بغداد- أعلنت الحكومة العراقية الخميس عن استئناف صادرات النفط الخام من إقليم كردستان العراق بعد توقف لأكثر من عامين، ضمن صيغة تستند إلى اتفاق سابق يقوم على حصول بغداد على النفط مقابل تأمين رواتب موظفي الإقليم وضبط ميزانية واضحة، في وقت يقول فيه متابعون للشأن العراقي إن الاتفاق تم بعد ضغوط أميركية على بغداد جاءت إثر استهداف حقول النفط بالمسيّرات لإجبار الإقليم على وقف العمل باتفاقية تمت في مايو مع شركات أميركية.
ويشكك المتابعون في إمكانية تنفيذ الاتفاق بشكل سلسل يحقق مطالب الأكراد ويسهل عودة تصدير نفط الإقليم المتوقف منذ أشهر، مشيرين إلى أن القبول قد يكون تمّ لتلافي المزيد من الضغوط الأميركية وتلويح إدارة الرئيس دونالد ترامب بتسليط عقوبات على حكومة محمد شياع السوداني بسبب عجزها عن التحرر من ضغوط أحزاب إيران في العراق والميليشيات التابعة لها.
وسبق أن تعهدت الحكومة العراقية بتنفيذ ما جاء في الاتفاق في مرات سابقة، لكنها تلكأت بسبب رغبة أحزاب إيران في التضييق على إقليم كردستان وسحب ورقة النفط منه كأهم عناصر قوة الإقليم في تأكيد استقلاليته عن المركز في بغداد. وزاد التوتر بعد التقارب الحاصل بين الإقليم وواشنطن مع عودة ترامب إلى الرئاسة وضغطه على بغداد للنأي بالنفس عن إيران.
شكوك في إمكانية تنفيذ الاتفاق بشكل سلسل يحقق مطالب الأكراد ويسهل عودة تصدير نفط الإقليم المتوقف منذ أشهر
وينص الاتفاق الجديد على أن “تبدأ حكومة الإقليم فوراً بتسليم كامل النفط المنتج من حقول النفط في الإقليم لشركة تسويق النفط (سومو) بغرض التصدير.. على ألّا تقل الكمية التي يتم تسليمها عن 230 ألف برميل يوميا حاليا، ويضاف إليها أي زيادة في الإنتاج.”
ووفق الاتفاق، تسدد وزارة المالية الاتحادية لحكومة الإقليم سلفة بقيمة 16 دولارا عن كل برميل. كما تخصص كمية 50 ألف برميل يومياً لأغراض الاستهلاك المحلي في الإقليم.
ورحّبت حكومة إقليم كردستان بهذه “الخطوة” وقالت في بيان “ننتظر من الحكومة الاتحادية إرسال الرواتب والمستحقات المالية للإقليم.”
وكان إقليم كردستان العراق يصدّر يوميا 450 ألف برميل من النفط عبر ميناء جيهان التركي، من دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد.
غير أن هذه الصادرات توقفت في مارس 2023 بعدما أصدرت هيئة تحكيم دولية قرارا لصالح بغداد منعت بموجبه أيّ تصدير لنفط الإقليم إلا من خلال شركة سومو. ومنذ ذلك الحين، تفاقمت التوترات بين بغداد وأربيل.
وترى أربيل أن الحكومة المركزية تسعى إلى وضع يدها على ثروات الإقليم النفطية، في حين تطالب بغداد بأن تكون الكلمة لها في إدارة الموارد النفطية التي تُستخرج من كردستان. ومن المفترض أن يحل الاتفاق الجديد أزمة رواتب موظفي الإقليم، التي يجدر ببغداد تمويلها، والتي طالما تمّ ربطها بملف النفط.
وينص الاتفاق على أن تباشر وزارة المالية بصرف رواتب موظفي الإقليم لشهر مايو كبداية لتطبيق الاتفاق بعد تأكيد وزارة النفط الاتحادية تسلم شركة سومو كامل كمية النفط البالغة 230 ألف برميل يومياً في ميناء جيهان التركي.
وأعربت حكومة الإقليم عن أملها أن “تُفصل قضية الرواتب والمستحقات، باعتبارها حقوقاً مشروعة لشعب كردستان، عن أيّ خلافات أو مشاكل سياسية.”
وألزمت الحكومة الاتحادية بأن “تقوم حكومة الإقليم بتسليم مبلغ 120 مليار دينار من الإيرادات غير النفطية كدفعة أولية تخمينية عن حصة الخزينة العامة للدولة من الإيرادات غير النفطية لشهر مايو إلى وزارة المالية الاتحادية، على أن تجري تسويتها بعد إكمال التدقيق.”
وأعلنت الحكومة العراقية “تشكيل فريق من وزارة المالية الاتحادية وديوان الرقابة المالية الاتحادي بالتنسيق مع وزارة المالية وديوان الرقابة المالية في الإقليم، لغرض تحديد مقدار تجاوز حصة الإقليم من الإنفاق الفعلي وكيفية معالجته وفق قانون الموازنة العامة الاتحادية للأعوام 2023 – 2024 – 2025 على أن يرفع تقريره خلال مدة أقصاها أسبوعين إلى مجلس الوزراء الاتحادي.”
وأتى الاتفاق في وقت يشهد فيه إقليم كردستان هجمات عدة بطائرات مسيرة استهدفت خصوصاً حقولا نفطية، بعضها تشغّله شركات أجنبية، وآخرها الخميس إذ استهدفت طائرة مسيّرة مفخخة حقلا تديره شركة نرويجية في منطقة زاخو بعد يوم على تعرضه لقصف مماثل.
سبق أن تعهدت الحكومة العراقية بتنفيذ ما جاء في الاتفاق في مرات سابقة، لكنها تلكأت بسبب رغبة أحزاب إيران في التضييق على إقليم كردستان
ولم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عن أيّ من الهجمات التي وقعت في الأسابيع الأخيرة، فيما تعهّدت بغداد بالتحقيق لاستجلاء الملابسات.
لكن مسؤولا كرديا طلب عدم الكشف عن هويته اتهم الحشد الشعبي وهو تحالف فصائل عراقية موالية لطهران بات منضويا في القوات الحكومية، بالوقوف وراء الهجمات.
وقال لوكالة فرانس برس مساء الأربعاء “نحمّل الحكومة العراقية المسؤولية لأنها تموّل قوات الحشد الشعبي التي تهاجم البنية التحتية النفطية.”
وعلى الرغم من مساعي الإقليم لحل الخلاف بين الطرفين عن طريق القنوات الرسمية إلا أن الأمر ظل معلقا بسبب رفض القوى المسيطرة على الحكومة العراقية تنفيذ الاتفاق.
وكانت وزيرة المالية طيف سامي قد أبلغت رسميا، في 28 مايو الماضي، حكومة الإقليم بتعذّر استمرار الوزارة في تمويل الرواتب، مرجعة ذلك إلى “تجاوز كردستان الحصة المقررة لها ضمن قانون الموازنة الاتحادية والبالغة 12.67 في المئة.”
وتتجاوز أزمة رواتب إقليم كردستان كونها مجرد خلاف إداري أو مالي، فلقد تحولت إلى أداة ابتزاز سياسي تستغلها بعض قوى الإطار التنسيقي في بغداد بهدف إضعاف الإقليم. وهذا الضغط المستمر، الذي ينم عن رغبة واضحة في تقويض استقرار كردستان الاقتصادي والسياسي، يُحدث شللا متزايدا في الأسواق ويُعمق المعاناة المعيشية للموظفين والمواطنين على حد سواء.
ويُعد تكرار هذه الأزمة سنويا، وربط الموازنة بشروط تعجيزية، نهجا متعمدا لتحويل رواتب الموظفين إلى “سلف” بدلا من استحقاق دستوري. وهذا الأسلوب يُبقي الإقليم في حالة تبعية مالية دائمة، ويُعيق قدرته على إدارة شؤونه الذاتية بفاعلية.
ولا تقتصر تداعيات هذه السياسة على تآكل القدرة الشرائية للمواطنين فحسب، بل تمتد لتهدد النسيج الاقتصادي والاجتماعي للإقليم برمته، وتضعف قدرته على إدارة شؤونه الذاتية، ما قد يدفع باتجاه المزيد من التوتر السياسي ويزيد من تعقيد العلاقة الهشة أصلا بين بغداد وأربيل.