ملخص
الرئيس الجمهوري الذي تمكّن من إيقاف الحرب بين إيران وإسرائيل في 12 يوماً يبدو عاجزاً عن وضع حد للحرب التي يخوضها منذ 20 عاماً مع روزي أودونيل، مما يثير دوماً أسئلة عن سر هذه العداوة التي بلغت حد التنمر المتبادل.
عُرف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بكثرة معاركه الشخصية والسياسية، لكنه في مواقف ومناسبات عدة أظهر قدرة على تجاوز الخلافات. فعام 2024 تخطى ترمب خصومته مع جي دي فانس واختاره ليكون نائبه، على رغم أن السيناتور الشاب لم يكُن يترك فرصة لمهاجمة دونالد ترمب إلا ويقتنصها، وقد وصفه بأنه “هتلر أميركا”. وليس هذا أول موقف يغفر فيه ترمب لخصومه، أو يتبادل معهم الأحاديث الودية، فخلال جنازة جيمي كارتر، ظهر ترمب مبتسماً في حديث مع باراك أوباما عن الغولف، كما لو كانا صديقين قديمين، على رغم أنه شكك سابقاً في أصول أوباما.
وردّ ترمب عندما سئل عن الفيديو المنتشر “قلت لنفسي، يا لهما من شخصين يبدوان وكأنهما يحبان بعضهما، وربما نحن كذلك”. وكشف كتاب جديد بعنوان “2024” عن أن ترمب قال لخصمه اللدود جو بايدن إنهما “كانا ليصبحا صديقين مقربين وربما ذهبا إلى لعب الغولف معاً في حياة أخرى”.
وتظهر هذه المواقف أن ترمب لا يجد صعوبة في إظهار الود لخصومه، أو تجاوز الخلافات القصيرة مع أعداء الأمس والوثوق بهم، لكن امرأة واحدة لم يستطِع ترمب تقبلها، الممثلة ومقدمة البرامج الحوارية روزي أودونيل التي دفعتها خصومتها معه إلى مغادرة الولايات المتحدة مع ابنها والانتقال إلى إيرلندا.
الرئيس الجمهوري الذي تمكّن من إيقاف الحرب بين إيران وإسرائيل في 12 يوماً يبدو عاجزاً عن وضع حد للحرب التي يخوضها منذ 20 عاماً مع روزي أودونيل، مما يثير دوماً أسئلة عن سر هذه العداوة التي بلغت حد التنمر المتبادل على وسائل الإعلام والشاشات وخلال المناظرات الرئاسية، ولم تتوقف حتى بعد فوزه بالرئاسة، إذ لم يكف ترمب عن التعبير عن كراهيته لأودونيل، ولو استدعى ذلك استحضار سيرتها باحتقار خلال اجتماع مع زعيم دولة في المكتب البيضاوي.
وأخيراً، هدد ترمب بتجريد أودونيل المولودة في نيويورك من جنسيتها الأميركية بسبب انتقادها لسياساته التقشفية التي اعتبرتها السبب في مقتل نحو 130 شخصاً في فيضانات تكساس، وهي خطوة يقول قانونيون إنها غير ممكنة، نظراً إلى أن الدستور لا يسمح للرئيس الأميركي بسحب الجنسية من شخص اكتسبها بحق الولادة.
البداية من مسابقات الجمال
حافظ ترمب على علاقات جيدة مع الوسطين الفني والإعلامي قبل خوضه غمار الرئاسة والتي تجلت أثناء عمله مع شبكة “أن بي سي” وصداقته مع أوبرا وينفري، لكن أودونيل بخلاف كثرٍ، كانت تمقت ترمب حتى قبل غزوته السياسية، وخرج خلافهما إلى العلن للمرة الأولى عام 2006 عندما انتقدت الممثلة الأميركية رفض الملياردير المالك لحقوق مسابقات الجمال مطالب سحب لقب ملكة جمال أميركا من تارا كونر، بعد توجيه اتهامات لها بتعاطي الكحول دون السن القانونية وتعاطي المخدرات، لكن بدلاً من تجريدها من اللقب، دعا ترمب إلى مؤتمر صحافي أعلن خلاله منحها فرصة ثانية وإدخالها مركزاً لإعادة التأهيل.
ترمب يدعو أنصاره إلى التوقف عن نبش ملفات إبستين
وضمن برنامجها “ذا فيو” The View، صرحت أودونيل بأن ترمب يثير حفيظتها على مستويات عدة، وقالت “ترك زوجته الأولى بعد علاقة غرامية، ثم ترك الزوجة الثانية بعد علاقة أخرى، ولديه أطفال من الزيجتين، ومع ذلك يقدم نفسه على أنه بوصلة أخلاقية للفتيات في الـ20 من عمرهن في أميركا. دونالد، أجلس ولفّ، يا صديقي. لا أستمتع بوجوده”، في حين رد ترمب بوصفها “امرأة خارجة عن السيطرة”، ومنذ ذلك الحين يتبادل الاثنان الهجمات الكلامية في العلن.
تصاعد العداء
زادت حدة الخلاف بين ترمب وأودونيل بعد ترشح ترمب للانتخابات الرئاسية عام 2016 وفوزه بها، ولا يزال الأميركيون يتذكرون مناظرة الحزب الجمهوري عام 2015 عندما سألت المذيعة المحافظة ميغن كيلي ترمب عن الاتهامات له بالإساءة للنساء ووصفهن بكلمات مثل “خنازير سمينات وكلاب ومقرفات وحيوانات مثيرة للاشمئزاز”.
وبدلاً من النفي التقليدي، أجاب ترمب بردّ ساخر وغير متوقع وقال “فقط روزي أودونيل”.
وبعد فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية عام 2024، قررت أودونيل الانتقال إلى العيش في إيرلندا مع ابنها البالغ 12 سنة في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، وقالت عبر منشور على “تيك توك” في مارس (آذار) الماضي، “عندما يتمتع جميع المواطنين بحقوق متساوية في أميركا، حينها سنفكر في العودة”، مؤكدة أنها بدأت إجراءات الحصول على الجنسية الإيرلندية.
ولم تتوقف الممثلة الأميركية عن انتقاد سياسات ترمب، بل واصلت هجماتها على كل ما هو “ترمبي”، وأخيراً ألقت اللوم على سياسات الرئيس الجمهوري خلال الفيضانات المميتة في تكساس، وقالت “عندما يقوم الرئيس بتدمير جميع أنظمة الإنذار المبكر وقدرات التنبؤ بالطقس التابعة للحكومة، فهذه هي النتائج التي سنبدأ برؤيتها بصورة يومية”.
وأثارت هذه التصريحات حفيظة ترمب الذي هدد أمس السبت بسحب الجنسية الأميركية منها، وكتب ترمب في منصته الاجتماعية، “تصرف أودونيل ليس في مصلحة بلدنا العظيم، فإنني أفكر جدياً في سحب جنسيتها”. وأضاف أن “أودونيل تشكل تهديداً للإنسانية، ويجب أن تبقى في بلدها الرائع إيرلندا، إذا كانوا يريدونها، بارك الله في أميركا”.
وتعتقد أودونيل بأن ترمب يكره أنها “تراه على حقيقته”، مشيرة إلى أن سبب انتقالها إلى إيرلندا لأنه يخطط لترحيل كل من يقف ضد “ميوله الشريرة” و”يسعى إلى تدمير بلدنا لخدمة نفسه”. وردت على تصريحاته بنشر صورة له مع الملياردير الراحل جيفري إبستين الذي اتهم بإدارة شبكة للدعارة بالقاصرات، وعلّقت “أنت كل ما هو خطأ في أميركا، وأنا كل ما تكرهه في ما بقي من صواب فيها.” وأضافت، “لست ملكك كي تسكتني، ولم أكُن يوماً كذلك”.
حرب الجنسية
ينظر إلى تصريح ترمب على أنه تصعيد جديد ضمن معركته لتقليص مسارات الحصول على الجنسية الأميركية التي تجلت في مسعاه لإنهاء حق المواطنة بالولادة، إذ أصدر أمراً تنفيذياً في يناير الماضي ينص على أن الأطفال المولودين في الولايات المتحدة لا يحق لهم الحصول على الجنسية ما لم يكُن أحد والديهم مواطناً أميركياً أو مقيماً دائماً، وعلى رغم أن محاكم فيدرالية عدة أمرت بوقف الأمر التنفيذي، فإن المحكمة العليا قيدت في يونيو (حزيران) الماضي سلطات القضاة الفيدراليين في منع الأوامر الرئاسية.
وفي يوليو (تموز) الجاري، بدأت وزارة العدل بإجراءات سحب الجنسية من المواطنين الأميركيين المتجنسين، في حال توجيه تهم جنائية ضدهم، ضمن مرحلة جديدة من حملة ترمب ضد الهجرة تشمل استهداف وترحيل واحتجاز المواطنين والمقيمين الدائمين الشرعيين.
وتعزز هذه القرارات المخاوف من استغلال ترمب سلطاته لاستهداف الخصوم، وأثارت إدارة ترمب أخيراً إمكان تجريد المرشح الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك زهران ممداني من جنسيته الأميركية. كما قال ترمب إن حليفه السابق إيلون ماسك قد يضطر إلى “إغلاق أعماله والعودة لجنوب أفريقيا” وسط خلاف حول مشروع قانون الإنفاق.
وتقول أستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة فرجينيا أماندا فروست إن المحكمة العليا أصدرت حكماً عام 1967 ينص على أن التعديل الـ14 من الدستور يمنع الحكومة من سحب الجنسية، لافتة إلى أن “الرئيس لا يملك أية سلطة قانونية لسحب جنسية مواطن وُلد على الأراضي الأميركية”.
لماذا يستهدفها ترمب؟
ولمحت روزي أودونيل إلى أن الرئيس الجمهوري قد يستهدفها لصرف الانتباه عن قضايا أخرى، ورجحت بعد أسابيع من تنصيبه العام الحالي أنه “يستخدمها كهدف للسخرية كلما شعر بالحاجة إلى ذلك”، وأكدت أنها لا تزال مصدومة من استمرار ترمب في إثارة خلافهما ولا تفهم هذا الهوس المستمر به.
وخلال اجتماع ترمب مع رئيس الوزراء الإيرلندي ميشال مارتن في البيت الأبيض، سأل صحافي مارتن عن سبب سماحه لأودونيل بالانتقال إلى إيرلندا، فردّ ترمب قائلاً “أحب هذا السؤال”، ثم توجه إلى رئيس الوزراء بسؤال إذا ما كان يعرفها، لكن الأخير تجاهل الإجابة، ليضيف ترمب ساخراً “من الأفضل له ألا يعرف”.
وعندما أعلنت أودونيل خطوبتها من مغنية الجاز ميشيل راوندز في ديسمبر (كانون الأول) عام 2011، كتب ترمب على “إكس” أنه يشعر “بالأسى” لوالدي راوندز، واصفاً أودونيل مجدداً بـ”الخاسرة”.
وأثناء مقابلة مع مجلة “بيبل” PEOPLE أوضحت أودونيل خلافها مع ترمب بالقول إن التنمر الذي تعرضت له، ولا سيما من قبله، ترك أثراً عاطفياً عميقاً عليها. وأضافت “ربما كان ما فعله ترمب هو أقسى أنواع التنمر التي واجهتها في حياتي، حتى مقارنة بطفولتي”، وتابعت “كان التنمر علنياً وعلى مستوى وطني، ومقبولاً اجتماعياً، أما ما إذا كنت أستحق ذلك، فهذا متروك لتفسير كل شخص