ستظل التوقعات بالنسبة لمصير الهدنة المقترحة في غزة تتأرجح بين التفاؤل والتشاؤم، حتى لحظة انعقاد القمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض اليوم.
لا شيء محسوماً في إسرائيل نفسها، مع تصاعد الخلافات بين رئيس الأركان الجنرال إيال زامير والوزيرين المتطرفين إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. زامير يقول بوضوح إن الجيش الإسرائيلي لن يستطيع السيطرة على مليوني فلسطيني في غزة حتى لو احتل القطاع بالكامل، بينما الوزيران المؤيدان للتهجير الطوعي والقسري من طريق سياسة التجويع بقطع المساعدات الغذائية نهائياً عن السكان واستئناف الاستيطان، يرفضان أي نوع من أنواع الهدن، الموقتة أو الدائمة، ويصران على “الحل النهائي”.
أما نتنياهو فيقف في الوسط، ويفضل هدنة موقتة يكسب فيها مزيداً من الحظوة والتأييد لدى ترامب، مع الاحتفاظ بحق استئناف الحرب بعد انتهاء الشهرين المقترحين زمناً للهدنة. ويسعى في الوقت نفسه إلى تكبير حجم المكاسب الإقليمية من وقف النار الموقت.
مروحة المكاسب كما بات معروفاً واسعة. تبدأ باحتمال الحصول على مباركة ترامب لضم أجزاء من الضفة الغربية تشمل التكتلات الاستيطانية الكبرى وغور الأردن أو ما يوازي أكثر من 40 في المئة من الضفة، والتوقيع على معاهدة عدم اعتداء مع سوريا من دون انسحاب من أي من الأراضي السورية المحتلة في عام 1967 أو في عامي 2024 و2025، والحصول على ضوء أخضر أميركي لاستئناف الحرب على لبنان إذا لم يأت الرد اللبناني على الورقة التي حملها المبعوث الأميركي توم برّاك الشهر الماضي إلى بيروت مُرضياً في ما يتعلق بنزع سلاح “حزب الله” شمال الليطاني بحلول نهاية العام وكذلك فتح آفاق التطبيع مع السعودية ودول عربية ومسلمة أخرى، وإبقاء إيران تحت الرقابة الأميركية والإسرائيلية المشددة وصولاً إلى استئناف الحرب إذا شعرت واشنطن وتل أبيب بأن طهران عاودت تخصيب اليورانيوم.
يطلق نتنياهو على ما تقدم “الفرص التي لا تتاح إلا مرة كل مئة سنة”. ومع ذلك، لا يزال متردداً في بلوغ نقطة تتهدد فيها حياته السياسية، وسيبقى يحاذر دفع بن غفير وسموتريتش إلى الخروج من الائتلاف الحاكم.
وبناءً على هذه الخلفية، سارع إلى اعتبار التعديلات التي طلبتها “حماس” على بنود الهدنة “غير مقبولة”. كما عمد إلى إرسال وفد إلى الدوحة لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع “حماس”، كسباً للوقت. ويقال إن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف يستعد لزيارة المنطقة لتذليل العقبات الأخيرة التي تعترض الإعلان عن الهدنة.
تفترض هذه التطورات أن التوصل إلى اتفاق قد يستغرق بضعة أيام أخرى، أي إلى ما بعد قمة ترامب ونتنياهو، إلا إذا ارتأى الرئيس الأميركي أن مزيداً من التأجيل يهدد بفقدان قوة الدفع الديبلوماسية التي تأتت من الحرب على إيران، وعليه سيضغط على ضيفه كي يعلن الهدنة بحضوره. وبذلك، يحرز فوزاً مهماً في السياسة الخارجية الأميركية، بعد أيام فقط من توقيعه “قانون الموازنة الكبيرة والجميلة”، على وقع تحليق قاذفات “بي-2” فوق البيت الأبيض، وهي القاذفات التي ألقت القنابل الخارقة للتحصينات “بي جي يو 57” على منشأتي فوردو ونطنز النوويتين الإيرانيتين في 22 حزيران/ يونيو الماضي.
يميل ترامب إلى ترجمة نتائج الحروب في مكاسب سياسية بعيدة المدى، بينما يطمح نتنياهو إلى حصد ثمار الحروب من دون إلزام نفسه بوقفها، وأقنع شريحة واسعة من الرأي العام الإسرائيلي بأن وجود إسرائيل صار مرتبطاً باستمرار الحرب “على سبع جبهات”.
لكن في الوقت نفسه، لن يخاطر نتنياهو بخسارة الحماية التي يوفرها له ترامب، من دون خسارة بن غفير وسموتريتش أيضاً.