ملخص
ولد الصحافي أوستن بينيت تايس في 1981 بمدينة بلانو بولاية تكساس في الولايات المتحدة، وكان جندياً سابقاً في سلاح البحرية الأميركي، وحصل على رتبة نقيب.
هناك في داريا، إحدى ضواحي العاصمة دمشق، بدأت الحكاية، وتحديداً في الـ14 من أغسطس (آب) 2012، حيث كانت تلك الضاحية شاهدةً على بدايات الحراك السوري. في هذا المكان والزمان اختفى الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي تحولت قضيته إلى رأي عام لا يزال حتى اللحظة يُذكر اسمه، وبخاصة عبر والديه، عله يسمعهما إن كان حياً، أو يجدوا رُفاته إن كان قد قتل في حمى المعارك التي كانت دائرة آنذاك على أرض سوريا.
ومنذ ذلك الزمان تتالت الحكايات بين الحقيقة والإشاعة، لكن الثابت الوحيد أن تايس ما زال مختفياً، على رغم فترات الإنعاش التي شهدتها قصته، ابتداءً من سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) إلى زيارة والدته لرئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع وصولاً إلى التحقيق الاستقصائي الذي كشف أخيراً عن معلومات قد تفيد في العثور عليه.
وثيقة سرية للغاية
في وثيقة استخباراتية اعتبرت سرية وسربها تحقيق صحافي استقصائي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” ضمن سلسلة بودكاست على “راديو 4” قالت إن الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس كان مسجوناً من قبل نظام الأسد، وهو ما أكده أيضاً مسؤولون سوريون سابقون.
وأظهرت رسالة مدغمة بعبارة “سري للغاية” تايس كان معتقلاً في مركز للاحتجاز بالعاصمة السورية دمشق عام 2012، على رغم أن الانطباع الذي ساد آنذاك أنه تعرض للاختطاف بأيدي جماعة متطرفة، إذ بعد مرور سبعة أسابيع ظهر تايس في مقطع فيديو عبر الإنترنت معصوب العينين ومقيد اليدين، وأجبر على إعلان إسلامه بين أيدي رجال مسلحين، ولكن سرعان ما رأى محللون ومسؤولون أميركيون أن المشهد جرى إعداده وتمثيله، ولم تعلن منذ ذاك أي جماعة أو حكومة مسؤوليتها عن اختفاء الصحافي الأميركي، ولم يُعلم عنه شيء، ما غذى التكهنات بخصوص مكان وجوده.
وتتألف الملفات تحت اسم “أوستن تايس” من رسائل ومحادثات قامت بها أفرع مختلفة تابعة لجهاز الاستخبارات السورية، إضافة على شهادة عديد من مسؤولي النظام السابق في سوريا. وكانت الحكومة الأميركية صرحت بأنها تعتقد أن تايس خضع للاحتجاز بأيدي نظام الأسد، على رغم أن النظام ذاته كان ينفي علمه بمكان احتجازه، فإن الوثيقة حددت مكان احتجازه فيما دعي بسجن الطاحونة في دمشق، ولكن عندما أخليت السجون بعد سقوط نظام الأسد، لم يظهر أي أثر لأوستن تايس على الإطلاق، كما أن مكان وجوده لا يزال غير معلوم.
وخلص التحقيق إلى أن الصحافي الأميركي كان قد ألقي القبض عليه في منطقة داريا القريبة من دمشق، قبل أن تحتجزه جماعة شبه عسكرية تدعى “قوات الدفاع الوطني”، وهي كانت معروفة بولائها لنظام الأسد، وقد خضع للاستجواب مرتين في الأقل على يد ضابط في الاستخبارات السورية، وأن كل هذا جرى خلال الفترة ما بين 2012 و2013، كما جرت معاملته بصورة جيدة وباهتمام.
من هو أوستن تايس؟
ولد أوستن بينيت تايس في الـ11 من أغسطس 1981 في مدينة بلانو بولاية تكساس في الولايات المتحدة، وكان جندياً سابقاً في سلاح البحرية الأميركي، وحصل على رتبة نقيب. التحق تايس بجامعة هيوستن، لكنه انتقل بعد عام إلى جامعة جورج تاون، حيث درس الخدمة الدبلوماسية وتخرج عام 2002. توجه لاحقاً لدراسة القانون في الجامعة ذاتها، بيد أنه قرر أثناء العطلة الصيفية التي سبقت عامه الدراسي الأخير، تغطية أحداث الثورة السورية بصفته صحافياً مستقلاً. قبيل تخرجه في جامعة جورج تاون، قرر تايس في مايو (أيار) 2012 السفر إلى سوريا والعمل صحافياً مستقلاً لتغطية الثورة السورية ومعاناة المدنيين لمصلحة صحف ووكالات أنباء عديدة، منها “واشنطن بوست” و”أسوشيتد برس” و”ماكلاتشي”، وغيرها.
ويوم الـ14 من أغسطس من العام ذاته، كان تايس ذهاباً إلى لبنان، فاستقل سيارة في ضاحية مدينة داريا جنوب العاصمة السورية دمشق، لكنه أوقف عند نقطة تفتيش. وبعد خمسة أسابيع، نشر مقطع فيديو مدته 43 ثانية بعنوان “أوستن تايس على قيد الحياة”، وظهر فيه الصحافي الأميركي محتجزاً على يد مجموعة مسلحة مجهولة الهوية.
مساعٍ أميركية
عندما يجري أخذ الأميركيين كرهائن في الخارج، فإن حكومة الولايات المتحدة ملزمة تأمين إطلاق سراحهم. ومع ذلك فإن ثلاث إدارات رئاسية مختلفة على مدى العقد الماضي لم تنجح حتى الآن في تأمين حرية تايس، من باراك أوباما إلى جو بايدن وصولاً اليوم إلى دونالد ترمب الذي قال للصحافيين العائدين معه إلى الولايات المتحدة بعد مقابلته رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع خلال زيارته السعودية، “أتحدث دوماً عن أوستن تايس، لكن الآن، أنتم تعلمون أن أوستن لم يُرَ منذ سنوات عديدة”. وتابع “لديه أم عظيمة تعمل جاهدة للعثور على ابنها. لذلك أتفهم الأمر، لكنه مُختفٍ منذ سنوات طويلة جداً”.
وكان مسؤولون أميركيون في ولاية الرئيس بايدن كثفوا مساعيهم للحصول على معلومات عن الصحافي الأميركي أوستن تايس بعد سقوط نظام بشار الأسد وتحرير السجناء والمعتقلين. وقالت شقيقته أبيغايل تايس لقناة “الحرة” إنها عكفت وعائلتها على تدقيق النظر في مقاطع الفيديو التي انتشرت لسجناء جرى تحريرهم من مختلف سجون النظام السوري بعد سقوطه بحثاً عنه دون جدوى، لذلك سافرت والدته ديبرا تايس في يناير (كانون الثاني) الماضي إلى سوريا والتقت الرئيس الشرع الذي استقبلها لمدة ساعتين في قصر الشعب. وقد صرحت في مؤتمر صحافي بعد اللقاء بأن الشرع بدا عازماً على العثور على ابنها. وفي سياق متصل قال رئيس منظمة “هوستيدج إيد وورلدوايد” نزار زكا في لقاء صحافي، “إن المنظمة تعمل مع عائلة تايس والسلطات الأميركية، ولدينا كثير من الخيوط، والناس يتصلون، وذلك من خلال حملة رسائل نصية ضخمة أطلقتها المنظمة تطلب من السوريين في جميع أنحاء البلاد تقديم أي معلومات عن تايس”.
ضعف الأمل في العثور على الصحافي الأميركي أوستن تايس
عودة الحديث عن اختفاء الصحافي الأميركي أوستن تايس بريف دمشق
لغز تايس… من يعرف مصير الأميركي المفقود في سوريا؟
واشنطن عرضت مساعدات صحية لسوريا مقابل الرهينة تايس
وأضاف زكا، “لقد كنا نفحص جدران الزنازين واحدة تلو الأخرى، حتى تلك التي تم طلاؤها أو حرقها”، مردفاً أنهم زاروا مواقع في دمشق واللاذقية، وكانوا يراقبون بضعة منازل آمنة في مناطق مختلفة من سوريا بحثاً عن تايس.
وثائق أخرى
مع سقوط نظام الأسد عثر سوريون على مواطن أميركي في أحد السجون قرب دمشق، وقد ظن من عثروا عليه في البداية أنه الصحافي أوستن تايس، إلا أن صحافيين أميركيين أكدوا أنه ليس تايس. كما أن المواطن الأميركي أخبر مراسلين أجانب أن اسمه ترافيس، وأنه عبر من لبنان سيراً على الأقدام، وقد بدا على الرجل أنه كان مشوشاً وحافياً، ونشروا مقطع فيديو له وهو مُستلقٍ على الأرض، وحوله عدد من الناس والمراسلين.
وعثرت التقارير الاستقصائية السورية لصحافة المساءلة (سراج) على وثائق حصلت عليها من أحد فروع الاستخبارات السورية السابقة، تتحدث عن كيف تعقب نظام الأسد الصحافيين الأجانب أثناء دخولهم البلاد لتغطية الحرب الأهلية، بما في ذلك مراسل حربي أميركي مفقود منذ فترة طويلة. وكانت الوثائق مؤرخة في الرابع من مارس (آذار) 2013، أي بعد نحو سبعة أشهر من القبض على تايس المفترض.
وأثناء مقابلة لـ”سراج” مع سجين سابق قال “إن الاستخبارات السورية اعتقلته عام 2018 في زنزانة مجاورة لزنزانة يعتقد أنها تحتجز تايس”. وقال الرجل إنه لم يكن يعرف من هو تايس في ذلك الوقت، لكنه أشار إلى أن الحراس كانوا يحضرون مترجماً إنجليزياً للتحدث إلى السجين الذي أشاروا إليه باسم أوستن، وسيسأله المترجم، “أوستن، ماذا تريد أن تأكل اليوم؟”، كان بإمكاني سماع المترجم يتحدث إلى أوستن مباشرة، لأنني كنت قريباً من زنزانته.
الوثائق التي اكتشفها “سراج” مكتوبة باللغة العربية وتتضمن قائمة بأسماء الصحافيين الذين تسللوا إلى سوريا لتغطية الحرب، ومن بين المدرجين إلى جانب تايس مراسلون من “بي بي سي” و”سي أن أن”، إضافة إلى صحيفتي “الباييس” الإسبانية و”لوموند” الفرنسية. ومن بين المدرجين أيضاً ماري كولفين التي قتلت مع المصور الفرنسي ريمي أوشليك في هجوم مستهدف شنته القوات السورية في مدينة حمص.