كانت الأعصاب متوترة ومشدودة عندما نشب القتال بين إيران وإسرائيل قبل مدة قريبة. إذ يمر 35% في المئة من تجارة النفط البحرية و20 في المئة من الغاز الطبيعي المسال عبر مضيق هرمز. ومع ذلك حرص المتحاربان على قصر هجماتهما على قطاع الطاقة على المنشآت التي تزوّد الأسواق المحلية.
إنه تكتيك مقصود لتجنّب التأثير بشدّة على الأسواق الدولية. وقد حاولت البلدان في المنطقة تصدير أكبر قدر ممكن من إمداداتها “الهيدروكربونية” خلال الأيام الأولى للحرب. منذ ذلك الحين عادت الحال إلى طبيعتها، لكن الأمر متروك لإسرائيل لتحديد ما إذا كانت الأعمال العدائية ستُستأنف. وقد هدّد النظام الإيراني بإغلاق مضيق هرمز مرارا في العقود الماضية، وفق ما يقول باحث بارز في مركز أبحاث أميركي مهم مركزه واشنطن، لكنه لم يفعل ذلك لأسباب عدة، أولها اعتماد إيران بشدّة على المضيق لصادراتها الخاصة من الطاقة، وثانيها دعم البلدان الأخرى في المنطقة إيران رسمياً خلال أزمات مختلفة وإغلاق المضيق، بما يمكن أن يدفعها إلى معسكر إسرائيل. ثالثها تقاسم إيران وعُمان رسمياً السيطرة على المضيق. وعُمان دولة محايدة استضافت مرّات عدّة المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، وكانت آخرها قبل أسابيع قليلة. وإذا أغلقت طهران مضيق هرمز من جانب واحد فإنها ستنتهك المياه الإقليمية العُمانية. رابعها أن إغلاق المضيق سيثير استياء الصين، المشتري الوحيد للنفط الإيراني.
ماذا كان موقف أميركا ترامب أخيراً من هذه الموضوعات؟ صرّح ترامب مرّات بأن شراء بكين النفط من إيران مقبول. هذا الضوء الأخضر الظاهر يمكن أن يعزّز حجم النفط المصدّر إلى الصين يومياً بنحو 400 ألف برميل. يمثّل ذلك زيادة مقدارها عشرة مليارات دولارات في الواردات السنوية لإيران. ويذهب حالياً إلى الصين نفط إيران كله و80 في المئة من شحنات غازها البترولي المُسال وزيت الوقود. ومع ذلك فإن عودة سياسة الضغط الأقصى لإدارة ترامب حفّزت انخفاضاً للواردات خلال الأشهر القليلة الماضية. رغم أن لوقف النار الإيراني تأثيرا هبوطيا على أسعار النفط، فإن الإرتفاع القصير المدى خلال النزاع كان كافياً للمنتجين الأميركيين ولا سيما شركات النفط الصخري لتأمين مستوى سعر أدنى لعملياتهم. يعني ذلك أنه لو انخفضت الأسعار بحدة في النصف الثاني من العام الجاري فإن الإنتاج الأميركي قد تم تأمينه بالفعل.
ماذا عن التشويش الأخير على تحديد المواقع العالمية والتلاعب بإشارات الهوية التلقائية المبلّغ عنها بين السفن في مضيق هرمز؟ لا يزال الجاني في هذا الموضوع غير مؤكد في رأي الباحث الأميركي نفسه. قد تكون إيران فعلت ذلك لجعل المرور عبر المضيق أقل أماناً ولزيادة تكاليف الشحن. وسيكون للأمرين تأثير صعودي على أسعار النفط. وبدلاً من ذلك قد يكون مشغّلو السفن أنفسهم اتخذوا مثل هذا الإجراء لإخفاء مواقعها الحقيقية خوفاً من تعرّضها لهجوم أو أكثر من هجوم. أما في المستقبل فيرجّح أن يصمد وقف النار بعدما أعلنت جميع الأطراف نفسها منتصرةً ولس لدى أي منها مصلحة في مواصلة الحرب الآن.
مع ذلك، وخلف الستار، فإن المعركة لم تنتهِ بعد. قد يكون وقف النار أيضاً أساساً لصفقة أميركية – إيرانية أوسع وحتى لإعادة العلاقات الرسمية بين الدولتين. وقد صرّح الرئيس ترامب بأن لا حاجة إلى صفقة نووية بعد تدمير منشآت إيران كلها، أو حتى إلى إعادة العلاقات الرسمية بين الاثنتين، علماً أن عودتها ستكون أفضل لترشّحه لـ”جائزة نوبل للسلام”.
مضيق هرمز (وكالات)
مضيق هرمز (وكالات)
ماذا فعلت دول الخليج لضمان عدم استهداف مواقع الطاقة خلال الأزمات، ولا سيما الحرب الأخيرة؟ أدارت هذه الدول علاقاتها مع إيران على نحو يضمن عدم استهداف مواقع الطاقة خلال الأزمات، ولا سيما في الحرب الأخيرة. الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران امتنعوا عن تنفيذ أي هجوم مباشر على البنية التحتية للطاقة الخليجية أو على إمدادات النفط الخام منذ آذار/مارس 2023، أي عندما طبّعت الرياض العلاقات مع إيران. ولا تريد طهران أو الحوثيون تعريض هذه العلاقة للخطر. إلى ذلك، يرى قادة إيران السعودية والإمارات دولتين لهما نفوذ كبير يؤثّر على وقف النار لمصلحة طهران. هذا ما جعل الهجوم الإيراني الانتقامي على القاعدة العسكرية الأميركية في “عيديد” قطر مرتباً بعناية، إذ رافقته رسائل تهدئة لدوحة قطر وعواصم خليجية أخرى. أما في ما يتعلق بالصورة الأوسع للخليج فإن قطاعات مختلفة فيه قد تتأثر إذا تسبّبت التوترات الإقليمية بخفض سعر النفط إلى ما دون الـ60 دولاراً للبرميل. ذلك أنه إذا طال فلا بد أن يجبر الحكومات الخليجية على إعادة تقييم مشاريعها المحلية الضخمة التي تعتمد بالتمويل على تدفق متواصل للنفط.
من هذه المشاريع تلك التي اتفق عليها ترامب في زيارته الأولى للخليج العربي في ولايته الثانية. إنطلاقاً من ذلك لا بد من مراقبة استجابة إيران على المدى الطويل في حال استمرار إطلاق النار بواسطة الميليشيات الإقليمية، وهي جيش إيران بالوكالة. علماً أن صمود وقف النار لو حصل لن يوقف استمرار أعمال عدائية منخفضة المستوى في البحر الأحمر ومضيق هرمز، ولذلك تأثير سلبي على الطاقة.
