مظاهرات السلمانية نتيجة متوقعة لأزمة الرواتب التي دفعت باتجاهها قوى متنفذة في الحكومة العراقية.
بلغ الصبر حدوده
حالة الاحتقان الشعبي التي أوجدتها أزمة الرواتب في إقليم كردستان العراق والتي بدأت تترجم إلى احتجاجات في الشوارع، كانت مبرمجة مسبقا ومطلوبة لذاتها من قبل القوى العراقية التي وقفت خلف تلك الأزمة سعيا منها لتعقيد مهمّة سلطات الإقليم وإضعاف موقف قيادته السياسية إزاء مواطنيها وجمهورها الانتخابي خصوصا في مرحلة المسير نحو الانتخابات البرلمانية العراقية.
السليمانية (إقليم كردستان العراق)- مثلت الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق نتيجة حتمية منتظرة لحالة الاحتقان التي أوجدها انقطاع الرواتب بسبب قرار الحكومة الاتّحادية العراقية وقف تحويل المبالغ المخصصة لها في خطوة انتقدتها سلطات الإقليم بشدّة واعتبرتها استهدافا مباشرا لجزء من مواطني البلاد وتهديدا للاستقرار.
وتُرجع العديد من الدوائر المطلّعة على الشأن العراقي قرار وقف مخصصات رواتب الإقليم إلى قوى شيعية متنفذة في حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني وساعية باستمرار لتسليط ضغوط على سلطات الإقليم لأسباب سياسية وتعقيد مهمّتها ومحاولة دفعها للتصادم مع الشارع وهو الأمر الذي اقترب من التحقّق خلال احتجاجات الأيام الأخيرة عندما لم تجد تلك السلطات بدّا من اللجوء بشكل جزئي للحلّ الأمني لمنع التصعيد والانفلات وانزلاق المظاهرات المطلبية السلمية نحو العنف والتخريب.
ولا تغيب عن خلفية الدفع باتجاه الأزمة، بحسب ذات الدوائر، الانتخابات البرلمانية المقررة في العراق لشهر نوفمبر القادم، حيث تأمل أحزاب وفصائل شيعية في توظيف مسألة الرواتب في الدعاية لنفسها باعتبارها حريصة على المال العام ومهتمة بحمايته، في مقابل دعاية سلبية للقوى السياسية الرئيسية الحاكمة في إقليم كردستان العراق والتي لا تريد تلك الأحزاب والفصائل أن تراها ممثلة مجدّدا بشكل وازن في البرلمان العراقي وقادرة على المشاركة بشكل فاعل في تشكيل الحكومة الاتّحادية والمساهمة في صياغة سياساتها.
منع التظاهر لحساسية الموقف الأمني والإعلان عن إحباط مخطط لإحداث الفوضى والاضطراب وتنفيذ تفجيرات خلال الاحتجاجات
وخلال العديد من المناسبات الانتخابية لم تتردّد أحزاب شيعية في استخدام مسألة حصّة إقليم كردستان من الموازنة الاتحادية لدغدغة مشاعر الجمهور في مناطق وسط وجنوب العراق التي تمثّل الخزان الانتخابي الرئيسي لتلك الأحزاب من خلال تصويرها الإقليم متواكلا على ما تنتجه مناطق مثل محافظة البصرة من نفط في مقابل احتفاظه بموارده المحلية وعدم تقاسمها مع أي من مناطق العراق الأخرى.
وشهدت السليمانية خلال الأيام الأخيرة تحركات احتجاجية بلغت ذروتها الخميس بتجمهر عدد كبير من متقاضي الرواتب أمام مقرات حكومية مطالبين بمستحقاتهم المتأخرة لشهرين متتاليين، عارضين من خلال الهتافات واللافتات أوضاعهم المعيشية الصعبة جراء انقطاع مورد رزقهم.
ولم تجد السلطات غير القادرة على الاستجابة الفورية لذلك المطلب بدّا من اللجوء إلى الحلّ الأمني واعتقال عدد من الشخصيات بسبب تحريضها ومشاركتها في احتجاجات غير مرخّصة بعد إعلان اللجنة الأمنية في مجلس محافظة السليمانية مطلع الأسبوع عن إلغاء تصاريح التظاهرات وذلك لدواع أمنية.
وكان من بين المعتقلين رئيس كتلة الموقف في برلمان كردستان علي حمه صالح والنائبين السابقين في البرلمان العراقي ريبوار كريم وغالب محمد، بالإضافة إلى إعلاميين كانوا قد حضروا لتغطية الاحتجاجات.
ومن جهته أعلن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتخذ من السليمانية معقلا له ويتولّى إدارة شؤونها بشكل رئيسي، عن طريق وسائل إعلام تابعة له عن “إحباط مخطط كان يستهدف استغلال الاحتجاجات في السليمانية، لزعزعة الاستقرار الأمني في المدينة.”
opo
ونقل الموقع الرسمي للاتحاد عن مصدر أمني رفيع قوله إنّ “جهة ما كانت تخطط للقيام بأعمال تفجير وشغب داخل الاحتجاجات، بهدف إرباك الوضع الأمني في السليمانية، إلا أن الأجهزة الأمنية تمكنت من إحباط المخطط.”
وأوضح المصدر، أن الجهة المعنية وضعت خطة لإحداث فوضى داخل احتجاجات معلمي السليمانية، عبر تنفيذ أعمال تفجير وافتعال اضطرابات أمنية، وقد تم التوصل إلى تفاصيل تلك الخطة وآلية تنفيذها بشكل دقيق، مما دفع القوات الأمنية إلى منع إقامة أي احتجاجات، حفاظا على الأمن العام.
وذكّر المصدر ذاته بأن اللجنة الأمنية في السليمانية لم تمنح ترخيصا لتنظيم أي تظاهرة وأعلنت أن الأوضاع الأمنية في المدينة حساسة خاصة بعد ورود معلومات استخبارية أولية عن المخطط، تلاها تأكيد تلك المعلومات لاحقا. كما أصدر جهاز أمن إقليم كردستان من جهته توضيحا بشأن اعتقال عدد من منظمي التظاهرات مرجعا ذلك إلى حماية أرواحهم وأرواح المتظاهرين.
وتوجّه الجهاز إلى المواطنين بالقول في بيان “لطالما كانت محافظة السليمانية مركزا لحرية التعبير والتظاهر والعمل والنشاط السياسي، وتفخر قوات أمن السليمانية بأنها لم تتردد يوما في بذل أي جهد لحماية أمن المتظاهرين من مختلف الفئات.”
لا تغيب عن خلفية الدفع باتجاه الأزمة الانتخابات البرلمانية المقررة في العراق لشهر نوفمبر القادم، حيث تأمل أحزاب وفصائل شيعية في توظيف مسألة الرواتب في الدعاية لنفسها
وتابع القول “اضطررنا لاعتقال عدد من منظمي التظاهرات خلال اليومين الماضيين لأننا كنا على دراية بمؤامرة تُحاك ضدهم لتحقيق أهداف سياسية من خلال إثارة الفوضى بين المتظاهرين والمطالبين بالعدالة،” موضّحا أنّ المعتقلين هم “ممن لم يكونوا على علم بالمؤامرة وكان هدفنا من اعتقالهم هو حماية أرواحهم وأرواح المتظاهرين والمحتجين فقط.”
كما ورد في ذات البيان “رغم أن قواتنا تعاملت مع المعتقلين باحترام كبير إلا أننا نرى من الضروري الاعتذار لهم وطمأنتهم بأن هذا الجهد كان لحماية أنفسهم والحفاظ على أمن المدينة،” مذكّرا بأن “أفراد القوات الأمنية، كسائر الموظفين، مستاؤون من عدم صرف رواتبهم ويضمون أصواتهم إلى أصوات المتظاهرين.”
وتتسارع بالتوازي مع محاولات تهدئة الشارع وضبطه جهود قيادة إقليم كردستان لحلّ أزمة الرواتب بأسرع وقت ممكن، حيث أعلن رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني أن الأزمة في طريقها إلى الحل وأن بغداد بصدد إرسال وفد إلى أربيل للغرض.
وكانت وزيرة المالية في حكومة السوداني طيف سامي قد أبلغت حكومة كردستان العراق في مايو الماضي بتعذّر استمرار الوزارة في تمويل رواتب الإقليم مرجعة ذلك إلى تجاوز الأخير للحصة المقررة له ضمن قانون الموازنة الاتحادية.
ولا ينفصل ملف الرواتب عن تعقيدات وخلافات أخرى بين الحكومة الاتّحادية وحكومة الإقليم تشمل تصدير النفط المنتج في حقوله وتحويل الموارد التي تجمع محليا إلى خزينة الدولة.
وقال مسرور بارزاني “لحل هذه الأزمات كنا على تواصل مستمر مع بغداد. وقد تحدثت شخصيا مع رئيس مجلس القضاء ومع رئيس الوزراء كي نمضي نحو الحل وقد أعلنوا استعدادهم لإرسال وفد في القريب العاجل للدخول معنا في حوار حقيقي حول مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان.”