في الساعات التي سبقت قصف القوات الإسرائيلية لسجن إيفين بالعاصمة الإيرانية طهران في 23 يونيو (حزيران) الماضي، ظهرت منشورات باللغة الفارسية على وسائل التواصل الاجتماعي تنذر بالهجوم وتحث الإيرانيين على تحرير السجناء.
بعد لحظات من سقوط القنابل، ظهر مقطع فيديو على منصة «إكس»، وتطبيق المراسلة «تلغرام»، يزعم أن هناك انفجاراً عند مدخل السجن، الذي يشتهر باحتجاز السجناء السياسيين. تضمن أحد المنشورات على «إكس» وسماً باللغة الفارسية يقول: (#freeevin – حرروا إيفين).
كان الهجوم على السجن حقيقياً، لكن المنشورات ومقطع الفيديو لم يكونا كما ظهرا. كانا جزءاً من خدعة إسرائيلية، وفقاً للباحثين الذين تابعوا هذه الأحداث.
لم تكن هذه هي الحيلة الوحيدة خلال الصراع. على مدار 12 يوماً من الهجمات، حوّلت إسرائيل وإيران وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة معركة رقمية، باستخدام الخداع والأكاذيب في محاولة للتأثير على النتيجة، حتى في الوقت الذي تبادلا فيه الضربات الصاروخية التي أودت بحياة المئات وأثارت الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط المضطربة حقاً. وقال الباحثون إن المنشورات تمثلت في حرب إعلامية أكثر حدة، حيث بدأت قبل الضربات، واستخدمت الذكاء الاصطناعي، وانتشرت على نطاق واسع وبسرعة كبيرة.
حرب المعلومات، التي غالباً ما تُسمى العمليات النفسية، قديمة قدم الحرب نفسها. لكنّ الخبراء يقولون إن الجهود بين إسرائيل وإيران كانت أكثر كثافة واستهدافاً من أي شيء سبقها، وشاهدها ملايين الأشخاص الذين يتصفحون جوالاتهم للحصول على آخر المستجدات حتى أثناء سقوط القنابل.
والسبب هو أن التكنولوجيا الحالية – انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي – قد غيّرت من قدرة الدول على الاستجابة للأحداث والتحدث مباشرة إلى المواطنين وغيرهم في الوقت الفعلي بطرق أكثر مصداقية من أي وقت مضى.
على سبيل المثال، أرسلت إيران تنبيهات باللغة العبرية إلى آلاف الجوالات الإسرائيلية تحذر مستخدمي الملاجئ المضادة للقنابل، لأن المسلحين يخططون للتسلل إليها ومهاجمة من بداخلها، وفقاً للباحثين والبيانات الرسمية. ونشرت شبكة من الحسابات على منصة «إكس» المنسوبة إلى إسرائيل رسائل باللغة الفارسية في محاولة لتقويض الثقة في الحكومة الإيرانية، بما في ذلك رسائل ترويها امرأة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي.
رفض الجيش الإسرائيلي الرد على الأسئلة ذات الصلة بالعمليات النفسية. وكذلك فعل مسؤول من الوفد الإيراني لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
يقدم سيل الدعاية والخداع لمحة عما ستواجهه الولايات المتحدة أو الدول الأخرى بشكل شبه مؤكد إذا اندلعت الحرب. ظهرت صور زائفة لقاذفات (بي 2) مدمرة على الإنترنت عندما أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشن ضربات على مواقع نووية إيرانية مدفونة على عمق كبير.
ويتساءل البعض عن مدى استعداد الولايات المتحدة، لا سيما مع قيام إدارة ترمب بخفض الجهود المبذولة لمكافحة عمليات التأثير الأجنبي. تتبنى الاستراتيجية العسكرية الأميركية عمليات المعلومات – التي تُعرف في البنتاغون منذ عام 2010 باسم عمليات دعم المعلومات العسكرية – ولكن غالباً ما يتم التعامل معها على أنها مجرد دور داعم.
تُعد روسيا – تليها الصين – الخصم الأكثر حزماً عندما يتعلق الأمر بحملات التأثير. فقد شنت روسيا حرباً إعلامية شرسة ضد أوكرانيا وحلفائها منذ شنها غزواً كاملاً على البلاد في عام 2022. وبحسب بعض الروايات، فقد قوضت الدعم في بعض البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة.
لقد اتبع كل من إسرائيل وإيران نهج روسيا، في محاولة لتشكيل الرأي العام بالداخل والخارج، ولكن مع قدرة إضافية على دمج أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة على نطاق واسع في حملاتهما.
وقال هاني فريد، أستاذ علوم الحاسوب في جامعة «كاليفورنيا»، فرع بيركلي: «إذا عدنا إلى الأيام الأولى لأوكرانيا، فقد شهدنا حملات تضليل إعلامي من روسيا، لكنها كانت بدائية للغاية مقارنة بما شهدناه في الأيام الأولى لغزة». وفريد هو أحد مؤسسي شركة «جيت ريل سيكيورتي»، التي كانت أول من كشف التلاعب بالفيديو الخاص بسجن إيفين. وأضاف: «هذا لا يُذكر مقارنة بما نراه في إيران».
أغرق طرفا النزاع الإنترنت بصور ومقاطع فيديو زائفة أو ملفقة، في محاولة لإضعاف معنويات الطرف الآخر وتشويه صورته. وتضمن المحتوى صوراً من نزاعات سابقة وتلفيقات واضحة للمرشد الأعلى الإيراني ورئيس الوزراء الإسرائيلي. أما الصور الأكثر دقة، مثل الفيديو في سجن إيفين، فقد نشرتها بعض المؤسسات الإخبارية في بادئ الأمر على أنها حقيقية، بما في ذلك صحيفة «نيويورك تايمز».
وقال فريد: «مع الراديو، كانت لديك رسالة واحدة ترسلها. أما الآن لديك مليون رسالة ترسلها إلى مليون شخص. من الواضح أن هذا أمر مختلف تماماً».
قد يكون من الصعب قياس تأثير ذلك في الصراع الحالي بصورة مؤكدة. وغالباً ما يلتف المواطنون حول قادتهم في أوقات الحرب، وينظرون إلى الدعاية الواضحة بشك أو سخرية. ويقول المحللون إنه حتى لو لم تُغير الحرب النفسية مسار الصراع، فإنها يمكن أن تشكل تصورات الجمهور بشأنه.
وقال آري بن عام، أحد مؤسسي «تيليميتري داتا لابس»، وهي شركة تحليلات رقمية في تل أبيب، إن جهود إيران تبدو موجهة إلى الجمهور المحلي والإقليمي بقدر ما هي موجهة إلى إسرائيل نفسها.
وأظهر مقطع فيديو زائف دماراً في مطار بن غوريون في إسرائيل لم يحدث. وظهرت صور ومقاطع فيديو لحطام طائرات إسرائيلية – ثم أميركية – على حسابات أرجعها الباحثون إلى إيران ووسائل إعلامها الحكومية.
مع ذلك، زعمت إيران أنها أسقطت ما لا يقل عن ثلاث طائرات إسرائيلية من طراز (إف 35). ونفى مسؤولون عسكريون إسرائيليون فقدان أي طائرة في القتال، ولم تظهر أي أدلة تشير إلى عكس ذلك. وأظهرت إحدى الصور وجود حارق خلفي غير قابل للتصديق في عادم إحدى الطائرات المحطمة.
وزعمت وسائل الإعلام الإيرانية أنها أسرت طيارة إسرائيلية، حددت هويتها على أنها سارة أحرونوت، غير أن شركة «نيوز غارد»، وهي شركة معنية بمراقبة المعلومات المضللة في وسائل الإعلام، قد تتبعت الصورة، وخلصت إلى أنها تعود لضابط في البحرية التشيلية التُقطت في عام 2011.
*خدمة «نيويورك تايمز»