في أعقاب القصف الذي استهدف منشآت نطنز وفوردو وأصفهان النووية، نُشرت تقارير عديدة، بعضها منسوب إلى مصادر رفيعة في المستويَين السياسي والعسكري في إسرائيل والولايات المتحدة، تفيد بتنفيذ “ضربة قاسية لبرنامج إيران النووي،” و”تدمير منشآت نووية”، و”أضرار جسيمة”، وبأن المشروع بأكمله توقّف وتراجع إلى الوراء. في المقابل، زعمت مصادر إيرانية، بعد الضربة التي وُجّهت إلى منشأة فوردو مباشرةً، أن اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%، في أغلبيته، نُقل إلى موقع سري مسبقاً. من جهتها، صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض بأن اليورانيوم المخصّب كان، باحتمال مرتفع، في المواقع التي تم استهدافها.
أجرت صحيفة “هآرتس” مقابلات مع عدد من الخبراء النوويين الإسرائيليين، فتحدث الخبراء بشرط عدم الكشف عن أسمائهم، وتُعرض تفسيراتهم هنا:
هل توجد خطورة من تسرّب إشعاعي من المنشآت النووية الإيرانية؟
بما أن عملية تصنيع السلاح النووي من اليورانيوم لا تتضمن استخدام مفاعلات نووية، فلا توجد خطورة من تسرّب إشعاعي. إن مستوى الإشعاع في اليورانيوم-235-، النظير الطبيعي الذي يخضع لعملية التخصيب، منخفض جداً، بما في ذلك في أثناء التخصيب إلى مستويات مرتفعة.
بناءً عليه، فإن الضربات التي استهدفت نطنز وفوردو وأصفهان لا تثير القلق من تسرُّب، ولا يوجد أيّ خطر على السكان المدنيين خارج هذه المواقع الثلاثة. السيناريو الوحيد الذي قد يثير خطراً هو تسرُّب اليورانيوم المخصّب، في حالته الغازية، إلى قاعات الإنتاج. في هذه الحالة، فإن الأشخاص الموجودين في المكان، وهم فقط، كانوا سيتعرضون لإشعاع أعلى كثيراً من المستويات المسموح بها، وذلك بسبب استنشاقهم جزيئات هوائية (أيروسولات) من اليورانيوم. أمّا الحل لذلك فهو بسيط: ارتداء كمامة. وفي المقابل، إن التسرب من مفاعلات نووية فعالة قد يشكل خطراً كبيراً على السكان القريبين، وقد يلوث المنطقة إشعاعياً أعواماً طويلة.
من المحتمل أن تكون إيران ما زالت قادرة على تخصيب اليورانيوم والتقدم نحو إنتاج قنبلة
هناك مثال لـ “مفاعل ساخن” من هذا النوع هو مفاعل بوشهر المخصص لإنتاج الكهرباء، والذي بنته روسيا. يُغذى هذا المفاعل بوقود يورانيوم مخصّب بنسبة تصل إلى نحو 5%. وهناك مفاعل آخر أقيم في منطقة أراك بغرض إنتاج البلوتونيوم-239-، وهو عنصر يُستخدم أيضاً في تصنيع الأسلحة النووية. هذا المفاعل، الذي تعرّض لقصف إسرائيلي خلال الحملة، تم إغلاقه في سنة 2015 بموجب الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى (JCPOA)، ولذلك، هو لا يشكل خطراً حالياً.
هل من الممكن أن يكون الإيرانيون قد أخفوا كمية كبيرة من اليورانيوم المخصّب؟
بحسب المعلومات المتوفرة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية(IAEA) ، فإن إيران كانت تمتلك، قبل اندلاع الحرب، ما لا يقلّ عن 408 كلغ من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60%. من حيث المبدأ، كان في إمكان الإيرانيين إخراج هذه المئات من الكيلوغرامات من المواقع النووية قبل قصفها، ونقلها إلى أماكن سرية. يمكن وضع اليورانيوم المخصّب في حاويات صغيرة ونقله، ولا يلزم وجود بنية تحتية خاصة لتخزين هذه المادة.
الوحدة الأساسية المطلوبة لتخصيب اليورانيوم هي جهاز الطرد المركزي الغازي. من حيث المبدأ، وكما كان من الممكن إخراج اليورانيوم المخصّب من فوردو، كان يمكن أيضاً إخراج عدد صغير من أجهزة الطرد المركزي وإخفاؤها. كانت منشأة فوردو تحتوي على نحو 3000 جهاز طرد مركزي، في معظمها، من طراز متقدم طوّره الإيرانيون بأنفسهم، أمّا منشأة نت، فكانت أكبر كثيراً. حتى لو لم يتم ذلك، من المرجّح أن الإيرانيين يمتلكون أجهزة طرد مركزي إضافية، كما كانت توجد في إيران مواقع لإنتاج مكونات أجهزة الطرد المركزي، ولإجراء تجارب على نماذج متقدمة منها. هذه المواقع، على الأقل المعروفة منها، تعرضت للقصف.
تشير التقديرات إلى أن منشأتَي نطنز وفوردو خرجتا من الخدمة لفترة طويلة جداً، وهذا بحد ذاته يُعتبر ضربة قاسية
ما الذي يمكن قوله عن قدرة إيران الحالية على تخصيب اليورانيوم؟
إن تخصيب اليورانيوم من نسبة 60% إلى 90%، وهي النسبة المطلوبة لصناعة سلاح نووي، هو أمر يمكن تنفيذه باستخدام عشرات قليلة من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة الموضوعة في مستودع صغير. لا يتطلب ذلك بنية تحتية معقدة بشكل خاص، ويمكن أن يقوم به عدد محدود من الأشخاص الموثوقين. إن منشأة صغيرة جداً تعتمد على نحو عشرة أجهزة طرد مركزي يمكنها تخصيب كمية كافية من المادة الانشطارية لقنبلة واحدة خلال نحو عام.
من المهم أن نفهم أن المعرفة المتعلقة بكيفية تخصيب اليورانيوم لا تزال في يد الإيرانيين. من هذه الناحية، يبدو كأن قطار وقف التخصيب قد فاتنا. لا توجد مجموعة محددة من الأشخاص، إذا تمت تصفيتها، فستمنع الإيرانيين من إمكان تخصيب اليورانيوم، ولا يمكن استبعاد احتمال أن إيران تمتلك المعدات اللازمة لذلك.
بحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، توجد قرب منشأة نطنز شبكة أنفاق كبيرة تحت جبل، أعمق من تلك الموجودة في فوردو. ووفقاً لإيران، فإن الهدف من هذه الشبكة هو إنشاء ورش محصّنة ضد الهجمات الجوية لتصنيع وتجميع أجهزة الطرد المركزي. وبحسب معطيات الوكالة في سنة 2024، فإن بناء هذا النظام لم يكن قد اكتمل، على ما يبدو. لم تكن هذه المنشأة تحت الرقابة، وهناك خشية من أن حجمها الكبير الذي يفوق كثيراً ما يلزم للغرض المعلن، يمكن أن يسمح باستخدامها لأهداف أُخرى، بما في ذلك تخزين اليورانيوم المخصّب، أو تشغيل أنظمة تخصيب ناشطة باستخدام أجهزة الطرد المركزي. وبحسب المعلومات المتوفرة، فإن هذا الموقع لم يُستهدف بالقصف.
تُعرّف الضربة القاسية بأنها القضاء الكامل على كل مخزون اليورانيوم المخصّب، فإذا لم يعد بحوزة الإيرانيين أي يورانيوم مخصّب
علاوةً على ذلك، أعلن الإيرانيون في سنة 2022 للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) نيتهم إقامة مصنع ثالث محصّن لأجهزة الطرد المركزي (فضلاً عن نطنز وفوردو)، وأن إعداد الموقع قد اكتمل. لم تقدّم إيران أيّ معلومات عن برنامج هذا الموقع، أو عن موقعه الجغرافي، ولا يُعرف ما إذا كانت الإشارة إلى موقع الأنفاق بالقرب من نطنز، أو إلى موقع آخر.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن إيران لا تواجه أيّ صعوبة في الحصول على كميات كبيرة من اليورانيوم الطبيعي، إذ يمكنها استخراجه من أراضيها، غير أن تحويله إلى مركّب غازي صالح للتخصيب يتطلب إنشاء مصنع جديد مخصص لذلك، بديلاً من ذلك الذي قُصف في أصفهان.
هل تستطيع إيران تصنيع “قنبلة قذرة” باستخدام اليورانيوم الذي قامت بتخصيبه؟
يشير مصطلح “القنبلة القذرة” بشكل عام إلى جهاز يدمج بين عبوة ناسفة تقليدية ومادة مشعة قصيرة العمر، مثل نظائر الكوبالت، السيزيوم، أو الإيريديوم، والتي تُستخدم في المجالين الطبي والصناعي، أو نفايات مشعة ناتجة من تشغيل مفاعلات نووية. القنبلة القذرة ليست سلاحاً نووياً، إذ لا يحدث فيها تفاعل تسلسلي لانشطارات نووية. الفكرة الأساسية التي تقف وراءها هي نشر كمية كبيرة من المواد المشعة في منطقة الانفجار. التأثير الرئيسي لاستخدام القنبلة القذرة هو تأثير نفسي، أي بثّ الذعر والخوف في أوساط الجمهور، وبما أن مستوى الإشعاع في اليورانيوم المخصّب منخفض جداً، فهو غير مناسب إطلاقاً لاستخدامه في إنتاج قنبلة قذرة.
من المهم أن نفهم أن المعرفة المتعلقة بكيفية تخصيب اليورانيوم لا تزال في يد الإيرانيين
حالياً، تعمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية على تحليل نتائج القصف الذي استهدف منشآت نطنز وفوردو وأصفهان. ما الذي يُعتبر “ضربة قاسية”، أو “ضربة فعالة”؟
تُعرّف الضربة القاسية بأنها القضاء الكامل على كل مخزون اليورانيوم المخصّب، فإذا لم يعد بحوزة الإيرانيين أي يورانيوم مخصّب، بما في ذلك بنسبة 5%، فسيكون عليهم إنشاء مصنع جديد يضم آلاف أجهزة الطرد المركزي. أما إذا بقيت بحوزتهم مادة مخصّبة بنسبة 60%، حتى لو كانت الكمية 50 كلغ فقط، فإن الضربة التي استهدفت فوردو ونطنز لا تمنعهم من إنشاء منشأة صغيرة تضم عدداً محدوداً من أجهزة الطرد المركزي، يمكن من خلالها تخصيب مادة انشطارية لقنبلة خلال بضعة أشهر. من هذه الزاوية، يكمن المفتاح الحقيقي في العثور على مخزون اليورانيوم المخصّب المتوفر لديهم.
إلى جانب ذلك، تشير التقديرات إلى أن منشأتَي نطنز وفوردو خرجتا من الخدمة لفترة طويلة جداً، وهذا بحد ذاته يُعتبر ضربة قاسية. يبدو كأن الضرر شمل تدميراً واسعاً للبنية الإنشائية، وللبنى التحتية الداعمة، ولقاعات الإنتاج، وأيضاً لأجهزة الطرد المركزي نفسها. إن أجهزة الطرد المركزي هي أنظمة ميكانيكية شديدة الحساسية، والانفجارات بالقرب منها تُخرجها من الخدمة، كما أن إعادة إنشاء منشآت كهذه قد تستغرق سنوات. إلى جانب نطنز وفوردو، كانت منشأة أصفهان حيوية للمرحلة الأولى في عملية التخصيب، أي تحويل خام اليورانيوم إلى مركّب غازي يُستخدم في تغذية أجهزة الطرد المركزي، وهنا أيضاً، تفيد التقارير بأن الضربة كانت قاسية…
بحسب المعلومات المتوفرة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية(IAEA) ، إيران كانت تمتلك، قبل اندلاع الحرب، ما لا يقلّ عن 408 كلغ
ما معنى وقف إطلاق النار في السياق النووي؟
إن وقف إطلاق النار ليس كافياً. هناك حاجة إلى مفاوضات بشأن البرنامج النووي، إذ من المحتمل أن تكون إيران ما زالت قادرة على تخصيب اليورانيوم والتقدم نحو إنتاج قنبلة. إذا جرت مفاوضات كهذه، فإن الإنجاز المهم سيكون في التوصل إلى اتفاق تسلّم إيران، بموجبه، كل مخزونها من اليورانيوم المخصّب (بما في ذلك المخصّب بنسبة منخفضة)، وتتعهد بتصفير نشاطات التخصيب على أراضيها، فضلاً عن إنشاء آلية رقابة صارمة جداً. في إطار مثل هذه الآلية، يجب أن يكون المفتشون قادرين على دخول أيّ موقع في إيران، من دون إشعار مسبق، وتركيب كاميرات، وكواشف، وأختام مراقبة يتم الإشراف عليها عن بُعد، أمّا تخصيب اليورانيوم لأغراض المفاعل المدني في بوشهر، فيجب أن يتم خارج إيران بالكامل.
هناك عنصر آخر مهم في أيّ اتفاق مستقبلي، وهو وقف برنامج الصواريخ الإيراني. ويجب أن يقابَل أيّ خرق للاتفاق بعقوبات اقتصادية موجعة جداً، وربما حتى بعقوبات عسكرية.\
*كاتب إسرائيلي في صحيفة “هآرتس”
*نقلاً عن مركز الدراسات الفلسطينية