هنالك أجندتان بشأن الشرق الأوسط الجديد، سعودية وإسرائيلية، وبينهما أميركا التي تعمل على التوفيق بينهما. منذ بدايات العمل الأميركي والدولي لولادة الشرق الأوسط الجديد باعتماد مسار إبراهيم التطبيعيّ كأحد أهمّ مرتكزاته، ظهرت القضيّة الفلسطينية كالعائق الرئيس الباقي أمام إتمام مسيرته، مع وضع السعوديّة شروطها الحاسمة: “لا تطبيع من دون تحقيق مسارٍ سياسيّ يفضي إلى حلّ الدولتين”.
المعنيّ هنا بداهةً هي الدولة التي لم تقُم بعد.
تعزّزت الأجندة السعودية بشأن الشرق الأوسط الجديد بما هو قريبٌ من الإجماع الدولي على أساسيّة حلّ القضيّة الفلسطينية، لإخماد المفاعل الأكثر نشاطاً في إنتاج الحروب.
نجحت الدبلوماسية السعودية أيضاً في إقامة شبكة علاقات متوازنة مع الدول الفاعلة في العالم، فباتت مؤهّلة لأن تكون وسيطاً من موقع الشريك، في تسوية القضايا الشائكة، ليس فقط داخل بيئتها الشرق الأوسطيّة وإنّما في المسألة الأوكرانية وغيرها.
بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية بسلاحٍ وعتادٍ لا تملك مثلهما إسرائيل، تراجعت مكانتها كثيراً إلى الوراء، وتولّت إدارة ترامب الملفّ الإيراني بصورةٍ كاملة
فتور بشأن التّطبيع
لوحظ فتور في الاندفاعة الإسرائيلية القديمة بشأن التطبيع الأهمّ مع المملكة، ومردّه ما تعتبره إسرائيل ثمناً باهظاً يتعيّن عليها دفعه لقاء التطبيع السعودي، وهي غير جاهزةٍ لدفع هذا الثمن حتّى لو فكرت فيه. وذلك بفعل الصراع الداخلي فيها على هذه النقطة بالذات، خصوصاً أنّ الائتلاف الحاكم صاحب القرار بهذا الشأن لا بدّ أن ينهار، إذا ما تقدّمت الحكومة الحالية ولو بخطواتٍ متواضعة نحو تسويةٍ مع الفلسطينيّين فيها إشارةٌ إلى مفردة دولة.
الشرق الأوسط
إنّ قراءة الائتلاف الحاكم لمغزى وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض بلغت من الشطط والمبالغة في التقدير كما لو أنّ الرجل جاء إلى سدّة الرئاسة لتطبيق صفقة القرن، التي تجاوزتها الأحداث ولم تعد صالحة للتداول. إذ سقطت مع سقوط صاحبها في الانتخابات الثانية.
اختلاف بين الأجندتين الأميركيّة والإسرائيليّة
ليس ترامب في زمن صفقة القرن هو ترامب في زمن حروب الشرق الأوسط الراهنة وحرب أوكرانيا. في ولايته الأولى كان العالم هادئاً بالقياس لما هو عليه الآن، وفي الولاية الثانية ألزم نفسه بإنهاء الحروب جميعاً، حتّى إنّه عمل بكلّ استطاعته على تجنّب الدخول المباشر فيها. وحتّى حين قام بضرب المنشآت النووية الإيرانية بعد اثني عشر يوماً من حربٍ ادّعت إسرائيل بأنّها قامت بها على عاتقها، ظهر اختلافٌ جوهريّ بين الأجندة الإسرائيلية والأجندة الأميركية، من حيث الأهداف وأولويّاتها.
بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية بسلاحٍ وعتادٍ لا تملك مثلهما إسرائيل، تراجعت مكانتها كثيراً إلى الوراء، وتولّت إدارة ترامب الملفّ الإيراني بصورةٍ كاملة. ولا يُنكر مغزى أمرِه لنتنياهو بإرجاع الطائرات من منتصف الطريق إلى طهران، ليحوّل العلاقة مع الدولة الإسلامية من الضغط المباشر إلى الإغراء.
هنالك أجندتان بشأن الشرق الأوسط الجديد، سعودية وإسرائيلية، وبينهما أميركا التي تعمل على التوفيق بينهما
الشرق الأوسط المفترض أن يكون جديداً تكتنفه الأسئلة الكثيرة التي أنتجتها الحروب من غزّة إلى إيران وما بينهما. فحرب الجبهات السبع التي توغّلت إسرائيل فيها تحت عنوان تشكيل الشرق الأوسط الجديد، لم تُحسم واحدةٌ منها، ومسار أبراهام الذي يعتبره ترامب أيقونته المتميّزة، وأهمّ مؤهّلاته للحصول على جائزة نوبل للسلام، ما يزال متعثّراً أمام الحاجز السعودي.
إقرأ أيضاً: حدود التّوقّعات من لقاء ترامب ونتنياهو
إذا ما نحّينا جانباً الادّعاءات الإسرائيلية المبالَغ فيها عن ريادتها في تشكيل الشرق الأوسط الجديد، فإنّ كلمة السرّ في إنجازه تظلّ بيد البيت الأبيض ورئيسه ترامب. أمّا نجاحه في أصعب مهمّة في التاريخ، وهي تغيير أخطر منطقةٍ في الكون، فهذا أمرٌ مشكوكٌ فيه، لأنّ إدارة ترامب لم تصل بعد إلى إنتاج توازنٍ جديدٍ في المنطقة يفضي إلى الجَسر بين الأجندتين، الإسرائيلية والسعوديّة، وليس غير مشروع سلامٍ متوازنٍ تطرحه أميركا أو توافق عليه تكون فيه الدولة الفلسطينية أحد أساساته ومقوّمات نجاحه. فهل يفعلها الرئيس ترامب، أم يظلّ يرى الحلّ الفلسطيني من المنظار الإسرائيلي وحده؟ سنرى.