ملخص
في عالم تتسبب فيه حروب ترمب التجارية بمزيد من الخاسرين، لا يحق لبريطانيا التفاخر باتفاقها مع ترمب، فمكاسبه الهامشية لا تعوض الخسائر الجسيمة لـ”بريكست”، بينما بدا الاتحاد الأوروبي مضطراً إلى قبول صفقة مذلة لتجنب الأسوأ.
في عالم مليء بخاسرين جراء حروب الرسوم الجمركية والتجارة التي يشنها دونالد ترمب، هل من رابح في اتفاقه التجاري الأخير الذي أبرم وختم بمصافحة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، في قاعة احتفالات بأحد ملاعب الغولف التي يمتلكها الرئيس الأميركي في اسكتلندا؟
لا شك أن أحد الخاسرين المحققين هو فون دير لاين نفسها. إن احتكمنا إلى لغة الجسد، فقد بدت كضحية تعرضت لتنمر من الرجل البرتقالي الكبير – وللحقيقة، هذا ما حدث. في تصريحاتها الشخصية المختصرة، اعترفت بأن تخفيض الرسوم الجمركية إلى 15 في المئة أمر “لا يستهان به”، لكنه “أفضل ما أمكننا الحصول عليه”.
أما إيمانويل ماكرون، فقد صرح بأن الاتفاق الأميركي الأوروبي “يوم قاتم” بالنسبة إلى أوروبا – ويمكننا أن نتفهم سبب قوله هذا. فالتعريفة الجمركية العامة التي استقرت عند نسبة 15 في المئة – وإن كانت أفضل من 20 في المئة التي طرحها ترمب خلال “يوم التحرير” سيئ الذكر الذي احتفل به في أبريل (نيسان) وأفضل بكثير من نسبة 30 في المئة التي كان يهدد بفرضها منذ فترة قصيرة – ما زالت باهظة. ولا شك أنها أعلى بكثير من نسبة 2 إلى 3 في المئة الذي كان يواجهها المصدرون من الاتحاد الأوروبي.
صحيح أنه جرى تفادي اندلاع حرب تجارية، لكن هذا الاتفاق أقرب شكلاً إلى ذلك الذي فرضه الأميركيون على دول مثل فيتنام أو إندونيسيا، ولذلك فهو يحمل بعض
من الرابح في اتفاق بريطانيا والاتحاد الأوروبي؟
لا بد أن التفكير السائد في بعض أنحاء أوروبا هو أنه لو تحلت فون دير لاين بصرامة أكبر، مثل الصينيين، كان بالإمكان التوصل إلى علاقة أكثر توازناً وأفضل في النهاية. لكننا لن نعرف أبداً مدى صحة هذا الكلام.
يعد الاتفاق مخيباً للآمال وتترتب عليه كلفة باهظة، سواء على صعيد كبرياء أوروبا، أو على صعيد أهم الهواجس الصناعية التي تسود القارة – وقد عبرت مجموعة “فولكسفاغن”، من بين شركات أخرى، عن ذلك علناً، لكنه جيد بالنسبة إلى المستهلكين الأوروبيين. فسيكون بمقدورهم التمتع بأسعار منخفضة على الواردات الأميركية، فيما سيدفع المستهلكون الأميركيون مبالغ أعلى لشراء نبيذهم الفرنسي وسياراتهم الرياضية الإيطالية.
هل يكون الاتفاق التجاري مع الاتحاد الأوروبي – الذي روج له ترمب على أنه “أكبر اتفاق على الإطلاق”، والذي يعد أكبر “المكاسب” فيه هو إزالة خطر رفع الرسوم الجمركية إلى 30 في المئة في وقت لاحق من هذا الأسبوع – أسوأ بقليل من الاتفاق الذي أبرمه كير ستارمر مع ترمب في مايو (أيار)؟
خفض الاتفاق التجاري مع بريطانيا التعريفة الجمركية على الصادرات البريطانية إلى الولايات المتحدة إلى 10 في المئة، وفرض رسوماً أقل، قيمتها 25 في المئة، على صناعة الصلب البريطانية فاتحاً المجال لمزيد من المساومة أكثر، فيما سيبقى “المعدل العالمي” الذي يساوي 50 في المئة مفروضاً على الاتحاد الأوروبي.
لكن بالنسبة إلى المحتفين بهذه النقطة باعتبارها عائداً نادراً من “بريكست”، فهذا فرح كاذب. لأن التنازلات التي حصلت عليها بريطانيا ضئيلة لدرجة أنها غير قادرة على التعويض عن الخسائر التي تكبدناها منذ “بريكست” – وهي خسائر تساوي قيمتها أكثر من 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
ولم نصل بر الأمان بعد أبداً. أثناء لقائه الرئيس الأميركي للتعمق في المحادثات التجارية في ملعب ترمب للغولف في تيرنبيري، لا شك أن ستارمر سيكون مدركاً جداً لتقلبات مزاج نظيره. حقق ستارمر أقصى استفادة ممكنة من التنازلات المتواضعة التي تمكن من الحصول عليها، ولا سيما تلك المتعلقة بالسيارات والمعايير الغذائية، لكن لا تزال هناك نقاط كثيرة غامضة وغير محسومة. ويكمن أكبر خطر في أن يؤدي التزام المملكة المتحدة بتحسين البيئة التجارية لشركات صناعات الأدوية الأميركية إلى زيادة ضخمة في فواتير الأدوية المفروضة على هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وهي زيادة تفوق إمكاناتها.
استثنى ترمب إجمالاً قطاع الخدمات برمته من اتفاقه مع المملكة المتحدة، وهو قطاع يحقق فيه البريطانيون فائضاً، وهذا أمر عظيم إلى أن يقرر خلاف ذلك. فليس في هذا المجال أي قواعد ملزمة قانوناً.
ما زال اقتصاد العالم مترابطاً بصورة كبيرة، ومع أن العولمة تنحسر بعض الشيء، إلا أنه يمكن لها أن تنتهي منطقياً، وهذه نقطة يحاول إيلون ماسك نفسه طرحها. كل الحواجز التجارية تؤذي البلد الذي يفرضها إما بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة، من خلال تأثيرها السلبي في النمو العالمي. تفرض كلفة أعلى على المستهلكين، وتؤثر بصورة غير متكافئة على الفئات ذات الدخل المنخفض، وترغم الشركات على دفع مبالغ أعلى لقاء الاستيراد، مما يقلل من كفاءتها، فيما تواجه المنافسة والتغيير الهيكلي الديناميكي عرقلة متعمدة.
بعيداً من تفاصيل الاتفاقات الفردية التي تحاول الدول إبرامها مع بعضها بعضاً، ستزيدنا الرسوم الجمركية فقراً على المدى البعيد.
© The Independent