ملخص
تصاعدت الهجمات الروسية في صيف 2025 براً وجواً مع استخدام مكثف للمسيرات، لكن أوكرانيا صمدت بفضل الدعم الأوروبي والتكنولوجيا المتقدمة، في وقت تراجع فيه هدف موسكو من إسقاط النظام إلى زعزعة استقرار البلاد، وسط غياب شبه تام للدعم العسكري الأميركي.
تأفف ناطق باسم فلاديمير بوتين بعصبية الأسبوع الماضي، منتقداً تصريح دونالد ترمب الذي وصف الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه يشبه “خلاف صبياني في الحي”.
رفض بيسكوف هذا الوصف بامتعاض، مؤكداً أن الصراع يمثل “قضية وجودية” بالنسبة إلى روسيا، وتابع الناطق الرسمي، الذي اعتاد بصورة متزايدة التباهي بالهجمات المتواصلة من البيت الأبيض على أوكرانيا، “هذه مسألة تتعلق بأمننا ومستقبلنا ومستقبل أطفالنا وبمستقبل بلدنا”.
هو محق. كان النصر الروسي محدداً سابقاً بتحقيق تغيير النظام في كييف، لكنه اليوم يقتصر حقاً على جعل أوكرانيا فوضوية، وغير مستقرة، ومشوبة بالعنف، وفقيرة.
بوتين يطالب باستسلام أوكرانيا أم بمحادثات سلام معها؟
ذلك أن أوكرانيا الديمقراطية التي تشهد نهضة ثقافية، وتنعم بالحرية والنمو الاقتصادي، ويعيش فيها عدد كبير من الناطقين بالروسية، تمثل بديلاً ممكناً للشعب الروسي عن الأوتوقراطية الكليبتوقراطية التي يرزح تحتها.
مع انطلاق موسم القتال الصيفي في السنة الرابعة من غزو روسيا الشامل لجارتها، يتضح أن موسكو باتت تركز جهودها على زعزعة استقرار أوكرانيا في صورة دائمة.
في المقابل، أثبتت كييف أنها لم تعد في موقع دفاعي، وأنها بعيدة من الهزيمة. بعد سنتين من فشلها في تنفيذ هجوم صيفي مضاد، تزداد قوة وثقة.
صحيح أن أوكرانيا لا تملك القدرة على طرد روسيا من أراضيها خلال هذا العام، لكنها صامدة، وقد تنجح في حلول العام المقبل في قلب الموازين لصالحها، مع بدء تدفق الدعم الأوروبي الذي سيعوض النقص الناتج من انسحاب الدعم العسكري الأميركي.
لم يقدم ترمب هذا العام أي دعم عسكري جديد. لا يزال ثمة مبلغ يساوي نحو 3.85 مليار دولار (2.85 مليار جنيه استرليني) غير منفق من المخصصات الأميركية السابقة – وبعدها… لا شيء.
في صورة مأخوذة من فيديو وزعته وزارة الدفاع الروسية الخميس الـ16 من يناير 2025، جندي روسي يحاول إسقاط مسيرة أوكرانية في موقع لم يكشف عنه داخل أوكرانيا (أ ب)
في صورة مأخوذة من فيديو وزعته وزارة الدفاع الروسية الخميس الـ16 من يناير 2025، جندي روسي يحاول إسقاط مسيرة أوكرانية في موقع لم يكشف عنه داخل أوكرانيا (أ ب)
تجدد القوات الروسية هجماتها في محيط بوكروفسك وكوستيانتينيفكا في الجبهة الشرقية، في محاولة لتطويق القوات الأوكرانية وقطع خطوط الإمداد إلى كراماتورسك، المقر الإداري لأجزاء مقاطعة دونيتسك الخاضعة إلى سيطرة أوكرانيا، وهي مقاطعة استولت روسيا على معظمها وضمتها بصورة غير قانونية.
وتؤكد مصادر عسكرية أوكرانية ميدانية حصول ارتفاع هائل في مدى المسيرات الروسية الموجهة عبر كابلات الألياف البصرية وفاعليتها، إذ يصل مداها إلى 15 ميلاً (24 كيلومتراً تقريباً) ويمتد خلفها كابل ألياف بصرية رفيع متصل مباشرة بالمشغل الموجود على الأرض.
ويسمح نظام التوجيه هذا للمسيرات بتفادي التشويش الإلكتروني بالأجهزة التي تستخدمها أوكرانيا. وقالت المصادر إن قوات الطائرات المسيرة النخبة الروسية قد نشرت ضمن الهجمات المضادة الروسية، لطرد قوات كييف من منطقة كورسك ودفعها نحو الجبهة الشرقية.
لكن التقدم الروسي على الأرض لا يزال محدوداً جداً ويكلف أثماناً باهظة. تشير تقديرات حلف شمال الأطلسي إلى مقتل نحو 950 جندياً روسياً يومياً.
وعلى رغم أن أرقام الخسائر نادراً ما تكون دقيقة، تظهر مقاطع مصورة أعداداً قليلة من الجنود الروس والأوكرانيين وهم يزحفون للاحتماء وتفادي المسيرات وسط الغبار والأنقاض في مواقع منكوبة – إذ يعتقد أن المسيرات مسؤولة عن أكثر من 70 في المئة من الإصابات.
لقد عرضت أوكرانيا مراراً وقفاً غير مشروط لإطلاق النار لمدة 30 يوماً، وعرضت أيضاً عقد لقاء مباشر بين زيلينسكي وبوتين، لكن جهود الولايات المتحدة للتوسط في هدنة لم تصل إلى نتيجة، بينما تواصل روسيا سعيها إلى السيطرة على مزيد من الأراضي الأوكرانية.
قد يكون بوتين تخلى عن هدف تغيير النظام الأوكراني، لكنه لا يزال يطمح إلى السيطرة الكاملة على الأراضي الأوكرانية التي ضمتها روسيا بصورة غير قانونية – زابوريجيا وخيرسون ولوغانسك ودونيتسك – إضافة إلى التمسك بشبه جزيرة القرم. وإذا نجح في ذلك، فقد يستطيع إقناع القادة الأوروبيين بأن سلاماً بشروط الكرملين هو النتيجة “الأقل سوءاً”.
في صيف عام 2025، تبقى الجبهة الشرقية الوسطى هدف بوتين الرئيس، لكنه يواصل الضغط أيضاً على الحدود الشمالية لأوكرانيا من خلال توغلات والسيطرة على قرى حدودية صغيرة.
يتيح ذلك لموسكو إبقاء الضغط على كييف عبر تقريب المعارك من مراكز السلطة الأوكرانية، ووضع المدن الكبرى والعواصم الإقليمية مثل سومي وخاركيف تحت التهديد المستمر من المدفعية والصواريخ القصيرة المدى.
أما الحملة الجوية الروسية الأوسع فقد شهدت تصعيداً كبيراً، إذ تطلق روسيا هجمات ليلية شبه يومية بأكثر من 400 صاروخ ومسيرة، وتخترق الصواريخ المجنحة والباليستية الدفاعات الجوية بمعدلات أكبر نتيجة نقص في أنظمة الدفاع الأوكرانية – ولا سيما منظومات “باتريوت” الأميركية الصنع، الأكثر فاعلية في إسقاط الأسلحة الروسية البعيدة المدى.
مشاهد جديدة تصور هجوماً أوكرانياً بالمسيرات من ضمن عملية “شبكة العنكبوت” تظهر استهداف قاذفات نووية روسية (جهاز الأمن الأوكراني)
مشاهد جديدة تصور هجوماً أوكرانياً بالمسيرات من ضمن عملية “شبكة العنكبوت” تظهر استهداف قاذفات نووية روسية (جهاز الأمن الأوكراني)
والسبت الماضي، أعلن رئيس بلدية خاركيف إيغور تيريخوف أن المدينة تعرضت لأعنف قصف روسي حتى الآن، شمل عشرات المسيرات.
وقال تيريخوف عبر تطبيق “تيليغرام” “تشهد خاركيف حالياً أعنف هجوم منذ بداية الحرب الشاملة”، لكن حلف شمال الأطلسي كشف أخيراً عن تخصيص أوكرانيا بمساعدات عسكرية إضافية بقيمة 20 مليار يورو (16.9 مليار جنيه استرليني). وأعلنت ألمانيا أنها سترسل قريباً قنابل بعيدة المدى قادرة على ضرب العمق الروسي. وقدمت المملكة المتحدة 350 مليون جنيه استرليني (475 مليون دولار) لتمويل 100 ألف طائرة مسيرة جديدة، وسبق أن سلمت 144 ألف قذيفة مدفعية هذا العام.
أما وزير الدفاع الهولندي روبن بريكلمانس، فأكد أن بلاده ستقدم معدات بقيمة 400 مليون يورو، تشمل 100 سفينة بحرية – منها زوارق للدوريات، وزوارق للنقل، وزوارق للاعتراض، وسفن للعمليات الخاصة – وأكثر من 50 مسيرة بحرية.
وتسهم النرويج أيضاً بمبلغ 700 مليون دولار ضمن حزمة المساعدات التي توفرها في مجال “المسيرات”.
هذا التحول نحو الحرب بالمسيرات يتيح لأوكرانيا استعادة زمام المبادرة لموازنة التفوق العددي الكاسح للقوات الروسية التقليدية.
لقد توقفت الهجمات الروسية بالمشاة تقريباً، والتي عرفت باسم “مفرمة اللحم” [إرسال موجات جنود متوالية كثيفة لاختراق خطوط الخصم، لكنها سهلة الاستهداف]. وقال ضباط أوكرانيون لصحيفة “اندبندنت” إن القصف المدفعي الروسي تراجع، إذ بات من السهل على المسيرات تعقب المدافع الثقيلة التقليدية وتدميرها.
وعززت معنويات الأوكرانيين في صورة كبيرة عملية “شبكة العنكبوت” التي نفذتها أوكرانيا – والتي قالت كييف إنها دمرت أو ألحقت أضراراً بثلث القاذفات الاستراتيجية الروسية وبعض طائرات التجسس في عملية مذهلة طويلة المدى استهدفت مطارات روسية تقع على بعد 5 آلاف كيلومتر.
وإضافة إلى الضربات الطويلة المدى المتواصلة بالمسيرات التي تستهدف مطارات موسكو، وبنيتها التحتية في قطاع الطاقة، وحتى قادتها أنفسهم، قلبت أوكرانيا أساليب الحرب الهجينة التي طورتها روسيا ضدها، لتستخدمها ضد بوتين نفسه.
من غير المرجح أن يغير ترمب موقفه ويعاود دعم الديمقراطية المحاصرة دعماً صريحاً – إذ ذهب بعيداً في دعمه العلني لبوتين إلى حد يصعب معه التراجع بسهولة، لكن ثمة مؤشرات إلى أن الولايات المتحدة لن تسعى إلى خنق مجهود كييف الحربي خلافاً لتهديداتها سابقاً. لذلك، ليس غريباً أن يشعر بوتين بالامتعاض.
© The Independent