كشف تحقيق لوكالة “رويترز”، الاثنين، عن تفاصيل جديدة عن مجازر الساحل السوري التي وقعت في شهر مارس/ آذار الماضي، متحدثاً عن مقتل ما يقرب من 1500 سوري علوي. وحدّد التحقيق الذي جاء بعد أكثر من ثلاثة أشهر على المجازر، تسلسل قيادة المسؤولين عن أعمال القتل، من المهاجمين، إلى رجال يعملون مع حكّام سورية الجدد في دمشق، وفق الوكالة، في حين تواصل “العربي الجديد” مع المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق في مجازر الساحل السوري، ياسر الفرحان، للوقوف على حقيقة ما أوردته “رويترز” في تحقيقها، فأكّد أنّ اللجنة “أنهت التحقيقات تقريبا، وهي في مرحلة إنهاء الصياغة واستكمال بعض المعلومات البسيطة”.
وخلصت “رويترز” إلى أنّ ما يقرب من 1500 سوري علوي قُتلوا، وأن عشرات في عداد المفقودين. ويبيّن التحقيق أن 40 موقعاً مُختلفاً شهد عمليات قتل انتقامية، وهجمات، وأعمال نهب استهدفت الأقلية الدينية التي لطالما جرى ربطها بنظام بشار الأسد المخلوع. وألقت موجة القتل التي استمرت أياماً الضوء عن الاستقطاب المتجذّر في سورية، ولم تستطع الحكومة الجديدة التغلب عليه بعد، بين مؤيدي النظام القديم، ضمنياً أو فعلياً، وأولئك الذين كانوا يأملون نجاح الثورة على الأسد في نهاية المطاف.
في وقت متأخر من مساء يوم الثامن من مارس/ آذار في قرية الرصافة، قُتل الشاب السوري سليمان رشيد سعد، ليصبح رقم 56 على قائمة مكتوبة بخط اليد تضم 60 قتيلاً، من بينهم عدد من أبناء عمومته، وجيرانه، وستة أطفال على الأقل من قريتهم التي تقع على الساحل السوري. كان مقتل سليمان ضمن موجة من أعمال القتل نفذها مقاتلون سنّة في مناطق يقطنها العلويون على ساحل البحر المتوسط في سورية من السابع إلى التاسع من مارس/ آذار. ووقعت أعمال العنف بعد تمرّد استمر يوماً، نظّمه عسكريون سابقون موالون لرئيس النظام المخلوع بشّار الأسد، وقالت الإدارة الجديدة إنه أسفر عن مقتل مئات من قوات الأمن.
وخلصت “رويترز” إلى نتائج التحقيق، في وقت ترفع فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدريجياً عقوبات مفروضة على سورية، تعود إلى عهد الأسد. ويسبب هذا التقارب إحراجاً لواشنطن، فالحكومة السورية الجديدة تقودها ما كانت تُعرف سابقاً بـ”هيئة تحرير الشام” التي جرى حلُّها بعد إطاحة الأسد، وكانت في الماضي فرعاً لتنظيم القاعدة في سورية، يحمل اسم جبهة النصرة، وتخضع الهيئة، التي كان يتزعمها سابقاً الرئيس السوري أحمد الشرع، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ عام 2014.
وصار الشرع، رئيساً في يناير/ كانون الثاني بعد أن قاد هجوماً خاطفاً انتهى بإسقاط نظام الأسد والسيطرة على دمشق. ووجدت “رويترز” أنّ ما لا يقل عن عشرة فصائل تضم أجانب، وتخضع حالياً لسيطرة الحكومة الجديدة، ضالعة في أعمال القتل التي وقعت في مارس. ويخضع ما يقرب من نصف هذه الفصائل لعقوبات دولية منذ سنوات، بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان، منها القتل والخطف والاعتداءات الجنسية. ولم تردّ الحكومة السورية، بما في ذلك وزارة الدفاع ومكتب الرئيس وجهاز الأمن العام، على ملخص مفصل لنتائج هذا التقرير، أو على أسئلة ذات صلة من “رويترز” حول ضلوع قوات حكومية في المذابح، وفق ما ذكرته الوكالة.
وفي مقابلة مع “رويترز” بعد أيام قليلة من عمليات القتل، ندّد الشرع بالعنف، باعتباره تهديداً لجهوده في توحيد البلاد التي مزّقتها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا “أقرب الناس” إليه، وقال “نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام، وما وصلنا إلى دمشق إلّا نصرة للناس المظلومين… لا نقبل أن يكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق، أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب. مهما كان حتى، لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس عنّا”.
ومن بين الوحدات التابعة لهيئة تحرير الشام سابقاً التي كشف تحقيق “رويترز” تورّطها، جهاز الأمن العام، وهو جهاز فرض القانون الرئيسي، والفرقة 400، وهي فرقة من مقاتلي النخبة، ولواء عثمان، كما تورطت فصائل مسلّحة انضمت حديثاً لصفوف القوات الحكومية، من بينها فرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة، اللتان فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليهما لضلوعهما في عمليات القتل. ولم يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على وحدات هيئة تحرير الشام السابقة، كما لم تفرض الولايات المتحدة أي عقوبات تتعلق بأعمال القتل، وأمر الشرع بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري ولجنة عليا للحفاظ على السّلم الأهلي، وفق “رويترز”.
شهادات متباينة حول عمل لجنة التحقيق بأحداث الساحل السوري
وذكر المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق، ياسر الفرحان، أنّ الرئيس سيتسلّم ما خلصت إليه من نتائج في غضون أسبوعَين، إذ تعكف اللجنة حالياً على تحليل المعلومات، ثم تكتب تقريرها النهائي بناء على شهادات ومعلومات جُمعت من أكثر من ألف شخص، بالإضافة إلى إحاطات من مسؤولين واستجوابات لمعتقلين. ونصح الوكالة بالتريّث في نشر تحقيقها. وقال “اللجنة الآن في مرحلة فحص وتحليل المعلومات، لاستخلاص النتائج وكتابة التقرير، ولا نستطيع الإجابة قبل أن ننتهي، حرصاً على أمانة الحقيقة ومقتضيات التحقيق”.
الفرحان يوضح لـ”العربي الجديد”
كان ردّ الفرحان على سؤال “العربي الجديد” مماثلا لما أدلى به لـ”رويترز”، حيث قال: “أنصح بأن تتريثوا في النشر لحين الاطلاع على تقريرنا النهائي، فقد استمعنا إلى أكثر من ألف شاهد وشاهدة من العائلات، استمعنا أيضاً لإحاطات المسؤولين الحكوميين، والمجتمع المدني والوجهاء، استجوبنا عددا من الموقوفين، وجمعنا الكثير من الأدلة، أتوقع انكم ستجدون في النتائج شيئاً مفيداً لاستجلاء الحقيقة من جوانبها ومصادرها المتعددة”، مضيفا أن “التقرير سيعرض على السيد رئيس الجمهورية بعد أسبوعين تقريباً، والوقت أمامكم ليس بعيد”. لكن الجديد في كلام الفرحان لـ”العربي الجديد” هو أنّ اللجنة لم تدرس بعد خطة نشر نتائج تحقيقها المرتقب، مؤكدا أنها أنهت التحقيقات تقريبا، وهي في مرحلة إنهاء الصياغة واستكمال بعض المعلومات البسيطة.
ووفقاً لستة مقاتلين وقادة وثلاثة مسؤولين حكوميين، فقد ساورت المخاوف الحكومة السورية الجديدة من فقدان السيطرة على منطقة الساحل خلال انتفاضة أنصار الأسد، وأصدرت أوامر قاطعة في السادس من مارس بسحق محاولة انقلاب من “فلول” النظام السابق. وكان عدد كبير من الرجال الذين تلقوا الأوامر، انضموا إلى صفوف قوات الأمن الحكومية الجديدة منذ شهور قليلة، وفق “رويترز”. وأشارت الوكالة إلى أنه في ذلك اليوم، اندفع بعضٌ ليفسر كلمة “فلول” على أنها تعني كل العلويين، وهم أقلية من مليونَي شخص، يحمّلهم كثيرون في سورية مسؤولية جرائم عائلة الأسد التي تنتمي لهذه الطائفة.
وصرح أحمد الشامي محافظ طرطوس، وهو مسؤول في الحكومة الجديدة، لـ”رويترز” بأنّ العلويين ليسوا مُستهدفين. وأقرّ بوقوع “انتهاكات” بحق المدنيين العلويين، وقدّر عدد القتلى في المحافظة بنحو 350 شخصاً، وهو ما يتوافق مع ما توصلت إليه “رويترز” أيضاً. ولم تنشر الحكومة هذا الرقم مطلقاً، وقال الشامي “الطائفة العلوية ليست موجودة عندنا ضمن أي قائمة من قوائم، لا سوداء، ولا خضراء، ولا حمراء. ليست مصنفة على أنها طائفة مجرمة، ولا بدّ أن يتحقق القصاص منها. الطائفة العلوية ظُلمت كما ظُلم عموم الشعب السوري”، وأضاف باللغة العامية: “هذا الأمر إحنا ثبتناه موجود عندي كمحافظ لطرطوس وكذلك الأمر السيد الرئيس في زيارته إلى طرطوس استمع للناس ووقف على حقيقه كثير من المسائل”.
وشدّد على أن “الطائفة في حاجه للأمان، وهذا واجب علينا بصفتنا دولةً وسنحقّقه”. ورداً على طلب للتعقيب على النتائج التي خلصت إليها “رويترز” أشار أنور العوني، وهو متحدث باسم الاتحاد الأوروبي، إلى أن التكتل ندد “بالجرائم المروعة المرتكبة بحقّ المدنيين من جميع الأطراف”، لكنه لم يوضح سبب عدم فرض عقوبات أيضاً على وحدات هيئة تحرير الشام، ولم يردّ متحدثون باسم وزارتَي الخارجية والخزانة الأميركيتَين على طلبات للتعليق.
وتحدثت “رويترز” مع أكثر من 200 من عائلات الضحايا خلال زيارات لمواقع المذابح وعبر الهاتف، ومع 40 من المسؤولين الأمنيين والمقاتلين والقياديين، بالإضافة إلى محققين ووسطاء عيّنتهم الحكومة، كما اطلعت “رويترز” على رسائل في صفحة مراسلة على تطبيق “تليغرام” أنشأها مسؤول في وزارة الدفاع لتنسيق تحرك الحكومة. وفحص صحافيو الوكالة، وفق تأكيدها، العشرات من مقاطع الفيديو، وحصلوا على لقطات من كاميرات المراقبة، وجمعوا قوائم مكتوبة بخط اليد بأسماء القتلى.
وكان بعض المهاجمين الذين تحرّكوا للتعامل مع انتفاضة مارس، يحملون قوائم بأسماء الرجال الذين يريدون استهدافهم، بما في ذلك أعضاء سابقون في فصائل مؤيدة للأسد حصلوا على عفو مؤقت من الحكومة الجديدة. وظهرت لاحقاً أسماء أفراد عائلات بأكملها في قوائم القتلى التي كتبها شيوخ القرى بخط اليد. ووصف عدد من الناجين كيف جرى تشويه جثث ذويهم. واحتشد مقاتلون، كثير منهم ملثمون، في معاقل الحكومة الجديدة في إدلب وحمص وحلب ودمشق. وفي مقاطع فيديو تحقّقت منها “رويترز”، ظهرت قوافل مدرّعات تنطلق إلى غرب سورية، وعَلَت صيحات طائفية من المسلّحين ليلاً.
عقوبات أوروبية ضد “متورطين في انتهاكات الساحل السوري”
وكان السؤال الأول الذي طرحه المقاتلون لدى وصولهم على السكان ذا دلالةٍ كبيرة، وفقاً لأكثر من 200 شاهد وناجٍ، وهو “أنت سني أم علوي؟”، وفق ما ذكرته “رويترز”.
“الانتفاضة” / محاولة الانقلاب
كان عبيدة شلي وشقيقه التوأم هما أصغر أفراد عائلة سنية تضم تسعة أبناء وبنات في إدلب بشمال غرب سورية، حسب ما تقول شقيقتهما ياسمين. وسافر التوأمان إلى ليبيا للعمل مرتزقة. ومنذ عامين، انضما إلى جهاز الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام في إدلب، حيث كانت الجماعة تُدير حكومة موازية. تقول ياسمين إن المطاف انتهى بشقيقها شلي (23 عاماً) وهو يرتدي زي جهاز الأمن العام الأسود، ويحرس نقطة تفتيش قرب مدينة بانياس، وهو ما تؤكده رسائل صوتية أرسلها لها عبر تطبيق واتساب واطلعت عليها “رويترز”.
وعند غروب الشمس تقريباً في يوم 6 مارس، تعرضت نقطة التفتيش ومواقع أخرى تابعة لجهاز الأمن العام في محافظتَي اللاذقية وطرطوس لهجوم، ما أسفر عن مقتل العشرات من عناصر الأمن. ووفقاً للحكومة الجديدة وسكان، كان المهاجمون يقودهم ضباط لا يزالون موالين للأسد، وانضم إلى الضباط شبان فقدوا سبل عيشهم، عندما فصلت الحكومة الجديدة آلاف الموظفين العلويين، وفككت أجهزة الأسد الأمنية، وفقاً لمقابلات مع السكان، بمن فيهم زعيم محلي وصف الأمر بأنه تحرك عفوي من أشخاص يائسين.
وأرسل شلي رسالة صوتية لشقيقته في حوالى الساعة الثامنة والنصف مساء، يخبرها بأن نصف الرجال من حوله سقطوا قتلى. وبدا هادئاً ومستسلماً لمصيره. قالت “كان بيحاول يشوف طريقة يخرج الجثث”، وسألته لماذا لم يهرب، فأجاب “ما في مفر”. وعلمت ياسمين أن شقيقها قُتل بعد ذلك بساعتين. وشنّت قوات موالية للأسد أيضاً هجمات في بانياس، أكبر مدن طرطوس. وسيطرت على الطريق الرئيسي بالمدينة، وعلى المستشفى، وهاجمت المقرّ الأمني للحكومة الجديدة، حسب ما قال أبو البحر، وهو مسؤول أمني متمركز في بانياس كان يقضي تلك الليلة في إدلب.
وقالت الحكومة السورية إن “المئات” من قواتها قتلوا في “الانتفاضة” (وتعبير الانتفاضة لرويترز هنا، مع العلم أنّ الحكومة وسكّان محليين يصفونها بمحاولة انقلاب)، لكنها لم تُعلن عن أسماء أو إحصاء دقيق. ولم تُجب وزارة الدفاع على أسئلة لـ”رويترز” حول عدد القتلى من القوات أو ضلوع قوات تابعة للحكومة في المذابح. وفرض الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو/ حزيران عقوبات على ثلاثة ضباط سابقين موالين للأسد، قائلاً إنهم مسؤولون عن قيادة مجموعات مسلحة “أجّجت التوتر الطائفي وحرضت على العنف”.
وقال حمزة العلي، وهو ضابط بجهاز الأمن العام مسؤول عن بلدة القدموس، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً إلى الشرق، إن أفراداً من نظام الأسد “كانوا ينظمون انقلاباً، لإعلان الساحل منطقة مستقلة”. وطلبت وزارة الدفاع تعزيزات من جميع الفصائل التي انضمت أخيراً إلى القوات الحكومية، وتعالت النداءات من المساجد في جميع أنحاء البلاد تدعو إلى “الجهاد”، وفق “رويترز”. وقال محمد الجاسم، وهو قائد فرقة السلطان سليمان شاه، التي تُعرف أيضاً باسم العمشات، للوكالة، إنه كان في مستشفى في تركيا لأسباب صحية عندما اندلاع القتال، وأضاف أنه سرعان ما أُضيف إلى مجموعة على تطبيق تراسل يديرها مسؤول كبير في وزارة الدفاع، قال إنه يعرفه فقط باسم أبو عهد.
ولم يتسنَّ لـ”رويترز” التحقق من المكان الذي كان يوجد فيه الجاسم في أثناء وقوع المذابح. ونفى أن يكون لرجاله أي دور في أعمال العنف. وأبو عهد الحموي هو الاسم المستعار لحسين عبد الغني المتحدث باسم وزارة الدفاع. وصدرت أوامر لفرقة الجاسم بإعادة فتح الطريق الساحلي السريع (إم 1) الذي يربط بين اللاذقية وجبلة، وقال إن قواته اتخذت مواقع خارج مدينة جبلة. ومع استمرار المذابح، أعلن عبد الغني أن العملية في منطقة الساحل تسير وفق المخطط لها، بهدف الحفاظ على السيطرة على المنطقة، وأيضاً “تضييق الخناق على بقايا عناصر ضباط وفلول النظام السابق”، وفقاً لما نقلته “رويترز” عن وكالة الأنباء السورية (سانا).
وخلف الكواليس، كان عبد الغني يدير مجموعة تراسل على “تليغرام”، بين زعماء فصائل وقادة بالجيش، نسقوا تحرك الحكومة لقمع انتفاضة أنصار الأسد، وفقاً لعشرات الرسائل النصية والصوتية المتبادلة بينه وبين قائد كبير من فصيل آخر اطلعت عليها “رويترز”. وأكد مصدران أن اسم المستخدم على “تليغرام” هو عبد الغني، وأن أبو عهد هو اسمه الحركي. وتواصلت “رويترز” معه مباشرة عبر “تليغرام” باستخدام هذا الاسم، وقال للوكالة إنه قدم شهادته للجنة التي تحقّق في عمليات القتل، لكنّه رفض الإدلاء بمزيد من التعليقات. وأشارت الرسائل إلى مواقع وتحركات القوات، بما في ذلك رسالة من عبد الغني عند الجسر المؤدي إلى قرية المختارية، حيث كانت تُرتكب مذابح.
وفي السياق، قال المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية، ننار حواش، إن عمليات القتل قوضت شرعية الحكومة الجديدة بين السوريين، خاصّة الأقليات، وأضاف “نشر وحدات معروفة بعدائها لطوائف تعتبرها خصوماً، ولها سجل حافل بالانتهاكات، أدى إلى نتائج متوقعة… لقد تقاعسوا عن الوفاء بواجبهم الأساسي في توفير الحماية”. وفي إشارة إلى ضعف سيطرة الحكومة على مقاتليها، واجهت الفصائل المندمجة حديثاً في صفوف القوات الحكومية بعضها البعض في شوارع القرى في بعض الأحيان، وفقاً لشهود في ثلاثة مواقع مختلفة، وصفوا جميعاً رؤية أحد الجانبين يحاول حماية المدنيين المذهولين من رجال يرتدون الزي الرسمي يحاولون قتلهم.
عناصر من قوات الأمن عند شاطئ مدينة اللاذقية، بعد أحداث دامية شهدها الساحل السوري، 9/3/2025، (عمر حاج قدور، فرانس برس)
ملحق سورية الجديدة
عندما تنفجر ألغام التاريخ في الساحل السوري
7 مارس: 578 قتيلاً في 26 موقعاً
يمتد الطريق السريع (إم 4) من البحر المتوسط إلى الداخل، بينما يمتد الطريق السريع (إم 1) إلى الجنوب بمحاذاة الساحل، قبل أن يتجه شرقاً قرب لبنان. ووقعت المذابح التي بدأت قبل فجر السابع من مارس، في معظمها، على هذين الطريقَين. وكانت بلدات كثيرة عبارة عن مجتمعات زراعية، تنتشر فيها بساتين الليمون والبرتقال في مارس، وحقول خضراوات تنمو بكثرة على مدار العام بفضل مناخ البحر المتوسط، وتعرضت قرية المختارية، أول قرية على طريق (إم 4) الذي يربط إدلب واللاذقية، لهجوم حوالى الساعة السادسة صباحاً.
وأكد ثمانية شهود لـ”رويترز” أن حشوداً من الرجال، بينهم كثيرون يرتدون زي جهاز الأمن العام، اقتحموا الأبواب لإخراج الرجال، وأجبروا بعضهم على الزحف واقتادوا آخرين بعيداً. واستمر إطلاق النار نحو ساعة، وعندما توقف كان 157 شخصاً قد قتلوا، أي ما يقرب من ربع سكان المختارية، وفقاً لقائمة أعدها أحد وجهاء القرية وتحققت منها “رويترز” من خلال عدد من السكان الناجين.
وكان من بين القتلى 28 فرداً من عائلة عبد الله، و14 فرداً من عائلة درويش، و11 من عائلة الجهني، وفقاً للقوائم التي جمعها الناجون ومشايخ القرية وأَطْلعوا عليها “رويترز”. وقالت امرأة فقدت والدها وإخوة لها “الرصاص كان زي المطر يا أختي، ما عارفين نروح وين أو كيف نهرب”. وشاركت امرأة أخرى فقدت 17 من أقاربها لقطة شاشة (سكرين شوت) من فيديو تحققت منه “رويترز”. وأشارت إلى كومة من الجثث في اللقطة، وقالت “هذه عائلتي”. ورسمت سهماً على الشاشة يشير إلى جثة رجل يرتدي سترة باهتة اللون، وأرسلت الصورة إلى “رويترز” قائلة “هذا زوجي”.
وقال سكان إنّ القرية كانت شبه خالية بعد مرور أيام على المذبحة. وتعفّنت ثمار البرتقال على أشجارها في غياب من يحصدها. وذكر علي ملحم، مؤسّس مجموعة السلم الأهلي السورية، وهي منظمة تُوثق الانتهاكات وتتوسط في النزاعات، أن القرى التي شهدت أكبر قدر من سفك الدماء هي التي ينتمي سكانها إلى فرقة فرعية من الطائفة العلوية، وهي الكلازية. وأضاف ملحم وزعيم بارز في الطائفة العلوية، أنّ عائلة الأسد كانت من العلويين الكلازيين، وكذلك العديد من كبار مسؤولي الأمن في عهده.
ومن الأماكن المرتبطة بالكلازية، قرية الصنوبر، وهي منطقة زراعية عدد سكانها حوالى 15 ألف نسمة، تتخلل منازلهم حقول الخضراوات. وأوضح ثلاثة قرويين لـ”رويترز”، أن قوة النخبة التابعة لهيئة تحرير الشام، والمعروفة بالفرقة 400، انتقلت إلى الصنوبر في ديسمبر/ كانون الأول، ووعدت بأن تُترك البلدة في سلام تحت القيادة الجديدة، ووصفوا الحياة بأنها متوترة، لكنها محتملة.
وذكر شهود أنه في وقت مبكر من يوم السابع من مارس، تجمع رجال من الفرقة 400 ومئات التعزيزات، وبدأوا عمليات القتل. وأفاد 17 شاهداً بأن تسعة فصائل منفصلة شنّت هجمات. وقال شاب لوكالة رويترز، إنّه رأى مقاتلين من الفرقة 400 يطلقون النار في أثناء اقتحام منزله. وقُتل 11 من أقاربه. ونجا الشاب بعدما اختبأ في مخزن بالطابق العلوي. وشاركت فرقة السلطان سليمان شاه أيضاً في الهجمات، وفقاً لناجين تعرفوا على شارات الفرقة. وبرزت الفرقة بوصفها فصيلاً مدعوماً من تركيا خلال الحرب الأهلية في سورية، وتخضع لعقوبات أميركية منذ عام 2023، إذ تتهمها وزارة الخزانة الأميركية بانتهاكات، “من بينها الملاحقة والخطف”.
وقال الجاسم لـ”رويترز” إن الاتهامات “مختلقة”، ووصف رجاله بأنهم يتمتعون بقدر كبير من الانضباط. ولم يُجب متحدثون باسم جهاز الأمن العام ووزارة الدفاع، التي تُشرف على الفرقة 400، على أسئلة حول الهجمات. كما لم ترد الحكومة التركية على طلبات للتعليق على ضلوع فرقة السلطان سليمان شاه وغيرها من الفصائل المدعومة من تركيا في عمليات القتل. ولم تُصدر أيضاً أي تعقيب على عقوبات الاتحاد الأوروبي على هذه الفصائل في مايو/ أيار.
وفي مقطع فيديو صوره مقاتل في الصنوبر، وتحققت “رويترز” منه، ظهر المقاتل يرتدي زياً عسكرياً بجانب جثث، وهو يقول “فرقة سليمان شاه تدحر فلول النظام، الله أكبر والحمد لله”، وانتقل بالكاميرا بعد ذلك ليصور جثث 11 رجلاً عُزّل بملابس مدنية ملقاة على بقعة من أخصب الأراضي السورية، صارت مروية بالدم. ومن بين هؤلاء القتلى فني دراجات نارية، وطالبان، ومزارعان، وشرطي حاصل على عفو، وفقاً لأقارب القتلى الذين عرّفوهم بالاسم.
ونفى الجاسم، قائد فرقة السلطان سليمان شاه، أن يكون رجاله مسؤولين عن عمليات القتل في أي من القرى التي دخلوها، وقال لـ”رويترز”: “أنا كقائد فرقة بعرف إن الأمر يتنفذ بالحذافير”. وفي إبريل/ نيسان، أكدت الفرقة التي أصبح اسمها في ذلك الوقت الفرقة 62 من الجيش السوري أن الرجل الذي صوّر الفيديو ليس له أي صلة بها، واتهمته بانتحال شخصية مقاتل “لتشويه سمعة الفرقة العسكرية وسجلها”، ولم يتسنَّ لـ”رويترز” التحقق على نحوٍ مستقل من هوية الرجل أو انتمائه. وعرّفت مجموعة أخرى نفسها بوصفهم مقاتلين تابعين لفصيل “جيش الإسلام”.
ونشر مسؤول الإعلام في “جيش الإسلام” صوراً على “فيسبوك” لمقاتلين متجهين إلى منطقة الساحل في السابع من مارس، كما نشر نسخة من وثيقة عفو قال إنّه جرى العثور عليها مع جثة شرطي من عهد الأسد، ما يشير إلى أن القتيل نكث بالتعهد الذي وقعه بعدم حمل السلاح ضد الحكومة الجديدة، وكتب المسؤول الإعلامي حمزة بيرقدار “فلول مجرمة لا عهد لهم ولا ميثاق، فلا أمان ولا استقرار في بلادنا إلا باستئصالهم”.
وقالت امرأة من الصنوبر لـ”رويترز” إن المقاتلين استولوا على غرفة معيشتها. ولم يرد مسؤول الإعلام بيرقدار ولا “جيش الإسلام” على طلبات للتعليق بشأن أعمال العنف. ووفقاً لقوائم راجعتها “رويترز”، وتحققت منها بالاستعانة بعدد من السكان، قُتل 236 من الصنوبر. وكان معظمهم شباناً تتراوح أعمارهم بين 16 و40 عاماً. وكان من بين الجرحى امرأة حامل، أجهضت لكنّها نجت من إصابات بطلقات نارية.
وقالت امرأة شابة إنّ زوجها كان يزور جارهم عندما اقتحم مسلحون البيت، وصعدوا إلى الطابق العلوي، وبدأوا بتحطيم كل شيء باحثين عنه. وذكرت أن المجموعة غادرت وجاءت بعدها أخرى. ثم جاءت مجموعة ثالثة، احتضن قائد المجموعة أطفالها ووعدهم بعدم التعرّض لأذى. وأطلقت مجموعة رابعة النار على المبنى. ووصلت مجموعة خامسة من المقاتلين، يرتدون عصابات رأس خضراء، برفقة مترجم. ولم يكونوا يتحدثون العربية، ولم تتعرّف على لغتهم.
وقالت “جاء ثلاثة مسلحين ووجهوا بنادقهم إلى رأسي”، وأضافت أنهم قالوا لها “أنتم ***** علوية. تستحقون ما يحدث لكم. إن صرخت سنقتلك بالرصاص، وستلقى جثتك فوق الجثث الأخرى”. وذكرت أنها كانت تحاول طوال الوقت الوصول إلى زوجها دون جدوى. وبعد غروب الشمس، خرجت لتجده ممدّداً على الأرض، مصاباً بطلقات نارية في عينيه وقلبه. وقال شهود إن المقاتلين سرقوا الطعام لإفطار رمضان، واحتفلوا في الخارج، بينما كانت النساء المذعورات ينظرن من النوافذ.
8 مارس: 828 قتيلاً في 10 مواقع
وصلت أول مجموعة مسلّحة يوم السبت الموافق الثامن من مارس إلى قرية الرصافة، وضمت نحو 12 شخصاً. كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة صباحاً بقليل، وكان بعضهم يرتدي زياً عسكرياً أسود. كان السكان محاصرين في الداخل منذ اليوم السابق، عندما تمركزت قافلة حكومية من نحو 50 مركبة بينها دبابة، بأنحاء القرية وجرى قطع التيار الكهربائي وبدأ إطلاق النار. ويوم السبت بدت هذه المجموعة الجديدة من المقاتلين غير راضية، عندما ألقت نظرة خاطفة داخل منزل عائلة سعد.
عناصر أمن على مدخل مجلس جبلة (العربي الجديد)
تقارير عربية
الحياة لم تعد إلى طبيعتها في جبلة… انقسام اجتماعي واستنفار أمني
وقالت غادة علي “قالوا للشباب يركعوا على الأرض. ركعوا. بعدين سحبوهم لبرّه (للخارج)”. ورأت الأم وهي تقف مكتوفة الأيدي، المسلحين وهم يدوسون بأقدامهم على ظهر صالح، أصغر أبنائها وعمره 17 عاماً، وهو مُلقى على الأرض. وبعد فترة، أرسلوا صالح إلى والدته ثم سألها أحد المقاتلين عن سبب استمرارها في البكاء، فأجابت “عاوزة عيالي (أولادي)”، وأضافت أنهم أخبروها بأنهم أعادوا إليها واحداً من أبنائها، أما ابنها الأكبر، سليمان رشيد البالغ 25 عاماً، فقالوا إنه ربما سيعود قريباً. لكن بدلاً من ذلك، تلقى والده اتصالاً هاتفياً وقالوا له “قتلناه وشيلنا قلبه. تعالى شيل جثته قبل الكلاب ما تاكله”.
وأخذ الأب رشيد سعد وشقيقه، الذي فقد أربعة من أبنائه في ذلك اليوم، بطانيات، وطلبا من صالح المساعدة. وقال الأب إنهم عادوا بالجثث الخمس إلى منزلهم، ودفنتها النساء في الحديقة. ولفت أحد مشايخ القرية إلى أن المهاجمين عرّفوا أنفسهم بأنهم من فصائل الحمزة والسلطان سليمان شاه وجيش العزة. ورفض ممثلون عن فصيلَي الحمزة وجيش العزة التعليق على أعمال العنف في القرية. ونفى الجاسم وجود رجاله في الرصافة. وفي المجمل، قُتل 60 علوياً في الرصافة، وفقاً لقوائم اطلعت عليها “رويترز”. وكان أصغر القتلى عمره أربع سنوات.
وفي موقع أقرب إلى الساحل، انتاب اليأس سكان قرفيص، وفي القرية ضريحٌ ذو قبة بيضاء في وسطها يظهر اسمُ أحمد قرفيص، وهو رجل دين يحظى بتبجيل كبير من العلويين. وتمركزت قوات من لواء عثمان، إلى جانب الفرقة 400، في القرية بعد سقوط الأسد، بحسب ناجيَين اثنَين وشخص لديه أقارب هناك.
وفي يوم الجمعة، يوم السابع من مارس، ومع انتشار أنباء موجة القتل في المنطقة، اختار أهالي القرية أربعة من السكان الذين يحظون باحترام كبير للتفاهم مع مقاتلي لواء عثمان، وجلسوا في نصف دائرة بشرفة مزرعة خارج قرفيص، وحاول ممثلو القرية إقناع المقاتلين بأنها لا تؤوي أي مؤيدين للنظام السابق، وأنه لا داعي لبقائهم ولا للقتال. وقال مصدر مطلع على هذا اللقاء، لوكالة رويترز، “صمّموا أن يبقوا لأنه كان هناك خطة معدة مسبقاً”، وكان صوت الأسلحة الآلية والمدافع المضادة للطائرات يتردد من على بعد.
وغادر المقاتلون والوسطاء المزرعة عائدين إلى القرية. قال شاهدان إنه في حين كانوا يتحدثون، قُتل ستة رجال هناك رمياً بالرصاص، وتناثرت جثثهم في ساحة الضريح وعلى درجه. ولم تردّ وزارة الدفاع، التي تشرف مباشرةً على لواء عثمان والفرقة 400، على طلبات للتعليق بشأن عمليات القتل في الرصافة وقرفيص، وقال أحد الشهود “ما في ولا واحد شايل بارودة ولا واحد كان من النظام القديم. كان في واحد مريض نفسياً”. وذكر شاهد آخر كان من بين المصابين، أن نحو 50 تعرّضوا للضرب داخل الضريح.
ومع ذلك، شعرت القرية كأنها نجت من القتل الجماعي التي سمعت عنه في أماكن أخرى. ولكن الشهود قالوا إنه في صباح يوم السبت، أدركوا أنهم كانوا مخطئين، إذ وصلت قافلة جديدة مؤلفة من 80 مركبة، وأطلق أحدهم النار في الهواء، ثم أطلق الباقون النار كما لو أنهم كانوا ينتظرون إشارة. وفي الإجمالي قُتل 23 شخصاً على مدار يومين، وفقاً لصور للقتلى جرت مشاركتها مع “رويترز”.
وأكد شاهد تعرّض للضرب داخل الضريح، أن أعمال نهب استمرت، في حين كانت قرفيص في حالة حداد. وذكر الرجل أن شقيقه قُتل أيضاً. وأضاف أن أحد رجال الفرقة 400 أخبره أن البكاء ممنوع، وأن القرية يجب أن تكون ممتنة لمجرد السماح لها بدفن موتاها، وقال الرجل “ما قدرت أبكي، ما كان عندي الشجاعة أبكي”.
9 مارس: 74 قتيلاً في 4 مواقع
بحلول يوم الأحد، كانت وتيرة القتل الجنونية قد هدأت. حان الوقت لدفن الموتى، بخوفٍ وسراً في كثير من الأحيان. ولمدة 48 ساعة أو أكثر، وقفت نساء علويات ثكالى يحرسن جثث آبائهنّ وإخوتهنّ وأزواجهنّ وأبنائهنّ. ولم تكتشف عائلات كثيرة حجم العنف، إلّا عندما خرجت إلى الشوارع التي فاحت من جنباتها رائحة الموت، أو حاولت إبعاد الكلاب التي كانت تمزق الجثث.
وفي بانياس، بالقرب من المكان الذي شهد الهجوم الذي نفذه موالون للأسد على نقطة التفتيش، وأوقد شرارة أعمال القتل الانتقامية، كان هناك 253 جثة تحتاج إلى دفن، وفقاً لقوائم القتلى التي اطلعت عليها “رويترز”. وفي مدينة جبلة، بلغ عدد القتلى العلويين 77، وفقاً ل30 فرداً من عائلاتهم. وذكر ستة شهود ومسؤول أمني في جبلة، أن البلدة استهدفتها الفرقة 400، وكل من لواء عثمان، وفرقة السلطان سليمان شاه، وفرقة الحمزة، والحزب الإسلامي التركستاني، المكوّن من الإيغور ومقاتلين أجانب آخرين.
وزعم الجاسم، قائد فرقة السلطان سليمان شاه، إن رجاله دخلوا جبلة وغادروا لأنهم رأوا “خروقات كثيرة”، ولم يرغبوا في أن يجري تحميلهم مسؤولية عمليات قتل لم يرتكبوها. ولم يرد ممثلو الفصائل الأخرى على الأسئلة. وأظهرت المحادثة على “تليغرام” أنه جرى إبلاغ المتحدث باسم وزارة الدفاع عبد الغني عن “خروقات” في جبلة، فرد في المحادثة “الله يجزيكم”. وأكد عبد الغني، من خلال حسابه على “تليغرام”، لـ”رويترز”، في 27 مايو، أنه خضع للاستجواب من اللجنة المكلفة بالتحقيق في عمليات القتل، لكنه رفض الإدلاء بمزيد من التعليقات.
ولم تردّ وزارة الدفاع على أسئلة متعدّدة من “رويترز” حول عمليات قتل المدنيين، ولم تؤكد وجود محادثة على “تليغرام” بشأن العمليات. وقال عدد من الناجين، خاصّة في بانياس، إن جيرانهم السُنة قاموا بتهريبهم أو حاولوا حمايتهم. وفي جبلة، تدخل جار سنّي للمساعدة في نقل زوج رشا غصن المصاب بجروح قاتلة، على الرغم من اعتراض عنصرين من الأمن العام. وبمساعدة جارها، وافقت سيارة إسعاف على نقل زوجها إلى اللاذقية، لكن الأطباء هناك لم يتمكنوا من إنقاذ حياته.
وقالت السيدة وهي تقف بجوار الجثة في المشرحة المكتظة، إن ضابطاً في جهاز الأمن العام، مسؤولاً عن سجلات الوفيات، رفض إصدار شهادة وفاة لأن المتوفي علوي.
بعد هجمات الساحل السوري
أصبح كثير من القرى والأحياء العلوية في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة خاوية على عروشها بعد الهجمات، وخيّم السكان بالآلاف في القاعدة الروسية القريبة خوفاً من مذابح جديدة، ولا يزال استهداف العلويين مستمراً حتى يومنا هذا. وفي السياق، أكد رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسورية التابعة للأمم المتحدة باولو سيرجيو بينيرو، أن السلطات أبلغت المنظمة أنها اعتقلت العشرات من المشتبه بهم. جاء ذلك في تقريره إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية في 27 يونيو/ حزيران. من 10 مايو إلى الرابع من يونيو، قُتل 20 علوياً بالرصاص في محافظتَي اللاذقية وحماة، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان. ولم تُعرف هوية الجناة.
واعتقلت أجهزة الأمن العام، التي رفضت التعليق، أربعة مقاتلين على الأقل من الفصائل المسلحة بتهمة “ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين”، إلّا أنه لم تُوجَّه أي اتهامات لأشخاص بشأن مقتل العلويين في مارس. ولم تعلن الحكومة بعد حصيلة القتلى، وقالت الأمم المتحدة إن العدد الذي أعلنته والذي بلغ 111 قتيلاً، أقل من الرقم الحقيقي. وفي ديسمبر/ كانون الأول، قبل ثلاثة أشهر من مذابح منطقة الساحل، أصدر الشرع سلسلة من قرارات الترقيات، في محاولة لتوحيد الجيش. وكان من بين الذين حصلوا على ترقيات، قائد فصيل جيش الإسلام وأيضاً قائد فرقة السلطان سليمان شاه، الجاسم، الذي ترقى إلى رتبة عميد وصار قائداً لوحدة في الجيش السوري.
وحصل قائد الفرقة 400، أبو الخير تفتناز، على ترقية إلى رتبة عميد في ديسمبر، ثم إلى رتبة لواء في يونيو، وفقاً لبيانات وزارة الدفاع. وذكر أحد مقاتلي الفرقة 400 أن تفتناز تولى مسؤولية محافظتَي اللاذقية وطرطوس. وجرت ترقية سيف بولاد أبو بكر، قائد فرقة الحمزة المدعومة من تركيا، إلى رتبة عميد بعد عمليات القتل، وفقاً لحسابه على منصة إكس. أما الحزب الإسلامي التركستاني، وهو فصيل يضم عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب، الذي كشفت “رويترز” عن ضلوع مقاتليه في عدد من الهجمات، فقد اندمج بالكامل في الجيش في مايو . وكان زعيمه من بين الذين جرت ترقيتهم في ديسمبر.
وفي 30 مايو، أصدرت وزارة الدفاع لائحة لقواعد السلوك والانضباط العسكري، تحظر الإساءة إلى المدنيين، والتمييز ضدهم، وإساءة استخدام السلطة. ولم تُعلّق الوزارة على الترقيات أو على الصلات المزعومة بين وحدات القادة وعمليات القتل. واستهداف المدنيين عمداً جريمة بموجب القانون الإنساني الدولي، ويعتبر الضباط الذين يتقاعسون عن منع أو معاقبة مرتكبي مثل هذه الهجمات، مسؤولين بموجب مبدأ مسؤولية القيادة.
وتقف قرية أرزة مثالاً قاتماً على دائرة الانتقام التي لم توقفها الحكومة الجديدة بعد. واستخدم نظام الأسد أرزة نقطةَ انطلاق لمهاجمة مناطق المعارضة مثل قرية خطاب المجاورة عام 2013. ولم يكن هناك من بين العشائر من هم أكثر تأييداً للأسد من آل سليمان. وشكلت العشيرة ربع عدد فصيل يضم 90 فرداً من الموالين لنظام الأسد في أرزة، اشتهر بمداهمة بلدة خطاب قبل أكثر من عقد لاعتقال المعارضين.
وفي 7 مارس، ووفقاً لأربعة سكان سابقين ومقطَعَي فيديو تحققت “رويترز” من صحتهما، قاد رجال من قرية خطاب هجوماً على بلدة أرزة أسفر عن مقتل 23 شخصاً، بما في ذلك أفراد من عشيرة آل سليمان، وفر من تبقى من سكان القرية وعددهم 1200. وقال الشهود الأربعة لـ”رويترز”، إن رجال خطاب أحضروا الضحايا إلى الساحة الرئيسية، وسألوا زعيمهم أبو جابر الخطابي “ها يا شيخ؟”، وأوضحوا أنه إذا رد ّ”الله أكبر” كان يجري إطلاق النار على الضحية، وهو ما فعله في كل حالة تقريباً.
(رويترز)