بدا الحَراك السعودي خصوصاً، والخليجي عموماً، حيال سوريا، بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، لافتاً؛ إذ كان الهدف محاولة جذب الرئيس الجديد، أحمد الشرع، بعيداً قليلاً من تركيا، خشية توسّع نفوذ هذه الأخيرة في المنطقة. ومردّ تلك الخشية، إلى أن بؤر الخلاف المتفجّرة، بين المحورَين، لا تزال قائمة، وفي مقدّمها الموقف من حركة «حماس»، والأزمة في ليبيا.
ومع أن الكلمة الأكثر تأثيراً في سوريا، هي لتركيا، لكنّ المال، فضلاً عن الضغوط والموقف الأميركي والدعم الإسرائيلي، كل ذلك نجح في إقامة بعض «التوازن» بين توجّهات الشرع التركية، وقبوله بحصّة نفوذ للرياض وأبو ظبي، وهو توجّه تجلّى خصوصاً في زيارات قام بها الرئيس السوري إلى كل من السعودية والإمارات، التي تتوسّط بشكل خاص في الحوار الجاري بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل.
وتُوّجت هذه التوجّهات، قبل أيام قليلة، بإصدار السلطات السورية قراراً يوجب على الأشخاص الذين يدخلون البلد، الحصول على «فيزا» مدفوعة. وقسّمت الحكومة فئات الداخلين إلى سبع: الأولى هي الدول التي يُعفى مواطنوها من ضرورة الحصول على التأشيرة، وتضمّ كلّاً من لبنان والأردن وماليزيا وموريتانيا؛ والثانية تضمّ دولة واحدة هي صربيا تحتاج إلى تأشيرة، لكن مجانية. أمّا الفئات الأخرى فيحتاج مواطنوها إلى استصدار تأشيرة مقابل بدل، ترتفع قيمته كلّما صعد موقع الدول في ترتيب الفئات.
غير أن ما لفت، هو أن الفئة الثالثة تضمّ عدداً كبيراً من الدول، من بينها تركيا، التي فُرض على مواطنيها دفع مبلغ قدره 50 دولاراً للدخول مرّة واحدة ولمدّة شهر واحد، و75 دولاراً للدخول مرتين تكون صالحة لمدّة ثلاثة أشهر، و100 دولار للدخول المتعدّد، صالحة لستة أشهر، فيما فُرض على كل مواطن تركي يريد مجرّد العبور (ترانزيت) من تركيا عبر سوريا إلى دول أخرى، دفْع مبلغ 25 دولاراً.
وإذا كان فرض الحصول على تأشيرة مدفوعة إجراءً عاديّاً، كونه شائعاً في معظم دول العالم، لكنّ إدراج تركيا في سلّم التأشيرات يُعتبر أمراً مستهجناً، خصوصاً أنه كان يمكن سوريا أن تعفي المواطنين الأتراك من مسألة التأشيرات تلك لألف سبب. وعليه، لم تمرّ مسألة الرسوم مرور الكرام؛ إذ وبينما كانت السلطات التركية وإعلامها يواصلان التزام الصمت، خرج النائب المستقلّ، أوميت ديكباير، ليقول إن «الأتراك حاربوا في سوريا وتحمّلوا عبء الحرب هناك.
وبعد كل هذا، يأتي السوريون ويطالبون بدفع بدل الفيزا. أهكذا يكون «فتح سوريا» كما وعد الرئيس. ليس للتركي صديق سوى التركي». وحمل النائب عن «الحزب الجيد»، سلجوق تورك أوغلو، بدوره، الموضوع إلى البرلمان، حيث قال: «نقول إنّنا حاكمون لسوريا وصلّينا في الجامع الأموي وإنّنا ربحنا الحرب. لكن ما الذي يحصل الآن، وما معنى فرض رسوم على مواطنينا؟ لماذا يقبّلنا الجولاني ويفرض الفيزا؟». وتساءل: «الكلّ موجودون على طاولة المفاوضات حول سوريا إلا نحن، لماذا لسنا موجودين؟».
كذلك، اشتعل النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثيرون أن الأمر مجرّد نكتة، باعتبار أن أحداً من «الأتراك العاقلين» لن يذهب إلى سوريا في هذه الظروف. وتهكّم البعض بالقول إنه «بدلاً من أن تُعطى سوريا رقماً جديداً كمحافظة جديدة تابعة لتركيا، إذا بظهور مستهجن لفرض الفيزا والرسوم». وسأل أحدهم: «كيف يمكن سوريا أن تفرض رسوماً على المواطنين الأتراك، في وقت كانت فيه حرية الدخول مفتوحة للسوريين على مدى سنوات، واللاجئون يعيشون في تركيا بحرّية منذ سنوات وبفضل الضرائب التي يدفعها المواطن التركي».
وفي «جمهورييات»، كتب أورخان بورصه لي أن «سوريا تذهب من يد تركيا تدريجيّاً. ولم يَعُد خافياً أن أنقرة ليست راضية تماماً عن الوضع في دمشق. فالقوّتان المهيمنتان الآن على سوريا وتديران شؤونها، هما الولايات المتحدة وإسرائيل. وغداً ستوقّع سوريا على الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية. وسيعاد تأسيس تركيا وفقاً لِما يريده حزب العمال الكردستاني. كل ذلك من أجل الحفاظ على النظام القمعي في تركيا».