في مقابلة ماراثونية مع تاكر كارلسون، لم تستبعد النائبة مارجوري تايلور غرين أن تفتح “آيباك”، النار عليها لأنها عارضت دخول بلادها الحرب على إيران، مذكّرة بأن شعار حملة ترامب كان “أميركا، لا إسرائيل، أولاً”. وتوقعت أنهم سيحاولون استبدال مرشح “مناسب” بها ويتهمونها بمعاداة السامية البرلمانية، مع أن المتشددة كانت ولا تزال صديقة حميمة لتل أبيب.
السيدة التي قيل يوماً إن ترامب فكر باتخاذها نائبة له، معروفة بلسانها السليط وترويجها نظريات المؤامرة. بيد أن ما كشفت عنه هذه المرة كان حقيقياً: “ماغا” تعاني من شروخ عميقة، وإسرائيل تتحول إلى عبء يصعب تحمله حتى على بعض من كانوا يحلفون باسمها حتى الأمس القريب. ولفتت إلى أن قلة من رفاقها في الكونغرس يتفقون معها في كل هذا لكنهم لا يتجرؤون على الإفصاح عن مواقفهم خوفاً من اتهامهم بمعاداة السامية!
شتمت النائبة الترامبية المتطرفة إعلاميين بريطانيين مرات عدة لمجرد أنهم وجهوا لها أسئلة مشروعة لم ترق لها. إلا أنها لم تقل هذه المرة أي كلمة نابية عن مارك ليفن وغيره من رفاقها – الأعداء في “ماغا” الذين تدور بينها وبينهم معارك ساخنة أشعلتها مشاركة أميركا في الحرب على إيران. وحين تستمع إلى الإعلامي ليفن وهو “يخطب” بحماس دفاعاً عن حروب إسرائيل “المشروعة” بتطرف يغار منه إيتمار بن غفير، تخال تايلور غرين حمامة سلام ونموذجاً للاعتدال!
الفجوة الآخذة بالتوسع بين تايلور غرين وتاكر كارلسون وستيف بانون إلخ، الذين يُسمون “الانعزاليين”، من جهة، ورفاقهم – الأعداء وهم “المحافظون الجدد” كليفن والسناتور تيد كروز وعضو الكونغرس توم كوتون وآخرون، من جهة ثانية، تظهر مدى تفكك هذه المجموعة وتناقض أعضائها.
الانعزاليون يتشبثون بأولوية أميركا من كل النواحي وعدم الاهتمام بالخارج. أما خصومهم فيعتبرون أن الخارج يكمل الداخل وخصوصاً حينما يتصل الأمر بإسرائيل.
وترامب، المعروف بتناقضاته وتقلبه الدائمين، هو الحبل الذي يشد أعضاء “ماغا” على اختلاف توجهاتهم، معاً. لذا من الطبيعي أن تتقاتل الجماعة مع نفسها، وتختلف مع الرئيس أحياناً ولو بشكل نظري فقط، مع أنه المثل الأعلى والزعيم الأوحد!
وهذا يتجلى في مواجهة خاضها كارلسون نفسه مع رفيقه في “ماغا” السناتور تيد كروز. بدا الأخير جاهلاً يجسد السياسي الفاشل الذي كان ترامب نفسه قد شجبه في خطاب أخير ألقاه في السعودية. فالسناتور الذي لا يعرف إيران وأهلها ويريد مع ذلك تدميرها لا يختلف عن أولئك الذين “دمروا عدداً من الأمم (…) وكان المتدخلون يتدخلون في مجتمعات معقدة لم يفهموها هم أنفسهم”، كما جاء في الخطاب.
المفارقة أن ترامب لم يفعل ما أوصى به بل ما أراده كروز وأمثاله، ضارباً عرض الحائط بتعهده صنع السلام بدلاً من الحرب كما ذكّرت تايلور غرين الجميع.
واللافت أن كلاً من الفرقاء يعتبر ترامب رمزه، ويقسم أن كل ما يقوله أو يفعله هو الصواب بعينه، حتى وإن كان عكس ما يعبرون عنه من قناعات.
لكن ألا يمكن أن يكون هذا التسليم بصحة ما يبدر عن الرئيس، كائناً ما كان، مجرد ادعاء يخفي نقيضه؟ كواليس السياسة تغص بالممثلين. وفي هذه الحالة، يمكن أن تؤدي الانقسامات التي يخطط بعض أطرافها للهيمنة، إلى ما هو أبعد من انهيار “ماغا”، إذا نشبت الحرب بين “الانعزاليين” الذين يعتقد أن جي دي فانس يتزعمهم فيما يروج أن ماركو روبيو وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي يتصدر “المحافظين الجدد”.