساعدوه على إسقاط نظام الأسد وتولي زمام السلطة، ومن جهة أخرى، يتعين عليه أن يحقق ما تتوقعه منه أميركا، وأن يتصدى للضغوط المتزايدة في الشارع السوري وفي المحافظات التي تعتبر معقلاً للأقليات.
أما بالنسبة لترمب الذي تصدى للضغط الإسرائيلي واستجاب لطلب السعودية وقطر وتركيا والإمارات، فرفع العقوبات عن سوريا، فإن هذا الرجل قد منح الشرع رصيداً هائلاً من دون أي ضمانة بوسعها منع النظام من الانهيار، وعبر قيامه بذلك، أوفى ترمب بما تعهد به لأصدقائه في دول الخليج، بيد أن الشرع هو من سيدفع الفاتورة.
ومن خلال عبارات تحمل أوجه ومعان كثيرة، شرح روبيو أهمية هذا القرار عندما قال: “في حال تعاملنا معهم، فإن الأمور إما أن تنجح أو ستفشل، ولكن إن لم نتعامل معهم، عندئذ سيصبح الفشل مضموناً”، بيد أن الشيء الوحيد الذي يفسر كلمة “تعامل” و”نجاح” هي عبارة ترمب الشهيرة: “سنرى ما سيحدث”.