ملخص
يحاول وزير الخارجية الإيراني التذكير بأجندة الرئيس الأميركي دونالد ترمب والتي جوهوها “أميركا أولاً”، ومع ذلك دخلت واشنطن حرباً من أجل إسرائيل، ومن ثم فإن هناك مزيداً من الكُلف التي لا تزال الولايات المتحدة تتحملها نظير دخولها في سياسات الشرق الأوسط.
عادت إيران مرة أخرى للتلويح بكونها غير واثقة بمسار المفاوضات مع واشنطن وأنها تحتاج إلى تطمينات، وهو ما عبرت عنه تصريحات كثير من المسؤولين الإيرانيين وفي مقدمهم وزير الخارجية عباس عراقجي عبر مقالة “حرب إسرائيل خربت الدبلوماسية وبإمكان الولايات المتحدة إحياءها”، المنشورة في صحيفة “فايننشال تايمز” أول من أمس الثلاثاء.
ويستهدف الجدل حالياً الحديث حول جودى المفاوضات التي سيعود لها الطرفان، وأن على واشنطن تقديم الضمانات قبيل بدء جولة جديدة من المحادثات، ولا سيما أن سيرها جرى تخريبه بفعل الضربات الإسرائيلية التي دفعت واشنطن للالتحاق بها في ما بعد.
ويحاول عراقجي التذكير بأجندة الرئيس الأميركي دونالد ترمب والتي جوهوها “أميركا أولاً”، ومع ذلك دخلت واشنطن حرباً من أجل إسرائيل، ومن ثم فإن هناك مزيداً من الكُلف التي لا تزال الولايات المتحدة تتحملها نظير دخولها في سياسات الشرق الأوسط.
ومرة ثانية تحاول إيران إثبات أنها تريد المفاوضات لكنها تطلب الضمانات أولاً حتى تثق بإدارة ترمب، والأمر ذاته قامت به طهران من قبل حينما ظلت تماطل خلال المفاوضات السابقة مع إدارة جو بايدن، وبعد عام ونصف العام من “محادثات فيينا” مع الأوروبيين، أوقفت إيران المحادثات لرغبتها في ضمانات بتعويضها اقتصادياً عن الانسحاب الأميركي عام 2018، وضمانات بأن أي إدارة أميركية لن تنسحب من المفاوضات مستقبلاً، وهو ما كان صعباً أن تقدمه لها أية إدارة في البيت الأبيض.
وعلى رغم الخبرة الإيرانية في المماطلة خلال المفاوضات، على نحو جعلها تفعل الأمر عينه مع إدارة ترمب أثناء الجولات الخمس الماضية، فإنها فوجئت بالضربة الإسرائيلية وسط المحادثات، وبالطبع لم تُفاجأ إيران بنيات إسرائيل مهاجمتها، فقد سبق وأعلنت إسرائيل خططها مرات عدة، ولكن كان ثقة إيران بأن ترمب المتعجل للوصول إلى اتفاق سيعطل تلك الخطط.
ومع مقالة عراقجي المشار إليها والجدل السياسى داخل إيران حول عدم الثقة بإدارة ترمب والتشكيك في أية مفاوضات، والرغبة في الحصول على ضمانات مقدماً من واشنطن، يعي صناع القرار الإيرانيون في الوقت نفسه أنه ليس أمامهم سوى المفاوضات، وإلا فإن البديل الآخر هو عودة الهجمات الإسرائيلية ومعها أخرى أميركية.
إذاً ليس أمام إيران سوى التفاوض والتعاون مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، ومع ذلك فمن المهم للإيرانيين أن يدركوا أن حتى التوصل إلى اتفاق مع ترمب لن يمنع عودة الهجمات الإسرائيلية مرة أخرى، ولكن ليس من سبيل أمامها سوى التهدئة مع الرئيس الأميركي، فإيران التي دعمت الميليشيات في المنطقة وقررت توظيفها من خلال ما يسمى “وحدة الساحات”، هي من أطلقت مشروع إسرائيل للشرق الأوسط الجديد، وكانت عملية “طوفان الأقصى” هي المبرر والذريعة التي استغلتها حكومة بنيامين نتنياهو من أجل رسم شرق أوسط جديد، بدأ بالتخلص من أذرع طهران وصولاً إلى إيران ذاتها، والآن يؤكد الرئيس الإيراني ووزير الخارجية والمسؤولون في الداخل الإيراني أن العودة للمفاوضات تشترط وجود الثقة خلال المحادثات، وربما الضمان الأهم بالنسبة إلى طهران هو عدم مهاجمة إسرائيل لها، إذ إن إيران أصبحت مهددة بالتعرض لتهديدات مستمرة قصيرة وطويلة الأجل، كما أصبح هناك شك في أن الإدارة الأميركية وإسرائيل يعملان على تغيير النظام.
ومن المؤكد أن القضايا التي ستجري مناقشتها خلال المفاوضات المقبلة ستختلف عن الجولات الخمس الماضية، وما تريده إيران من ضمانات سيكون مختلفاً ويركز بصورة أساس على عدم مهاجمة إسرائيل لها مرة أخرى، وكذلك عدم زعزعة استقرار النظام الحالي، ولقد عرضت إيران خلال الجولات الخمس الماضية على واشنطن إنهاء العقوبات ودخول الولايات المتحدة في تعاون اقتصادي أوسع نطاقاً بقيمة تريليون دولار، كما أظهرت طهران أنها منفتحة على تعاون ذي منفعة متبادلة من شأنه أن ينعش الاقتصاد ويعالج أولوية الرئيس ترمب إحياء الصناعات الأميركية المنهارة، مثل قطاع الطاقة النووية، كما حاولت إيران التفاوض مع ترمب بمنطقه الاقتصادي ولكن إسرائيل أوقفت هذا المسار، لذا فإن المفاوضات المقبلة ستوضح كيف سيستفيد الطرفان وماذا سيقدم كل منهما للآخر.