تبدأ قصة الأميركيين الصينيين فعلياً مع إحدى الحلقات الأولى للعولمة الكبرى، إذ جذب اكتشاف الذهب في كاليفورنيا عام 1848 عشرات الآلاف من الباحثين عن الثروة من جميع أنحاء العالم، بمن في ذلك بعض الصينيين.
ما حدث بعد ذلك هو نوع من التاريخ الذي عدّته العديد من المدارس والولايات – وإدارة ترمب مؤخراً – خطيراً ومثيراً للانقسام. ساعد الصينيون وأحفادهم في بناء البلاد بينما كانوا يتحملون أجيالاً من الإساءة.
لكن لا يمكن رسم صورة كاملة لأميركا من دون هذه القصة، ويحكيها مايكل لوه، الصحافي من مجلة «نيويوركر» بأسلوب مقنع في كتابه «غرباء في الأرض»، وهو سرد مفصل للهجرة الصينية إلى الولايات المتحدة. بأسلوب متوازن لا يثير الجدل ولا يقدم صورة منقحة للماضي، إذ يتتبع حياة المهاجرين إلى بلد جذبهم بنشاط ثم حاول طردهم.
لوه، وهو صحافي استقصائي سابق لدى صحيفة «نيويورك تايمز»، يجمع بلا هوادة الحقائق من الصحف القديمة، وسجلات المحاكم، وقضايا الهجرة. بعض أجزاء القصة يصعب الكشف عنها، على الرغم من أن الخطوط العريضة معروفة جيداً. إذ يمكن لتلاميذ المدارس أن يخبروك، على سبيل المثال، أن بناة أول سكة حديد عابرة للقارة في ستينات القرن التاسع عشر جنّدوا رجالاً صينيين لوضع القضبان عبر جبال سييرا نيفادا المغطاة بالثلوج. لقد تفوقوا في العمل على الجميع خلال هذه الفترة التي تُشكل ذروة التنمية الوطنية الأميركية. لكن حتى أفضل العلماء لا يستطيعون معرفة من كان أغلب هؤلاء الأشخاص الذين كانوا يحملون المطارق. في حين كان رؤساء السكك الحديدية فخورين بهم، إلا أنهم لم يتمكنوا من التمييز بين الأجانب، ولم يسجلوا معظم أسمائهم في كشوف المرتبات.
على الرغم من هذه العقبات، يجد لوه عدداً لا يُصدق من الشخصيات. على الرغم من أنه يصف الكتاب بأنه «سيرة شعب»، لكنه ينجح من خلال سيرته الذاتية الصغيرة للأفراد – مجموعة من الشخصيات الغريبة والرائعة – من الصينيين والبيض على حد سواء، الذين يحركون السرد. نتابع رواد أعمال مثل «المحظية الصينية» آه توي، وهي مهاجرة إلى سان فرانسيسكو باعت للمنقبين المتعطشين للجنس فرصة «التحديق في وجهها» وادخرت ما يكفي من ذهب لبدء عمل تجاري بصفتها سيدة أعمال في المجال نفسه.
على الجانب الآخر من البلاد، نلتقي مع يونغ وينغ، أول طالب صيني في جامعة ييل. بحلول الوقت الذي عاد فيه هذا الصيني المتحمس لأميركا إلى بلاده، كان قد نسي لغته الأم تقريباً. ثم أرسلت الحكومة الصينية، المتلهفة للمعرفة والتكنولوجيا الغربية، يونغ مرة أخرى في سبعينات القرن التاسع عشر مع عشرات الطلاب الآخرين. وقد رحب الأميركيون بالطلاب في منازلهم، إلى أن قطعت الصين مهمة يونغ، خوفا من أن الطلاب قد أصبحوا مرتاحين للغاية مع العادات المحلية والدين أكثر من اللازم.
قرأت هذا الكتاب في أثناء تغطيتي للتحركات الأولى لإدارة ترمب الثانية، وأيضاً في أثناء تغطيتي للأحداث في الصين، وظللتُ أجد أوجه تشابه بينها وبين الأحداث الجارية. في القرن التاسع عشر، رحب الرأسماليون الأميركيون بالعمال الصينيين – قال قطب السكك الحديدية كوليس بي. هنتنغتون: «سيكون من الأفضل لنا وللدولة أن يأتي نصف مليون صيني منهم» – لكن العديد من السياسيين وصفوا وصولهم بأنه «غزو».
افترض بعض الناخبين أن الهجرة الصينية كانت شكلاً من أشكال العبودية. صُنف العمال الصينيون «كوليز: أي عمالة أجنبية»، يخضعون لسيطرة أرباب العمل الصينيين الذين يتعاقدون معهم على العمل. يشكك لوه في هذه الفكرة، لكنه يذكر أن العمال الصينيين كانوا يُستخدمون أحياناً ضد نظرائهم البيض. على سبيل المثال، عندما أضرب صانعو الأحذية في ماساتشوستس في عام 1870، أرسل رئيسهم مساعداً إلى كاليفورنيا لجلب عمال صينيين ليحلوا محلهم. ادعى معارضو الهجرة الصينية أنهم يتخذون موقفاً تقدمياً من أجل العمالة المجانية.
غيّر هؤلاء المعارضون مفهوم البلاد عن أمن الحدود. في بدايات التاريخ الأميركي، لم تكن هناك فئة من الناس تسمى «المهاجرين غير الشرعيين»، نظراً لأن القوانين التي تحكم الهجرة إلى الولايات المتحدة كانت قليلة. تغير ذلك بصفة خاصة بالنسبة للصينيين. بحلول منتصف ثمانينات القرن التاسع عشر، لم يُسمح إلا لفئات معينة من الناس – التجار والمعلمين والطلاب – بالنزول من السفن. حتى هؤلاء مُنعوا من الحصول على الجنسية. عندما كان يونغ طالباً في السنة الثالثة في جامعة ييل، حصل على الجنسية في خمسينات القرن التاسع عشر، ولكن في ظل المناخ القانوني الأكثر قسوة في عام 1898، قررت وزارة الخارجية الأميركية أن جنسيته غير صالحة.
قال النقاد إن تدفق المهاجرين الصينيين ساهم في تيسير الاتجار بالبشر. فقد تم إغراء بعض النساء، خاصة في ستينات وسبعينات القرن التاسع عشر، بوعود بالزواج، مما دفعهن إلى توقيع عقود في الصين ونقلهن إلى سان فرانسيسكو لممارسة الدعارة.
وحاول بعض المواطنين البيض مساعدة الضحايا؛ ففي عام 1870، أنشأ أوتيس جيبسون، وهو مُبشّر، داراً يمكن للفتيات الشابات المخدوعات اللجوء إليها. ومع ذلك، قررت سلطات كاليفورنيا في النهاية مكافحة الاتجار بالبشر من خلال سن قوانين تجعل من الصعب على النساء الآسيويات القدوم على الإطلاق، مهددة بإعادتهن من مواني سان فرانسيسكو بعد أن قطعن آلاف الأميال. إذا لم يأت أزواجهن لاصطحابهن، كان يُفترض أنهن بغايا. تدخل قاض في المحكمة العليا الأميركية في النهاية لصالح النساء، وحكم بأن الولاية لا يمكنها سن قوانين بشأن الهجرة.
خلال كل ذلك، استمر الصينيون الوافدون في تأسيس منازلهم في بلدهم الجديد. في عام 1885، قام سكان مقاطعة همبولت في كاليفورنيا من ذوي البشرة البيضاء بأعمال شغب لطرد جاليتهم الصينيية بأكملها (وحثت الصحيفة المحلية على «القضاء على بؤر الوباء»). هذه واحدة من العديد من أعمال الشغب والقتل التي يرويها هذا الكتاب بتفاصيل مؤلمة. بعد انتهاء الأحداث، أعلن دليل الأعمال المحلي بفخر أن هومبولت هي «المقاطعة الوحيدة في الولاية التي لا تضم أي صينيين». لكن هذا لم يكن صحيحاً؛ فقد بقي بعض الصينيين بدعم من السكان البيض؛ وكان تشارلي مون، وهو رجل متعدد المهارات نجا من المذبحة، لا يزال يعيش في هومبولت عند وفاته في عام 1943.
لم ينمُ عدد السكان الصينيين الأميركيين بشكل كبير حتى أقر الكونغرس قانون الهجرة والجنسية لعام 1965، الذي ألغى القواعد القديمة ومكّن الصينيين الأميركيين من بدء جلب أقاربهم. لكن أحفاد الوافدين الأوائل ما زالوا موجودين بيننا اليوم. يروي كتاب لوه قصة عائلة كوني يونغ يو، وهي مؤرخة من كاليفورنيا. ومن بين أسلافها عامل سكك حديدية من ستينات القرن التاسع عشر، وامرأة نزعتها سلطات الهجرة من أطفالها في عام 1924، ومحارب صيني قديم في الحرب العالمية الثانية.
على الرغم من أن أجزاء من قصة لوه قد وردت في كتب أخرى، مثل كتاب ماي نغاي بعنوان «المسألة الصينية»، وكتاب إيريكا لي بعنوان «تكوين أميركا الآسيوية»، وكتاب جوردون هـ. تشانغ بعنوان «أشباح جبل الذهب»، فإن هذا السرد يقدم العديد من التفاصيل المثيرة للاهتمام. إذا كان هناك أي نقطة ضعف في عمل لوه، فهي تكمن في تلك القوة؛ فهو يقدم لنا العديد من الشخصيات بحيث يصعب تتبعها، ولكن القراء الذين يفعلون ذلك يُكافؤون برؤية شاملة لتعقيدات الهجرة الأميركية.