لقد دلتْ تلك الحرب على قوة الشعب الإيراني لا نظامه، فهذا الشعب خذل إسرائيل والغرب، القوى التي راهنت على انقسامه والتي لم تفهم بشكل جيد جيناته الموروثة…
بينما يلفّ السواد مدن إيران تبجيلاً لأيام عاشوراء، تعالتْ أصوات المداحين بمصاب آل البيت وبالأغاني الوطنية في مجالس العزاء الحسيني، ليمتزج إظهار الحزن بإبداء الولاء بالضرب على الصدور. وبذلك نجحت الحرب مع العدو الصهيوني في التقريب بين الديني والقومي، وهي مسألة مثارة في ذهن الإيرانيين منذ ثورة 1979 واعتلاء الملالي السلطة وبروز العداء تجاه المفاهيم القومية. لكنه عداء كان مرفوضاً من جانب المفكرين والمثقفين، بل حتى رجال الدين المتنورين رفضوا وجود شعبين في دولة واحدة، بل هي أمة إيرانية واحدة!
ولذلك عندما وصل الرئيس المحافظ الشعبوي محمود أحمدي نجاد إلى السلطة (2005- 2013) سعى إلى حل هذه المسألة، فقام بالربط بين مفهوم “المهدوية” والتبشير بالحضارة الإيرانية، وكذلك روج لمفهوم “الإسلام الإيراني” الذي يمزج بين المقومات الشيعية ونظيرتها من القومية الإيرانية القديمة.
لقد دلتْ تلك الحرب على قوة الشعب الإيراني لا نظامه، فهذا الشعب خذل إسرائيل والغرب، القوى التي راهنت على انقسامه والتي لم تفهم بشكل جيد جيناته الموروثة التي تشكلت منذ سقوط الإمبراطورية الساسانية العام 651، وصولاً إلى استعادة إمبراطوريته في عهد الصفويين والقاجاريين. فشعار “هيهات منا الذلة” لا يقتصر على نصرة الحسين، بل شعار الأمة الإيرانية باقية، هكذا يفهمه الإيرانيون!
مَن الأجدر بقيادة المستقبل؟
بَرهن السلوك الأميركي الذي سمح بالهجوم الإسرائيلي ضد إيران على صدق رؤية المتشددين الذين لطالما رفضوا المفاوضات مع الغرب معتبرين إياها فخاً يتم نصبه، ولذلك سموا الإصلاحيين دعاة الحوار بتيار “الفتنة والعمالة”. ولذلك أيضاً لم يناموا الليل إلا بعدما أطاحوا وزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، من منصب نائب الرئيس للشؤون الاستراتيجية، الذي ابتكره له الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، فقد لبسوا الأكفان وحاكموه شعبياً بالإعدام بتهمة الخيانة والعمالة للغرب!
لكن بعد الحرب الأخيرة، كانت المفاجأة أنه لم يخل من الخيانة جانب هؤلاء المتشددين أيضاً، الذين يُطلق الإصلاحيون عليهم “حُكم الأقلية”!
وتكفي تصريحات علي خضريان، النائب في البرلمان، وأحد أعضاء جبهة الثبات المعادية للإصلاحيين، لتؤكد أن إيران اليوم في حاجة إلى تيار يحترم إثنياتها وأجيالها، وليست في حاجة إلى تيار سياسي يُقسم مجتمعها بين موالاة وخونة! فقد اعترف بأن الشعب هو مَن تصدى للعملاء، وأن شبكتهم الواسعة بدأ تأسيسها منذ 20 عاماً، أي منذ حكومة أحمدي نجاد الذي في عهده تأسست معادلة شديدة من العداء تجاه الإصلاحيين، بخاصة بعد الثورة الخضراء التي اندلعت عام 2009 عقب فوزه بولاية ثانية. إن تصريحات خضريان هي إدانة للتيار المحافظ الذي يسيطر على مفاصل الدولة تماماً ومع ذلك يمنع اختراقها من العملاء، والآن يتفاخر بالقضاء عليهم بقوة الشعب بدلاً من محاكمة المحافظين الذين تغلغل معهم الفساد، أو الاعتراف بدور الإصلاحيين في تعزيز الروح الوطنية بمجيء حكومة بزشكيان، بينما يستمر المتشددون في تدمير هذه الروح بالتضييق على الحريات وسن قانون للحجاب ومطاردة السياسيين وتشويههم.
ولذلك احتراماً للشعب الإيراني، وجه رجال دين وأعلن بيت الأحزاب، دعوةً للحكومة والمرشد الأعلى إلى العفو العام عن سجناء الرأي، وهناك مَن طالب بتعزيز فريق التفاوض بإشراك شخصيات ذات خبرة مثل جواد ظريف أو الرئيس الإصلاحي حسن روحاني!
لكن صحيفة “كيهان” الممثلة لصوت المحافظين واجهت هذه التحركات الداعمة للوحدة الوطنية بالسخرية، فقامت بتشبيه الوزير ظريف برئيس الوزراء البريطاني آرثر نيفيل تشامبرلين الذي لم يجن إلا الهزيمة والفشل من سياسة استرضاء هتلر، وكأن المتشددين لم يتعلموا أي درس من هذه الحرب إلا الزهو بأخطائهم!