Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • تراثان فكريان سياسيان في سورية: أي دروس للراهن؟ وحدة المجتمع والبلد مع ضبط السلطة المركزية وتوسيع الحريات ياسين الحاج صالح…المصدر: الجمهورية .نت
  • مقالات رأي

تراثان فكريان سياسيان في سورية: أي دروس للراهن؟ وحدة المجتمع والبلد مع ضبط السلطة المركزية وتوسيع الحريات ياسين الحاج صالح…المصدر: الجمهورية .نت

khalil المحرر يوليو 8, 2025

عرفت سورية خلال تاريخها الذي بالكاد يتجاوز قرناً واحداً ببضع سنوات أربع بدايات: النشوء بعد الحرب العالمية الأولى، فالاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية، ثم الحكم الأسدي المديد بعد هزيمة 1967 المُذلّة، وأخيراً سقوط هذا النظام في الشهر الأخير من العام الماضي وحكم إسلاميي هيئة تحرير الشام بعد ثورة وحرب مديدة متعددة الأطراف. وخلال هذا التاريخ غير الطويل تمايزَ تراثان فكريان سياسيان في سورية، يستجيبان لطورين متعاقبين من أطوار تاريخ البلد الفتي. تراث أول توحيدي ومركزي، وتراث آخر، تعددي، طوّرَ منازعَ لا مركزية في السنوات الأخيرة. نقطة التحول هي بداية الحكم الأسدي الذي ينتصف تاريخ سورية.

أتناول البدايات في نقاش آخر أحاول القول فيه إنها بدايات مهدورة، وتبدو الأخيرة بينها على وشك الانضمام لسابقاتها في ذلك. أما هذه المقالة فتهتم بالتراثين الفكريين السياسيين، وما يمكن ترتيبه عليهما من دروس سياسية راهنة. ومن وراء البدايات الأربعة والتراثين الاثنين، تنظر هذه المناقشة إلى المستقبل السوري، بأمل أن يكون واحداً.

تراث مركزي توحيدي
تَشكَّلَ التراثُ المركزي بارتباطٍ مع ملابسات نشوء سورية عبر تقسيم السلطنة العثمانية المهزومة في الحرب العالمية الأولى، ثم في تفاعل مع التجربة الاستعمارية التي استلمت البلد الوليد فوراً تقريباً، واعتمدت حياله سياسات تقسيمية جغرافياً واجتماعياً، كما سهلت سلخ لواء اسكندرون لمصلحة تركيا عام 1939. سورية ورثت من شكل ظهورها، ثم من التجربة الاستعمارية الفورية وما تعرضت له من تقسيم و«قصقصة»، قلقاً كيانياً منقوشاً في جسدها. فاقمَ من القلق الكياني قلقٌ جيوسياسي بفعل قيام إسرائيل وانحصار سورية الجغرافي بين تركيا الكمالية، وبعد حين الأطلسية، وبين كيان إسرائيل التوسعي. فاقم منهما معاً قلق اجتماعي متصل بمشكلات التعدد الأهلي والتماهي غير المتكافئ بالكيان السوري في طوريه المتعاقبين، الاستعماري والاستقلالي (وهذا التماهي غير المتكافئ ثابتة مستمرة إلى اليوم، عبر الحكم الأسدي ثم في ما مضى من أشهر الزمن ما بعد الأسدي).

وبأثرِ هذه التجارب، تبدو سورية بلداً خائفاً، يخاف من موقعه ويخاف من تكوينه، وهو لم يعرف التعامل مع خوفه (إلا بالتحول إلى بلد مخيف في سنوات حكم حافظ الأسد). بمجموعها، مَواطِنُ القلق هذه نازعةٌ للاستقرار، وهو ما تَمثَّلَ في انقلابات عسكرية متوالية اشتهرت سورية بها شهرة سيئة طوال أكثر من عقدين بعد استقلالها.

وبفعل ذلك هيمن في التفكير السياسي السوري نازعُ الوحدة، أو قُل هوس الوحدة، الذي لم يلبث أن وَجدَ مُرتكَزهُ في الفكرة القومية العربية. تبدو القومية العربية تصعيداً فوق تاريخي لواقع تاريخي محدّد، هو الخوف السوري وأوجه القلق الثلاثة المشار إليها للتو. القومية العربية محاولة للتغلب على الخوف، والبحث عن أمن وقوة مفقودين. وفي مسعى للتغلب على القلق الاجتماعي جنحت القومية العربية في سورية نحو عروبة مطلقة، تنفي التعدد والاختلاف في المجتمع السوري والمجتمعات العربية أو تقلل منهما بقدر كبير، «فلا حدٌّ يباعدنا ولا دينٌ يُفرِّقنا»، وتنفي بالمقابل مستويات التداخل والشراكة مع المحيط الإقليمي والدولي. فكرة الحدود المصطنعة بين البلدان العربية تكملها فكرة الحدود الطبيعية، بحار وجبال عالية وصحارى، لـ«الوطن العربي الكبير». لم يجرِ العمل على تعريب جميع السوريين فقط، وإنما تعريب العرب أنفسهم، أي المطابقة بين العربي والقومي العربي، وفي الصيغة البعثية تحديداً. وهو ما آل لأن يكون مبعثَ انقسام بالنظر إلى فرط تسييس الرابطة العربية، فضلاً عن عدم التطابق المتنامي بين واقعة سورية تترسخ وفكرة عربية تتخلخل. بعد عقدين ونيّف من الاستقلال، سيكون حافظ الأسد هو الحل، قاعدة التماهي المشخّصة للسوريين، لكن بثمن الخوف العظيم وتحوّل سورية إلى «سورية الأسد».

مهدت لذلك عسكرةٌ متصاعدة للحياة العامة في سورية ومَركَزة شديدة للحكم، تولت فرضها أجهزة أمن شديدة القسوة. في العقود الثلاث لحكم «الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، القائد العام للجيش والوقت المسلحة، رئيس الجمهورية، الفريق القائد حافظ الأسد»، استقرت سورية سياسياً، ولم تواجه بمشكلات قضم جغرافية، بل نصب نظام الاستقرار خطوط دفاعه خارج سورية ذاتها، في لبنان، وبصورة ما في الدول المجاورة (العراق وتركيا) عبر علاقات طيبة مع منظمات ما دون الدولة فيها. وهو ما أعطى النظام استقلالاً مبالغاً فيه عن المجتمع السوري (عززته وقتها ريوع نفطية من دول الخليج العربية، واستقطابات الحرب الباردة)، فانعكس شدة حربية في التعامل مع الداخل السوري لم تكن معروفة من قبل.

بدأت تظهر مشكلات النموذج التوحيدي المركزي منذ السبعينيات، وبخاصة ما يتصل بتركيز السلطة الشديد، والحكم الإكراهي، والصفة الجهازية الفوقية للاستقرار التي لم تكن بعيدة عن استباحة المجتمع، بخاصة بعد الانفجار الاجتماعي في أواخر السبعينيات، ثم ما حرّضته مَركزة السلطة وأَمننتُها من نزعات انقسام أهلية، صارت تُسمَّى الطائفية. هنا أخذ يظهر تنظير سياسي يدافع عن التعددية والحريات العامة ويدعو إلى إلغاء حالة الاستثناء، ويتمركز حول فكرة الديمقراطية. سجلت الفكرة حضوراً مهماً في الثقافة، وارتبطت بالاعتقال السياسي، الذي كان بنداً مهماً ثابتاً في الأجندة الديمقراطية. وآل الأمر بمعظم من انضبطَ تفكيرهم وفعلهم بها إلى سنوات طويلة من الاعتقال، بعد عقد واحد بالكاد من حكم حافظ الأسد.

تراث تعددي غير مكتمل
الفكرة الديمقراطية ولدت في بيئة مثقفي ومناضلي طبقة وسطى مدينية، وفي إطار نقدي للقومية العربية (وللماركسية السوفييتية)، وسجلت عند أبكر من كتبوا وناضلوا من أجلها، ياسين الحافظ، وعياً باكراً بالمشكلات الطائفية وبمشكلة الأقليات القومية. لكن التفكير الديمقراطي السوري لم يتطور بفعل القطع العنيف لمساره منذ ذلك الوقت تقريباً. الحافظ نفسه رحلَ مبكراً في عام 1978. والأرجح بعد ذلك أن هيمنة التراث المركزي التوحيدي، المشترك بين القومية العربية وشيوعية القرن العشرين، لم تسهل أمر ظهور وتطور تراث تعددي لا مركزي. وخلافاً للتراث المركزي التوحيدي فإنه لم تتحقق للتفكير الديمقراطي هيمنة اجتماعية، ولا جرى تعليمه في المدارس وتعميمه في وسائل الإعلام. ظل طرحاً مُتنحياً لمجموعات مقموعة وغير آمنة على نفسها.

وحين استُعيدت الفكرة الديمقراطية في مطلع القرن بعد موت حافظ الأسد، انصرف تركيزها إلى الحريات العامة وحكم القانون والتعددية السياسية والمواطنة، في استجابة لتاريخ حقبة حافظ الأسد، على نحو ما استجاب التراث المركزي التوحيدي لوقوع سورية الوليدة تحت الاستعمار ولاضطراب حياتها السياسية بعد الاستقلال. على أن الطرح الديمقراطي المُستعَاد كان يضمر تصوراً أقرب إلى التجانس للمجتمع السوري، غير مطابق لواقع الحال. كان هناك انفتاح على شيء جديد، الحضور النشط لأحزاب كردية، لكن فُكِّرَ فيها كأحزاب مثل غيرها، وإن كذلك على أرضية المساواة الحقوقية والثقافية للكرد كجزء من الشعب السوري. اللامركزية في صورة أقاليم حكم ذاتي أو فدرالية أو إعادة توزيع واسعة للسلطة لمصلحة المحافظات كانت غائبة عن النقاش العام. لقد ظهر لدينا تراث تعددي على مستوى، لكنه غير تعددي على مستوى آخر: مستوى توزيع حقيقي للسلطة جهوياً وجغرافياً أو إثنياً. والواقع الذي أخذ يفرض نفسه بقوة بعد الثورة هو واقع بلد متعدد على مستويات متعددة، لا يستقيم الكلام على الديمقراطية دون أخذ ذلك بالاعتبار، بل دون البناء عليه كنقطة انطلاق. هذه مشكلة راهنة اليوم بعد سقوط الحكم الأسدي، والظهور العاري للانقسامات السورية والانفعالات الحادة المرتبطة بها.

فُرَص الدَمَقرطة اليوم تبدو مرتبطة بخلق توازنات سياسية تَحولُ دون تسلط مركزي بالنظر إلى أن التسلط، مُعزَّزاً باستعدادات إبادية، هو تجربتنا السياسية الأساسية خلال أكثر من نصف قرن (ومن نصف تاريخ البلد). وهو ما يوجب الجمع بين التعدد واللامركزية، حياة سياسية تعددية وتوزيع السلطة لا مركزياً، بصورة تُعيد النظر في بنية الكيان السوري مثلما استقر بعد الاستقلال.

والمشكلة مطروحة سلفاً، في صورة وضع خاص للسويداء والجماعة الدرزية، في صورة مناطق سيطرة خاصة لقوات قسد، وعمودها الفقري الكردي، كما في صورة أوضاع مضطربة وغير آمنة للعلويين في الساحل. الطرح الديمقراطي الأكثري لا يستجيب للمطالب الخاصة بالجماعات، ولا يشكل حاجزاً أمام نزعات السيطرة المركزية للحكم الحالي. ما قد يشكل ضمانة للحريات العامة هو تقسيم للسلطة (والموارد) على أسس تجمع بين ما هو جغرافي وما يراعي الحساسيات الخاصة للجماعات السورية غير الأكثرية، بما يوفر توازن قوى يحول دون الطغيان. هل في ذلك ما يؤدي إلى التقسيم؟ ليس هناك مخاطر حقيقية لتقسيم سورية ولا يبدو أن أحداً يريده فعلاً. البلد تَقسَّمَ فكرياً ونفسياً في ظل الطغيان الأسدي المديد، وفرص استعادة الوحدة لا يمكن أن تتم على الأسس المركزية والاستقرار الفوقي المفروض بالقوة، أو بإخضاع التعدد الاجتماعي والسياسي للوحدة السيادية. وهذا الانقسام الفكري والنفسي، والاجتماعي، المترتب على هياكل سياسية غير ملائمة، هو الخطر الحقيقي، وليس الانقسام الجغرافي المستبعد.

وبالعكس، مما يعزز الوحدة الجغرافية لسورية، أي وحدة السيادة، تعدديةُ السلطة، توزيعٌ جهويٌ لها، وليس التعدد السياسي وحده. أما إذا فرض التوحيد من فوق فسوف يؤدي إلى انفجار اجتماعي من تحت. وقد حدث.

ولا يتحتم أن تتعارض التعدديتان السياسية والجهوية، بل يمكن لكل منهما أن تكون دعامة للأخرى. فمن شأن سلطات محلية واسعة أن تدفع لاسترخاء الأكثر تَصلُّباً في الجماعات المحلية والأهلية، وتكثيف روابط الأقل تصلباً مع غيرهم، فيعزز فرص تعدد سياسي عابر للأهلي على المستوى الوطني. ومن شأن هذا الأخير بالمقابل أن يوفر مساحات فعل وتعاون تقلل من الانعزال الأهلي والجهوي في شروط اللامركزية، أو توفر خيارات أخرى للأفراد والجماعات.

ولعلَّ في ذلك ما يدعو إلى التفكير بمستويين لتوزع السلطة وللتمثيل. مستوى محلي يَحوز سلطات واسعة عدا الشؤون الدفاعية والخارجية والسياسات المالية، ووفق صيغة تَقاسُم للموارد تولي تنمية المحلات المعنية الأولوية، وسلطة مركزية في الشؤون الخارجية والدفاعية والمالية. هذه هي الخطوط العريضة للنموذج الفدرالي المعتمد في ألمانيا وأميركا. وقد يتعين اعتماد شكلين من التمثيل، تمثيل مواطني وتمثيل أهلي، ربما يأخذ صورة مجلسين: نواب وشيوخ، المعتمدة في أميركا، أو قد تكون مُفضَّلةً ثنائيةُ برلمانات محلية وبرلمان مركزي، مثلما في ألمانيا، وآليات لمعالجة التناقضات المحتملة في قراراتهما دون افتئات من المركز.

جدير بالذكر أن الحركة الوطنية اللبنانية اقترحت نظام مجلسين، نواب وشيوخ، للتغلب على طائفية النظام اللبناني في أواسط السبعينيات. لكن المسألة في سورية هي ضمان الحريات الشخصية والأهلية والعامة، وضبط السلطة المركزية، أكثر مما هي حصراً طائفية النظام مثلما في لبنان.

التفكير اللامركزي وتناقضاته
والمشكلة التي تواجه التفكير اللامركزي السوري حديثَ العهد هي أنه يتقلب ضمنياً بين تصورين لتوزيع السلطة، واحد جغرافي أو جهوي، والثاني إثني أو ديني. مشكلة لأنه ليس هناك انتحاء جغرافي لتوزع الجماعات غير العربية السنية، إلا بقدر محدود لدى الدروز في السويداء (وأكثر الدروز السوريون أنفسهم لا يعيشون في المحافظة). لا الكرد ولا العلويون ولا المسيحيون ولا الاسماعيليون يتركزون في مناطق جغرافية محددة، أي في أقاليم متواصلة جغرافياً. ما العمل في مثل هذه الحالة لتعزيز التعدُّد في ظل أوضاع يسهل تماهي العرب السنيين بها، وهم منتشرون في أرجاء البلد كلها، إلا بقدر محدود السويداء؟ وهذه المشكلة على مستوى هي حل على مستوى آخر، فغياب الانتحاء الجغرافي هو ما يعسّرُ تقسيم سورية جغرافياً إلى أكثر من بلد إن باسمِ تقرير المصير أو أي مبدأ آخر، وهذا لأن من شأن ذلك أن يثير المشكلة ذاتها التي يثيرها الكيان السوري اليوم: استقلال وحقوق و«تقرير مصير» الجماعات الأصغر التي تتشكل منها حتماً أي من السوريات الصغيرة الجديدة.

كمَخرَج، ربما نفكر في مقاربة اجتماعية قاعدية، مَجالسية بصورة ما، تُولي اهتمامها لمبادرة الجماعات المحلية وحقوقها ومَطالبها من جهة، وتستأنف من جهة أخرى دور مجالس محلية ظهرت في الثورة السورية وساعدت الأهالي في تحمُّل أوضاع بالغة القسوة طوال سنوات. يَردُّ هذا الطرح كذلك على الطرح الفوقي للّامركزية، الطرح الذي يتصور اللامركزية السورية اتحاد مركزيات أصغر، تشبه كل منها سورية الحالية، وهو ما يثير المشكلات ذاتها التي يثيرها الكيان السوري على نطاقات أصغر، مثلما نعرف سلفاً من مثال سلطة قسد في مناطق من حلب والجزيرة.

لكن لا يبدو هذا الحل المجالسي مناسباً حيال الانقسام الأهلي، وهو واقعة سياسية أساسية، لا يحد منها التناثر الجغرافي للجماعات غير العربية السنية. بل قد تبدو المَجالسية حلاً التفافياً على المشكلة في مثل شروط الراهنة، المتسمة بأزمة ثقة وطنية، تعززها النزعات المركزية للحكم الحالي، المستند إلى متن عربي سني، يُرجَّح لأكثريته أن تدعم التصورات المركزية.

هل ندفع، إذن، باتجاه أنظمة حقوق خاصة للجماعات المختلفة، بصرف النظر عن توزعها الجغرافي، أي ضرب من نظام مِلل محدث، مُوجَّه نحو ضمان أوضاع خاصة للأقليات وحمايتها من الحكم المركزي الأكثري؟ يمكن قول شيئين غير متوافقين في هذا الشأن.

الشيء الأول هو أنه لا يجب أن نتهيَّبَ من التفكير في هذا الاتجاه. تأخذ حماية الأقليات اليوم معنى عادلاً وتحررياً كانت خسرته في الحقبة الأسدية بفعل تكوين المركز السلطوي ذي العمق الأقلّي. اليوم، هناك تطابق بين الأكثرية السياسية المُحتملة والأكثرية الإثنية الدينية؛ العرب السنة. وهناك مخاوف مشروعة من التمييز والإقصاء، ومن التدخل في ما طورت الجماعاتُ لنفسها من أنماطِ حياة. الأمثلة على ذلك وفيرة ومتكاثرة سلفاً.

ويتمثل الشيء الثاني في أن مشكلة فكرة حقوق الأقليات وحمايتها اليوم ليس أنها تتجاهل حقوق وحماية الأكثرية مثلما كان الحال في الحقبة الأسدية الطويلة، المشكلة بالأحرى أن تلك الحقوق وهذه، حقوق الأقليات والأكثريات بالمعنى الأهلي للتعبيرَين، ليست أوجهاً لمؤسسات وممارسات ديمقراطية، تجمع بين حكم الأكثرية وضمانات [حقوق] الأقلية، بحسب عنوان كتاب آلان تورين المعروف عن الديمقراطية. وهذا لأن الأرضية المُواطنية لحكم الأكثرية ولحقوق الأقلية، المُفترَضة في كتاب تورين، غير قائمة، وهناك انفصال نفسي سياسي بين الجماعات لا تجري معالجته، ولا يستطيع التحول إلى انفصال جغرافي. وهي ما ينذر بأن يبقى البلد منقسماً، لا يتوحد ولا يتجزأ، مثل مريض لا يشفى ولا يموت.

والمشكلة، أكثر من ذلك، أن فكرة حقوق الأقليات وحمايتها تُبقيها في وضع أقليات سياسية وليس ديمغرافية فقط. وهذا هو بالضبط الوضع الذي ينبغي التخلُّص منه من وجهة نظر المواطنة والديمقراطية.

في المحصلة، تواجهنا اليوم مشكلتان: أولاهما الخشية الوجيهة من حكم واحدي مركزي، يُرجَّح أن يجنحَ نحو الطغيان، فيدوسَ على الحريات ويُعمِّمَ الخوف. لتجنب ذلك ينبغي العمل على منع تَركُّز السلطة، إن بتحويل سلطات جهوياً، أو بضمان حقوق خاصة للأقليات. والثانية أن حل مشكلة الطغيان المتركّز حصراً حول حماية الأقليات يبقيها أقليات ولا ينفتح على أفق ديمقراطي. إلى ذلك، لا يبدو أن في فكرة أوضاع خاصة للأقليات ما يسوء التشكيل المسيطر الحالي، الذي قد يتقبل دفع الثمن الخاص بنظام مِللي جديد، ليس غريباً على مخيلته السياسية، نظام يحرره من إدارة شؤون جماعات قلقة ومُقلِقة، ويُبقي السلطة المركزية في يده، ويطلق يده في الملّة الأكبر، التي يفكر إيديولوجيوها فيها بأنها الأمة. ليس هناك تعارض بين حكم مركزي وبين أوضاع خاصة بالأقليات، تضمن لها الحماية والاستقلال بأكثر شؤونها، وليس هذا الأخير هو نقيض الحكم التوحيدي المركزي. المتحمسون لهيكلة النظام السياسي حول حماية الأقليات محتاجون للتفكير باحتمال أنه لا مشكلة لأحمد الشرع وفريقه في ذلك، وهم ربما يلعبون لعبة ذك الفريق بأصواتهم العالية حول الأقليات وحمايتها وحقوقها، فوق أنهم يسهمون مثله في عزل الأصوات العقلانية ضمن الأكثرية (والأقليات)، الأصوات المتطلعة إلى ظهور متجدد لمعارضة ديمقراطية غير طوائفية. وما قد يفكر فيه الفريق المسيطر كمشكلة هو بالضبط ظهور حركة ديمقراطية عابرة للجماعات الأهلية، تعمل عل المستوى الوطني والمُواطني، وتتشكل من منحدرين من الأقليات والأكثرية.

وظاهر أن معالجة جدية لمشكلتي الاستبداد المركزي والانعزال الأقلوي تنفتح على الفكرة الديمقراطية، هذه التي تجمع بين ضبط السلطة وبين ظهور الشعب أو تَغلُّب الديناميكيات المُشكِّلة لشعب على ديناميكيات التجزّؤ الأهلي المُشكِّلة لأقليات وأكثريات صلبة. تنفتح كذلك على ما هو مقتضىً أساسي لأي سياسة ديمقراطية: نقاش أفضل اطّلاعاً، أكثر استقامة، وأقل حدّة مما هو مُتاح اليوم من نقاش منفعل، عنيف، تجزيئي.

استشارة التاريخ
ما الأساس الذي يمكن الاستناد إليه من أجل تصور أصوبَ للنموذج السياسي السوري، في مواجهة تعقيدات الراهن؟ تاريخ سورية. تُراثَا التفكير السياسي السوري يستجيبان لما طرحه هذا التاريخ من تحديات في طورين أساسيين من أطواره. هذا أساسٌ يتيح اتخاذ مسافة من الحاضر من أجل الرؤية، وهو بعد ذلك معيار موضوعي، مقابل الانفعالات المشبوبة التي تبدو على أهبة الاحتراق.

والرؤية التي تنبني على أساس التاريخ السوري ربما تتمثل في التركيب بين التراثين، فنحرص على وحدة المجتمع والبلد في مواجهة المخاطر الخارجية والانقسامات الداخلية، ونعمل في الوقت نفسه على ضبط السلطة المركزية وتوسيع مساحة الحرية، حرية الأفراد والمجموعات والجماعات.

أما السياسة العملية التي تُشتَقُّ من النظرة التاريخية فأقربُ إلى الجمع بين النموذج التعددي السياسي وتقسيم السلطة جغرافياً في الشؤون غير السيادية لمصلحة الأقاليم والمحافظات. الحقوق الثقافية واللغوية والدينية ينبغي أن تُكفَلَ دستورياً للجماعات السورية كافة.

مقالات مشابهة

Continue Reading

Previous: اكرم حسين “حلمٌ لم تصادره الخرائط”….المصدر:صفحة الكاتب
Next: إعادة تشكيل الشرق الأوسط… استراتيجية جريئة تفرض واقعا جديدا فرصة تاريخية لترسيخ الخريطة الجديدة كيفن دونيغان..المصدر:المجلة

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

هل نحن أمام إسلاميين حقاً؟ عن طبيعة نظام الحكم الحالي في سوريا حسام جزماتي..المصدر :الجمهورية.نت

khalil المحرر يوليو 8, 2025
  • مقالات رأي

نساء يُقتلن باسم “الوطن”: هل تحولت “العودة إلى سوريا” إلى تهديد؟…المصدر : موقع درج….عدي العبدالله -صحافي وكاتب سوري

khalil المحرر يوليو 8, 2025
  • مقالات رأي

حرائق الأحراج: كارثة تتعلّق بالبقاء…المصدر : موقع درج…ايلي كلداني – ناشط في مجال التنمية المحلية لبنان

khalil المحرر يوليو 8, 2025

Recent Posts

  • للمرّة الأولى اسرائيل تستهدف سيّارة في الشمال… و”حماس” تُكذّب روايتها! المصدر: لبنان الكبير
  • هل نحن أمام إسلاميين حقاً؟ عن طبيعة نظام الحكم الحالي في سوريا حسام جزماتي..المصدر :الجمهورية.نت
  • ما السبب في تعطيل الاتفاق بين أربيل وبغداد؟ المصدر :رووداو دیجیتال
  • نساء يُقتلن باسم “الوطن”: هل تحولت “العودة إلى سوريا” إلى تهديد؟…المصدر : موقع درج….عدي العبدالله -صحافي وكاتب سوري
  • حرائق الأحراج: كارثة تتعلّق بالبقاء…المصدر : موقع درج…ايلي كلداني – ناشط في مجال التنمية المحلية لبنان

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يوليو 2025
  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • للمرّة الأولى اسرائيل تستهدف سيّارة في الشمال… و”حماس” تُكذّب روايتها! المصدر: لبنان الكبير
  • هل نحن أمام إسلاميين حقاً؟ عن طبيعة نظام الحكم الحالي في سوريا حسام جزماتي..المصدر :الجمهورية.نت
  • ما السبب في تعطيل الاتفاق بين أربيل وبغداد؟ المصدر :رووداو دیجیتال
  • نساء يُقتلن باسم “الوطن”: هل تحولت “العودة إلى سوريا” إلى تهديد؟…المصدر : موقع درج….عدي العبدالله -صحافي وكاتب سوري
  • حرائق الأحراج: كارثة تتعلّق بالبقاء…المصدر : موقع درج…ايلي كلداني – ناشط في مجال التنمية المحلية لبنان

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • الأخبار

للمرّة الأولى اسرائيل تستهدف سيّارة في الشمال… و”حماس” تُكذّب روايتها! المصدر: لبنان الكبير

khalil المحرر يوليو 8, 2025
  • مقالات رأي

هل نحن أمام إسلاميين حقاً؟ عن طبيعة نظام الحكم الحالي في سوريا حسام جزماتي..المصدر :الجمهورية.نت

khalil المحرر يوليو 8, 2025
  • الأخبار

ما السبب في تعطيل الاتفاق بين أربيل وبغداد؟ المصدر :رووداو دیجیتال

khalil المحرر يوليو 8, 2025
  • مقالات رأي

نساء يُقتلن باسم “الوطن”: هل تحولت “العودة إلى سوريا” إلى تهديد؟…المصدر : موقع درج….عدي العبدالله -صحافي وكاتب سوري

khalil المحرر يوليو 8, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.