Skip to content
أغسطس 1, 2025
  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
Video
  • Home
  • هل هذا القتل الجماعي حدث أم نمط؟.إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء. ياسين الحاج صالح..المصدر :الجمهورية .نت
  • مقالات رأي

هل هذا القتل الجماعي حدث أم نمط؟.إبادة جوّالة من الساحل إلى السويداء. ياسين الحاج صالح..المصدر :الجمهورية .نت

khalil المحرر يوليو 31, 2025

 

1

المجازر بحق الدروز في السويداء على يد قوات الحكم الانتقالي أسوأ بكثير من نظيراتها بحق العلويين في آذار الماضي. هذا، أولاً، لمجرد أنه كرر المسالك الإجرامية التي سقط ضحيتها ما لا يقل عن 1500 من العلويين خلال خمسة أيام. التكرار شبه الحرفي ضد الدروز هذه المرة يُشكك بأنه جرى أخذ عبر أو استخلاص دروس مما أقرت السلطة نفسها بأنها مجازر، وظاهر أنه في أوساط تشكيلاتها المسلحة والقوات المرتبطة بها لم يخشَ أحد من اللوم، ولا يبدو أن أحداً عوقب، أو حتى عوتب، على دوره في القتل الجماعي الأول كيلا يشارك في قتل جماعي ثانٍ. وثانياً، لأن الهجوم على السويداء لم يكن مسبوقاً باعتداء على قوات حكومية ومقتل العديد من عناصرها، ولا ببلاغات تدعو إلى تمرد عام، كي يقال إن ما حدث هو تجاوزات في عملية أمنية لم تبادر إليها السلطة. ثم أنه ليس هناك ذاكرة مسمومة حيال السويداء والبيئات الدرزية في عمومها، فهي لم تكن على ولاء خاص للحكم الأسدي، بل إنها منذ سنوات مقاطعة لجيشه وحربه، وجسدت «ساحة الكرامة» في المدينة استمراراً للجذع الوطني الشعبي للثورة السورية واسترجاعاً لمنزعها السلمي الأصلي. مشاركة دروز في حرب الحكم الأسدي أو موالاة بعضهم له ليست أكبر من مشاركة سنيين أو موالاتهم للنظام الذي فتك ببيئات سنية أكثر من غيرها. وبينما أضعف البيئات العلوية العبء السياسي والأخلاقي المديد للأسدية، وحقيقة أن صاعق المجازر جاء من طرف مجموعات محسوبة على الحكم الأسدي، فإنه ليس هناك ما يماثل ذلك في السويداء. لم تتعرض أي قوات حكومية لهجوم من السويداء، وليس هناك عبء أخلاقي أو سياسي يُثقل كاهل الدروز السوريين.

2

يجمع بين مجموعتي المجازر صفتها الإبادية: أن علويين استُهدفوا لأنهم علويون، على نحو تجاوز كلياً الرد على هجمات فلول مسلحين على قوات حكومية. الإبادة هي استهداف جماعة أهلية أو مجموعات فرعية منها لما تكون وليس لما فعلت، أياً يكن عدد الضحايا. ومعلوم أن الممارسات الإبادية في الساحل اقترنت بقتل أسر بأكملها، بحرق منازل ونهب ممتلكات، بعمليات حيونة وإذلال (سبق غير قليل من هذه العمليات مسلسل المجازر، ولا ريب أنها أسهمت في دفع بعض العلويين إلى التسلح أو التراجع عن «التسويات»)، وبعض ممارسات الحيونة والإذلال مستمر إلى اليوم. وفي مجملها، كانت تلك معالجة أسوأ بكثير من المشكلة، على ما أقر الحكم الانتقالي نفسه حين شكل «لجنة تحقيق في أحداث الساحل».

في السويداء كانت الصفة الإبادية ظاهرة بالقدر نفسه إن لم يكن أكثر: لقد استُهدِف دروز لأنهم دروز وليس لأي شيء قام بعضهم به، فقُتِلت أسر بأكملها، ونُهِبت ممتلكات، ودمرت منازل، وأُهين الناس في عقيدتهم وفي مظهرهم وفي هويتهم. كان قص الشوارب التي يعتز بها كثير من الدروز (وكثير من غير الدروز) بمثابة قتل معنوي للمستهدفين به، لا يقل سفاهة وطائفية عن نزع الحجب من رؤوس نساء محجبات. وفي المحصلة، كان ذلك استهدافاً وجودياً، غير مسبوق بدم أو استفزاز، تسبب برضة جماعية للدروز السوريين، نعرف جيداً أنها لا يمكن أن تزول من الذاكرة.

يُمكن أن يقول أنصار الحكم الانتقالي إن هناك سلاحاً خارج سلطة الدولة، وهناك رفض لشرعية هذه السلطة من قبل فريق معلوم في السويداء. هذا صحيح، لكن هذه القضايا الخلافية كانت موضوع أخذ وعطاء سياسيَّين، ويُفترض أن لدينا مرحلة انتقالية طويلة للوصول إلى أنسب المعالجات لها. ما حدث هو العكس هنا أيضاً: كانت المعالجة أسوأ من المشكلة بما لا يقاس. لقد ظهر أن سلاح الدولة المزعوم هو السلاح الأشد انفلاتاً والأقل وطنية والأكثر إبادية. وأن أول نزع للسلاح يجب أن يكون من جميع تلك الأيدي النظامية والرديفة الملطخة بدماء مدنيين مسالمين، لأنها غير أمينة لا على الأرواح ولا على البلد. من شأن تسليم السلاح لتشكيلات من صنف تلك التي هاجمت السويداء، وقبلها مناطق في الساحل، أن يكون بمثابة تسليم العنق للسكين. وثناء الرئيس الانتقالي نفسه على دور مسلحي العشائر في ما يفترض أنها عملية نزع سلاح فصائلي واحتكاره من قبل الدولة هو بمثابة تكذيب لمنطق بسط سيادة الدولة، ومسلك خادع من نوع: أما أنا فلا أخلع صاحبي! أمّا بخصوص عدم الاعتراف بشرعية السلطة، فالأمر رهن بالتمثيل العادل في مراتبها، وأكثر السوريين ليسوا ممثلين، لا كجماعات أهلية ولا كمواطنين ومنظمات مدنية وأحزاب سياسية. وليس من الحق أن يكون للدولة ولاية عامة على الجميع دون تمثيل عام للجميع في الدولة. في مجتمع متعدد أهلياً وعلى نحو مركب مثل المجتمع السوري، يعادل هذا المبدأ، مبدأ أن لا ولاية عامة بلا تمثيل عام، المبدأ الذي تكرّس في سنوات حرب الاستقلال الأميركية: لا ضرائب بلا تمثيل، أي في الحالين دون مشاركة في السلطة. الأساس المشترك للمبدئين هو أن السلطة تقوم على التعاقد، على عقد ضمني يقايض السيادة بالسياسة: الدولة مقر السيادة، نعم، لكن الحقوق السياسية والمشاركة في السلطة معترف بها ومصانة. لماذا يجب على أي كان أن يقبل بسلطة لا يُشارك فيها ولا تعتبره نداً وشريكاً، بينما هي تقدم أناساً لهم أيديولوجيا فئوية فاقعة، يجاهرون بعدم احترام غيرهم، بعدم احترام أي كان غير أشباههم، والتصرف كأنهم وحدهم أهل البيت وغيرهم غرباء بلا حقوق، عبيد سياسياً؟

3

كنتُ في السويداء مرتين في الشهر الأول من هذه السنة. وكان المزاج العام لمن التقيتهم إيجابياً ومتطلعاً إلى المستقبل. لم يكن أحد غافلاً عن المشكلات الكبيرة في البلد، وعن ضعف القدرات والأدوات، لكن الابتهاج بطي صفحة سابقة، وإرادة السير المشترك إلى الأمام، كانت ظاهرة عند قطاع وازن من مجتمع المدينة وما حولها، من ساحة الكرامة إلى المضافات الكريمة لأسرٍ في السويداء نفسها وفي شهبا. أولئك الأصدقاء والشركاء اليوم مثل المضروبين على رأسهم بفعل ما ارتُكب من قتل وإذلال جماعيين بحق أهليهم. وهم من أضعفتهم وأهانتهم تلك المجازر والإذلالات الشنيعة، وليس من يخالفونهم التوجه والرأي في السويداء. وأكثر ما يهينهم أن إسرائيل بدت قوة منقذة، أوقف تدخلها المجزرة.

وكنت في اللاذقية (وحمص) مرتين في الشهر الأول من هذا العام، ثم في الشهر السادس، وأكثر من التقيت بهم علويو المنبت. هنا أيضاً كان الجو العام إيجابياً يتطلع إلى أوضاع جديدة أكثر عدالة، دون أن يكون غافلاً لا عن التركة الموروثة والتحديات الناشئة، ولا بطبيعة الحال عن تكوين السلطة الجديدة. لكن أحداً لم يجعل من ذلك بحد ذاته مشكلة، بخاصة بعد ما اقترن به إسقاط الحكم الأسدي من انتهاكات محدودة قياساً للتوقعات السيئة التي سبقته عند الجميع. وهؤلاء، وليس الأسديين والموالين لهم، هم من أضعفتهم سياسياً ومعنوياً المجازر بحق أهليهم.

وبقدر ما أمكنني تبيّنه خلال زيارتين، دامتا معاً نحو شهرين، والتقيت فيهما بأناس متنوعين دينياً وإثنياً، لم يجعل أحد من أصول وعقيدة المسيطرين الجدد مشكلة، بل لقد رأى البعض في «حكم سني» تخفيفاً لاحتقان وفرصة لاسترخاء عام في الأنفس وفي الأوضاع السياسية. كان النظر منصباً على المسالك والتصرفات، وليس على المنابت والأصول.

هذا للقول إنه ليس صحيحاً أن الحكم الحالي لم يُعطَ فرصة. لقد أعطي، لكن سوء تكوينه أهدرها مرتين. كانت المسالك والتصرفات شحيحة النفس، ضيقة العين، واستبعادية بجلاء تام. الواقع أنها تستأنف دينامية التقليل الأسدية المصممة كي لا تنشأ أكثرية سورية من أي نوع. لكنها هذه المرة دينامية تقليل ذاتية، تتمثل في قلة المعنى العام، القابل للمشاركة من آخرين، أي القابل للهيمنة وصُنع أكثرية. من شأن جماعة صغيرة نشطة، تخلق معان عامة تجمعها بغيرها، أن تطلق بذلك ديناميكية تكثير فتصير أكثرية سياسية، هذا بينما تتحول جماعة كبرى تعتمل في أوسطها ديناميكية تقليل، أي ضعف خلق المعاني الجامعة، أن تتحول إلى أقلية، طائفة بالمعنى المعجمي للكلمة. الأقلية والأكثرية مسألة معان، أي أفكار وقيم وبرامج، وليس حصراً معطى ديمغرافياً. ولذلك لا تتكون أكثريات حول الماضي، فقط حول الحاضر وتحدياته والمستقبل ووعوده يمكن أن تتشكل أكثرية.

والجذر الأعمق لديناميكية التقليل النشطة في البيئات الإسلامية السنية هو أن الملأ من نخبها السياسية الدينية لم «يوقوا شح أنفسهم» بفعل استسلامهم لفكرة المظلومية (معززة بغرور التفوق)، وإرادتهم أخذ كل شيء لأنفسهم. لسان الحال يقول: نحن مظلومون، إذن نحن على حق في كل ما نفعل! ثم أننا متفوقون، فلا حاجة بنا لمعان وقيم جديدة تجمعنا بغيرنا. لكن هذا باطل ومنبع شرور كثيرة. وإذا أردنا أن نعرف إلى أين يؤدي تعريف النفس بالمظلوميات (والتفوق) فلننظر إلى إسرائيل، الكيان الأكثر أنانية في العالم، الذي لا يفعل خيراً لأحد، ولم يفعل غير الشر في هذه المنطقة التي نكبت به.

4

حين وقعت «أحداث الساحل»، لم يكن من غير المعقول التفكير فيها كحدث فرد، وقع بفعل تقاطع سلاسل أحداث وتقديرات متعددة، دون أن يكون مبيتاً سلفاً أو «مكتوباً» في نمط سابق له. لكن حين وقعت مجاز الدروز في السويداء، لم يعد صحيحاً التفكير في الأمر كحدث فرد وابن لحظته. صار أقرب إلى نمط، شيء يُحيل إلى بنية فكرية سياسية مؤسسية خلفه، ينبع منها ويُعززها. وقد وقع في الآونة الأخيرة حدثان يرجحان فكرة النمط المتكرر. أولهما ما تعرض له من اعتداء سفيه اعتصامٌ صامت عقدته مجموعة من المشتغلات والمشتغلين بالشأن العام أمام مقر مجلس الشعب السوري، كان شعاره الوحيد: دم السوري على السوري حرام! هاجم المعتصمين شبان موالون، جمعوا بين الجهل والبذاءة وانعدام الأخلاق، وطبعاً قلة الاحترام، ونال الزميلة زينة شهلة ضربة بعصا على العضد وصفعة على الوجه من أحد المهاجمين. وهذا بينما كان عناصر الأمن العام يقفون على مقربة دون أن يتدخلوا. في ذاكرتي الشخصية تجربة مماثلة في آذار 2005، تفيد بأن ما تغير هو من يحمل العصا ومن يصفع، ليس نظام الضرب بالعصي والصفع على الوجوه.

ويثير التفكيرَ شعورُ المهاجمين بخطورة شعار تحريم الدم السوري، وما يضمره هذا الشعور من وعي بخطورة تجريد الحكم الذي يوالونه من القدرة على القتل الجماعي، كأنما لا يبقى دون ذلك. وما يدرج هذا الحدث ضمن نمط الإبادة هو الاعتداء على معتصمين مسالمين من قبل «متطوعين» فاشيين، يحللون الدم أو يحرمون تحريمه، بينما «الدولة» تتفرج.

هل هم متطوعون أم مدفوعون؟ ليس الأمر أقل سوءاً إن كانوا متطوعين. وجود قوى قمعية رديفة مميز للتجارب الفاشية التي لا تطيق استقلال الدولة أو التمييز الصارم بين الدولة والمجتمع. هذا يمحو الفرق بين التطوع والتوجيه عبر تغلغل متفلت لقوى الدولة في المجتمع، وعدم انضباطها بالمؤسسات والأجهزة المعروفة. في مثل هذا الوضع، يكون الانفلات بنيوياً، ليس خروجاً على الانضباط المؤسسي، بل انضباط بمنطق آخر، مكمل: منطق الدين أو الطائفة أو العشيرة، المنظمات الرديفة للدولة. الردفاء الذين هاجموا الاعتصام المسالم شبيحة بكل معنى الكلمة، مثل من هاجموا اعتصامات وتجمعات المحتجين السوريين في بداية الثورة: قوى طائفية، بذيئة، عنيفة، غير نظامية، لكن مرجعها «الدولة الباطنة» (المقر الطائفي للسلطة الحقيقية). وهذه دولة مشرشرة، بلا حدود واضحة ولا قواعد عمل مطردة، كثيرة المجسات، لكنها غير عاقلة.

بعد أيام من الاعتصام، وفي بيان مصور بادر طلاب من كلية الهندسة في جامعة دمشق إلى حظر دخول الطلاب الدروز إلى الجامعة، لأن «جامعاتنا لا تتسع لهويتين»، فـ«إما نحن وأما نحن»، في تعبير فاشي هو الآخر عن مبدأ نقاء، نعرف أن كل تنويعاته، سواءً كانت باسم العرق أو الدين أو الطبقة، اقترنت بمسالك إبادية. والـ«نحن» التي يُشهرها بيان مهندسي المستقبل هي كما يظهر من زي المجموعة إسلامية سنية سلفية، ليس مستغرباً ممن لهم تكوين مثل تكوينها في أن يتصرفوا كمُطوِّعة طائفيين، أو كقوة قمعية متطوعة، تعرف أن الدولة دولتها. يفترض المرء أن الجامعة مكان اختلاط وتعدد وحرية تفكير وتعبير وميدان للمعرفة والنقاش المفتوح، مكان تعدد وتفاعل هويات، وأن الجامع هو المساحة التي لا تتسع لهويتين (الواقع أن الجوامع في مراحل من تاريخنا اتسعت لهويات فقهية وكلامية متعددة). ولا يحتاج إلى تأكيد خاص أن شعار إما نحن أو نحن ذو مضمون إبادي، لا يختلف في شيء عن: الأسد أو لا أحد! في تنويعاته العدمية المتعددة. من كان يجب محاسبتهم والضرب على أيديهم علناً هم هؤلاء المحرضون الطائفيون الذين يمزقون مجتمعهم وبلدهم، وليس صحفية تحرض طائفياً على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا طلاب علويون ودروز اعتقلوا بذريعة حمايتهم أحياناً، وانقطع أثر بعضهم.

الجامعة التي لا تتسع لهويتين لن تلبث أن تضيق بكل غير المسلمين، ثم بكل غير المسلمين السنيين، ثم بكل المسلمين غير النمطيين، ثم بكل المسلمين المؤمنين من غير السلفيين. الانطلاق من الهوية لا يؤدي إلا إلى التفكك الكامل لكل معنى عام، لكل هوية جامعة، ولو جزئياً. هذا في واقع الأمر خطاب سلطة ومحو، وليس خطاب تأكيد لهوية. خطاب قتل جماعي، إبادة.

5

يثير النمط الإبادي انفعالات حادة محقة، لكن حقّيتها لا تضمن أن تفضي إلى مسالك صائبة. هذان شيئان مختلفان. الحق في الغضب لا يعني الحق في المسلك المبني على الغضب، وبخصوص السويداء يبدو أن غضبة الحق يمكن أن تُسخّر للتسبب بغير قليل من الباطل. الفترة الراهنة في السويداء هي الأخطر في تاريخ المدينة والجماعة الدرزية خلال أجيال لأنها تجمع بين الغضب والحق، وبين تدخل لاعب قوي له تاريخ إبادي نشط: إسرائيل. ويخشى المرء أنه إلى حين تهدأ النفوس قد يكون الوقت فات لإصلاح المسالك التي ألهمها الغضب. لدينا مثال قريب جداً على ذلك إلى درجة أننا قد لا نراه: الغضب المحق الذي تملك جماعات سنية واسعة أثناء سنوات الصراع السوري الطويلة يكمن بصورة مباشرة وراء كارثة الساحل، وبصورة ما وراء كارثة السويداء. هناك فيديو قصير للشهيد عبد الباسط الساروت يعبّر عما تتركه المعاناة القاسية من غضب يسهل توجيهه نحو الانتقام والإبادة. أن تكون مظلوماً، لا يضمن أنك محق فيما تفعل، لا إذا كنت سنياً ولا درزياً ولا علوياً. ولا يهودياً.

تهجير البدو من السويداء هو من تلك المسالك الخاطئة، وهو عملية تطهير عرقي لن تزول بدورها من ذاكرة الضحايا، والبلد. والتعاون مع إسرائيل هو قفزة واسعة في المجهول، في مجهول معلوم في واقع الأمر، يُرجح أن يؤول بالمتعاونين إلى رهائن لا إلى أحرار مالكين لقرارهم.

الانفعالات الحادة تقطع روابط الناس بغيرهم، وتقطع روابطهم بأنفسهم وتاريخهم. تُصَغِّر وتُقلِّل. لسان حالنا حين نكون في أشد الانفعال هو: يا وحدنا! وفي وحدتنا نرتد إلى أنفس جزعة ناقمة، تقطع مع غيرها ومع ماضيها. وقد تهتف بهستريا: بدنا إسرائيل! في الشتات السوري، يظهر بوضوح اقتران الانفعالات الأشد مع الهوياتية المطلقة، آخذة أشكالاً نقائية و«تفاصلية»، تسوِّر نفسها بـ«عزلة شعورية» عن الغير من الشركاء المحتملين. التفاصل والعزلة الشعورية هي من عبارات غاضب سابق، كتب قبل أكثر من ستين عاماً: سيد قطب.

6

الدعوة الجماهيرية إلى «مسيرات جماهيرية حاشدة» يوم الجمعة، «تأكيداً على الوقوف خلف القيادة السورية، وتعبيراً عن الولاء للوطن ووحدته، ورفضاً لكل أشكال التدخل الخارجي»، تشبه في لغتها تماماً لغة الحكم الأسدي ومسيراته الجماهيرية دعماً لـ«القيادة التاريخية الحكيمة» في عامي 2011 و2012. ليس واضحاً من يدعو إلى المسيرات، لكن عليها عبارة «الجمهورية العربية السورية» و«الهوية البصرية» التي اعتمدت قبل أسابيع. وهي إن لم تكن دعوة رسمية، فعلاقتها بالسلطة مثل علاقة الشبيحة الذين هاجموا اعتصام تحريم الدم السوري، ومثل طلاب الهندسة السلفيين.

هذا مؤشر جزع في أوساط السلطة، يصدر على الأرجح عن إدراك لفقد ثقة واسع بها وتراجع في شعبيتها بعد مجازر الدروز. إنها محاولة للرد على ديناميكية التقليل الذاتية التي ذكرت فوق. لكن في هذه الدعوة تغذية غير عاقلة للاستقطاب الحاد المتفاقم في البلد، واستعراض قوة طائش. يقال إنه إذا وقعت في الحفرة، فأول ما يجب أن تفعله هو ألا تحاول الحفر مجدداً، لكن هذا ما تفعله السلطة اليوم، معمقة الوقعة على نفسها وعلى البلد.

هذا هروب إلى الأمام، كأنما أخذت الجماعة العزة بالأثم. الصحيح هو الاعتراف بالخطأ ووقفة مسؤولة تُعيد هيكلة أجهزة الحكم باتجاه وطني تشاركي. كل يوم يمضي دون ذلك يجعله أكثر صعوبة ويُقربنا من كارثة أكبر من كل ما عرفنا.

7

بنظرة عريضة، لا يبدو أن التاريخ الذي ابتدأ عقب نهاية الأبد الأسدي سيكون انتقالاً نحو أوضاع جديدة أوسع قاعدة وأكثر استقراراً. الأوضاع الحالية اتجهت لأن تكون أضيق قاعدة مما كانت قبل هذه البداية الكبيرة في تاريخ البلد، وأضيق أي بداية أخرى عرفها تاريخ سورية، خلافاً لما يبدو أن الطيف المسيطر الجديد والموالين له يعتقدون. هذا وضع لن يستقر ولا يمكن أن يستقر. وبينما يُفتَرض أن المرحلة الانتقالية، الطويلة، هي الأمد الزمني الأنسب بمعالجة مشكلات الانقسام الوطني والاجتماعي، الموروثة والمحتملة النشوء، على نحو يُمهد لأوضاع دائمة ذاتية الإصلاح، فإن مسالك السلطة القائمة تبدو ترسيخاً متعجلاً لدوام سلطتها، وهو ما يُبقي البلد في حالة استثناء مستمرة، أي في انتقال أبدي إلى لا شيء، مثل الأبد الأسدي.

بصورة ما، يشبه الوضع اليوم وضع سورية بعد الاستقلال، لكن مكبراً عدة مرات: مشكلات كبيرة تكسر الظهر، وقدرات وموارد محدودة، وكفاءات متواضعة، واندراج غير حذر في بيئة إقليمية متقلبة تتغير استقطاباتها كل حين، وميول نابذة مبعدة عن المركز وأوضاع لا تستقر. وفوق ذلك طيش مأساوي في التعامل مع هذه المشكلات. الانقلابات تلوح في الأفق سلفاً. الفارق أنه يُستَبعد للانقلابات المحتملة اليوم ألا تكون دموية خلافاً لمعظم انقلاباتنا بعد الاستقلال، والأرجح أن تأخذ شكل انفجارات اجتماعية مكلفة كيانياً، وليس بشرياً ومادياً فقط.

ثم بنظرة أطول أمداً، تبدو سورية بلداً تراجيدياً، كان غير مستقر لكنه غير دموي كذلك (بين 1946 و1963، وبصورة ما حتى 1970)، ثم صار مستقراً لكن بكثير من الدم (1970-2024). اليوم نبدو مقبلين على أوضاع عديمة الاستقرار وكثيرة الدم. إلا أننا حيال تراجيديا دون وعي تراجيدي، دون وعي بالتناقضات والصراعات بين الحقوق (وليس بين حق وباطل) والذاكرات المتنافسة (وليس المنفتحة على بعضها).

الوعي السائد بين المتخاصمين اليوم مفعم بالهوياتية والكراهية.

وباليقين. واليقين مميت، وهو في العربية اسم آخر للموت.

 

About the Author

khalil المحرر

Administrator

Author's website Author's posts

Continue Reading

Previous: زعيم المعارضة التركية لن يترشح لانتخابات الرئاسة وسيعتزل إذا لم يفز حزبه..أنقرة: سعيد عبد الرازق….المصدر :الشرق الاوسط
Next: “جمهورية التحقيقات” العراقية… عندما تتحول الدولة إلى متفرج خير الدين مخزومي…المصدر :المجلة

Related Stories

  • مقالات رأي

توقيع تركيا على «إعلان نيويورك»: المقاومة محلّ إدانة.. د. محمد نور الدين. المصدر : صفحة الكاتب

khalil المحرر أغسطس 1, 2025
  • مقالات رأي

الشعور بقرب الموت.. حقيقة أم تقديس للراحلين؟.صالح عمر صحفي مصري….المصدر : المجلة الفراتس

khalil المحرر أغسطس 1, 2025
  • مقالات رأي

دروز إسرائيل بين الولاء للدولة والمواطنة غير المتساوية..رسلان إبراهيم أستاذ علوم سياسية في جامعة ولاية نيويورك..المصدر : المجلة الفراتس

khalil المحرر أغسطس 1, 2025

Recent Posts

  • حزب “دام بارتي” بشأن لجنة عملية السلام: يجب ألا يقتصر عملها على إلقاء حزب العمال الكوردستاني للسلاح .المصدر:رووداو ديجيتال
  • الحكومة الأميركية: انسحاب قواتنا صعّد التوترات بين قسد والقبائل العربية..المصدر:رووداو ديجيتال
  • توقيع تركيا على «إعلان نيويورك»: المقاومة محلّ إدانة.. د. محمد نور الدين. المصدر : صفحة الكاتب
  • احتجاجات في السويداء تطالب بإخراج القوات الحكومية رفع متظاهرون لافتات تدعو إلى فتح ممر إنساني مع الأردن..المصدر: اندبندنت عربية
  • الجيش الإسرائيلي يقلّص قواته في غزة كموقف ضد سياسة حكومة نتنياهو.تل أبيب: نظير مجلي..المصدر : الشرق الاوسط

Recent Comments

  1. Boyarka-Inform.Com على قمة دولية في مصر حول القضية الفلسطينية السبت. الشرق الاوسط

Archives

  • أغسطس 2025
  • يوليو 2025
  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • حزب “دام بارتي” بشأن لجنة عملية السلام: يجب ألا يقتصر عملها على إلقاء حزب العمال الكوردستاني للسلاح .المصدر:رووداو ديجيتال
  • الحكومة الأميركية: انسحاب قواتنا صعّد التوترات بين قسد والقبائل العربية..المصدر:رووداو ديجيتال
  • توقيع تركيا على «إعلان نيويورك»: المقاومة محلّ إدانة.. د. محمد نور الدين. المصدر : صفحة الكاتب
  • احتجاجات في السويداء تطالب بإخراج القوات الحكومية رفع متظاهرون لافتات تدعو إلى فتح ممر إنساني مع الأردن..المصدر: اندبندنت عربية
  • الجيش الإسرائيلي يقلّص قواته في غزة كموقف ضد سياسة حكومة نتنياهو.تل أبيب: نظير مجلي..المصدر : الشرق الاوسط

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

You may have missed

  • الأخبار

حزب “دام بارتي” بشأن لجنة عملية السلام: يجب ألا يقتصر عملها على إلقاء حزب العمال الكوردستاني للسلاح .المصدر:رووداو ديجيتال

khalil المحرر أغسطس 1, 2025
  • الأخبار

الحكومة الأميركية: انسحاب قواتنا صعّد التوترات بين قسد والقبائل العربية..المصدر:رووداو ديجيتال

khalil المحرر أغسطس 1, 2025
  • مقالات رأي

توقيع تركيا على «إعلان نيويورك»: المقاومة محلّ إدانة.. د. محمد نور الدين. المصدر : صفحة الكاتب

khalil المحرر أغسطس 1, 2025
  • الأخبار

احتجاجات في السويداء تطالب بإخراج القوات الحكومية رفع متظاهرون لافتات تدعو إلى فتح ممر إنساني مع الأردن..المصدر: اندبندنت عربية

khalil المحرر أغسطس 1, 2025
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.