ملخص
يرفع الحاخام كوبر شعار السلام إلى أقصى حد، ويجزم في تصريح صحافي له “بضرورة تجاوز السلام البارد والتحرك نحو التطبيع”. ويرى أن عملية السلام “ليست اتفاقات بين الحكومات بل بين الشعوب”، واصفاً ذلك كما حدث في السلام مع مصر.
مع كل ما يدور من حديث حول تطبيع سوري إسرائيلي وضم سوريا إلى الاتفاقات الإبراهيمية بغية صناعة سلام في المنطقة يضع نهاية للحروب والصراعات الدائرة، يبرز اسم رجل دين يهودي أميركي عمل كرأس حربة في مسار التطبيع الوشيك. إنه الحاخام أبراهام كوبر، أميركي يهودي ونائب رئيس “مركز سيمون فيزنتال” المهتم بحقوق الإنسان ومحاربة الكراهية، وهو المصنف ضمن الـ50 حاخاماً الأكثر تأثيراً في أميركا.
زيارة دمشق
زار كوبر دمشق خلال يونيو (حزيران) الماضي، وكشف عن احتمال عقد لقاء بين الرئيس السوري أحمد الشرع ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب شخصياً.
والتقى كوبر الرئيس السوري في زيارته تلك، وذكر موقع هيئة البث الإسرائيلية الرسمية (كان) أن الزيارة جاءت قبيل الحرب بين تل أبيب وطهران، التي اندلعت خلال الـ13 من يونيو (حزيران) الماضي وبمشاركة القس جوني مور المقرب من الرئيس ترمب، وسبقها لقاء مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني.
في غضون ذلك يرى متابعون دوراً مباشراً وحضوراً لافتاً لكوبر لا سيما لناحية إسهامه ونجاحه في تمهيد الطريق بين الأطراف، بل كشف عن نيات تتعلق بمبادرات إسرائيلية بقطاعات مثل المياه والزراعة وتحديد مصير المفقودين، في ظل تعاون حكومة دمشق وتسليمها لأرشيف الجاسوس إيلي كوهين ورفات جندي إسرائيلي كنوع من بادرة حسن النيات.
نزع المخاوف
وكان الجيش الإسرائيلي توغل داخل أراضي الجنوب السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد خلال الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، إثر عملية ردع العدوان التي أطلقتها “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) ونجحت في تحرير مدينة حلب بعد إطلاق العملية خلال الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وتساقطت بعدها بقية المدن السورية الواحدة تلو الأخرى.
وترك تسلم متشددين مقاليد الحكم في سوريا خوفاً لدى زعماء تل أبيب وقادة آخرين في المنطقة حيال مستقبل البلاد وعلاقتهم بسوريا الجديدة، مما دفع الرئيس الشرع إلى بث رسائل طمأنة تحدثت عن علاقة حسن الجوار وحتى السلام مع إسرائيل.
يرفع الحاخام كوبر شعار السلام إلى أقصى حد ويجزم في تصريح صحافي له “بضرورة تجاوز السلام البارد والتحرك نحو التطبيع”، ويرى أن عملية السلام “ليست اتفاقات بين الحكومات بل بين الشعوب”، واصفاً ذلك كما حدث في السلام مع مصر.
ويعتقد أنه من المؤسف لعقود من الزمن “كان هناك سلام بارد ولم تُبذل أية جهود حقيقية من جانب مصر لتشجيع السياحة أو التفاعل بين مواطنيها وإسرائيل”. وتابع “ومع ذلك، فإن اتفاقات أبراهام تهدف إلى خلق علاقات طبيعية ليس فقط بين الحكومات ولكن أيضاً بين الشعوب، وفي هذه العملية يلعب الزعماء الدينيون ورجال الأعمال دوراً حاسماً”.
الحديث الدائر عن التطبيع المرتقب يأتي متزامناً مع رفع وزارة الخزانة الأميركية العقوبات عن 518 شخصية وكياناً سورياً، وذلك بموجب أمر تنفيذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنهى بموجبه العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا خلال أعوام الحرب، في حين صدرت قائمة بأسماء شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية سورية على لائحة العقوبات. وأقر مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية قوة الأمم المتحدة (الأندوف) لمراقبة فض الاشتباك بين سوريا والجانب الإسرائيلي الذي احتل الجولان عام 1967، بينما تشكلت القوة الأممية باتفاق بين الطرفين المتنازعين ورعاية روسية-أميركية والأمم المتحدة خلال عام 1974 بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، إذ استعاد الجيش السوري مدينة القنيطرة وتحولت إلى مركز محافظة.
دور وسيط
ولد كوبر داخل نيويورك ضمن عائلة يهودية تقليدية، وتدرج بالتعليم حتى حصوله على الدكتوراه في جامعة يشيفا، وأسس خلال الثمانينيات من القرن الماضي أول مركز ثقافي يهودي داخل موسكو، وله مشاركات في حملات توثيق الهولوكوست مع مساهمة في إنشاء المنتدى العالمي لمكافحة معاداة السامية. ويعول عليه اليوم في نسج سلام أكثر حرارة في المنطقة يتعدى الحكومات إلى الشعوب، في نية لوأد النزاعات الدامية. وتتوقع الأوساط المراقبة أنه نجح في دور الوسيط كشخصية دينية ومحاور ذكي، لا سيما أنه نجح سابقاً في فتح قنوات حوار مع دول عربية منها الإمارات.
وتُسجل للحاخام أبراهام كوبر مواقف تدعو إلى التسامح ونبذ خطاب الكراهية، وبرزت عبر “مركز سيمون فيزنتال” إدانته الشديدة لمعاداة المسلمين، ومحاربته وانتقاده لناشري الكراهية.
في المقابل، لا يخفي فريق من السوريين اعتقاده أن المركز الذي يطل منه كوبر يمثل أحد أذرع اللوبي الإسرائيلي غير التقليدية في أميركا، وأداة ضغط ناعمة تستخدم لتقييد الانتقادات الموجهة لحكومة تل أبيب، لا سيما حملات المناهضة لإسرائيل في الإعلام، والضغط على شركات التكنولوجيا لحظر المحتوى المناهض للصهيونية، علاوة على مشاركته في فعاليات منظمة “أيباك” (لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية).
إزاء ذلك لا يخفي كوبر المناصر للاتفاقات الإبراهيمية عن قلقه حيال وجود شخصيات خارج سوريا وداخلها تعرقل مسار التطبيع، لكنه وفق إطلالة مصورة له أكد تفاؤله بتدخل ترمب للدفع في هذا المسار وبخاصة أنه مع دعم الأقليات والأديان في سوريا، لا سيما الدروز والعلويين والمسيحيين كجزء تمهيدي لأي اتفاق تطبيع يحصل في المستقبل.
يمكن القول عن رجل الدين اليهودي الصاعد بقوة من عام 2020 وقدرته على تمهيد الطرقات أمام هذه الاتفاقات في الإمارات والبحرين والسودان، إنه يمتلك سياسة خاصة ورؤية استراتيجية يتبعها في مواجهة الكراهية تبدأ من الشجاعة الدينية، فالتطبيع لا يكتمل وفق منظوره إلا بتثقيف مشترك ينبع في المدارس والمعاهد والجامعات، من خلال زرع مفاهيم الوفاق والتسامح ونبذ الكراهية. ولا تقتصر اتفاقات السلام بالنسبة إليه على الشراكات السياسية.