تغطي الصحافة الإيرانية هذه الأيام باهتمام إمكانية إعادة فرض كل العقوبات الدولية على البلاد (آلية الزناد) في حال فشل المفاوضات بين إيران والترويكا الأوروبية مع نهاية شهر أغسطس/آب كما هدد الأوروبيون.
وبهذا الصدد نشرت صحيفة “اطلاعات” الإيرانية حوارا مع المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية إبراهيم رضايي في عددها الصادر 29 يوليو/تموز وذلك بالتزامن مع “التهديدات الدولية المتزايدة على إيران”، حسب الصحيفة التي رأت أن “سبب التهديدات الأوروبية الأخيرة بشأن تفعيل آلية الزناد وتشويه سمعة الجمهورية الأسلامية هو صمود إيران والشعب الإيراني في حرب الـ12 يوما على إيران”.
وقال رضايي إن “الإدارة الأميركية والأوروبيين يحاولون فرض قيود كبيرة على البرنامج النووي الإيراني. قالت إيران مرارا إن برنامجها النووي سلمي. إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأوروبيين يعلمون أن إيران لم تنتهك التزاماتها.. يجب على كل الأطراف التي تهدد إيران بتفعيل آلية الزناد أن تتوقف عن التهديد وأن تحترم حقوق إيران وشعبها من أجل إزالة الخلافات الدولية. لن نصل إلى أي نتيجة من خلال سياسة إطلاق التهديدات والدعوة إلى المفاوضات في آن واحد”.
وأضاف: “يجب أن يعلم الأوروبيون بأن إيران ستعمل على إقصائهم من الملف النووي بشكل كامل في حال قامت الدول الأوروبية بتفعيل آلية الزناد ضد إيران مما سيكلف أوروبا ثمنا باهظا”.
وتابع رضايي حول التكهنات بشأن استئناف المفاوضات بين إيران والإدارة الأميركية “تجري الجمهورية الإسلامية المفاوضات مع دول أخرى بشرط أن لا يكون كل شيء أحادي الجانب وأن لا يتم تجاهل مصالحنا بحجج واهية. إذا أرادت الولايات المتحدة الحوار مع إيران فعليها إلغاء العقوبات والتنديد بالهجوم الذي شنه الكيان الصهيوني على إيران وإعطاء ضمانات بأن إيران لن تتعرض للهجوم العسكري مرة أخرى. إذا قبلت واشنطن هذه الشروط سنعلن استعدادنا للمفاوضات”.
سيكون تفعيل آلية الزناد سلاحا ذا حدين ويؤدي إلى خسارة أوروبا مصداقيتها الأخلاقية وعلاقاتها مع إيران وتعريض إيران إلى ضغوط اقتصادية هائلة
وقالت صحيفة “وطن إمروز” في مقالها الافتتاحي بعنوان “بوميرانغ سناب باك” بقلم رضا رحمتي في عددها الصادر 22 يوليو بأن “إيران ستواجه خلال الأيام والأشهر القادمة ضغوطا دولية هائلة سواء تم تفعيل آلية الزناد أم لا. تشير المؤشرات بأن آلية الزناد سيتم تفعليها. ما يبدو واضحا الآن أن الأوروبيين والإدارة الأميركية يبذلون كل جهدهم لخلق مآزق اقتصادية لإيران”.
أ.ف.بأ.ف.ب
رجل إيراني يقرأ صحيفة في أحد شوارع طهران في 12 أبريل 2025، وتصدرت الصفحة الأولى منها خبر بدء المحادثات الإيرانية الأميركية حول البرنامج النووي الإيراني في عمان في اليوم نفسه
وأضاف: “إن العلاقات الإيرانية الأوروبية ستتغير في حال تفعيل آلية الزناد وعودة العقوبات على إيران. صحيح أن الولايات المتحدة لا تستطيع تفعيل هذه الآلية بسبب انسحابها من الاتفاق النووي غير أن الترويكا الأوروبية تستطيع ذلك وأن العقوبات لا يمكن إلغاؤها بسهولة بعد ذلك بسبب حضور الولايات المتحدة في مجلس الأمن وتمتعها بحق الفيتو. وبالتالي سيكون تفعيل آلية الزناد سلاحا ذا حدين ويؤدي إلى خسارة أوروبا مصداقيتها الأخلاقية وعلاقاتها مع إيران وتعريض إيران إلى ضغوط اقتصادية هائلة”.
على إيران العمل على مكافحة العقوبات بإضعاف مكانة الأوروبيين من خلال إنشاء تحالف دولي مع روسيا والصين خاصة في المجالات الاقتصادية
وتابعت “وطن إمروز”: “إذا تم تفعيل آلية الزناد فإن إيران تعتبر أن أوروبا طرف غير موثوق به. وإذا تمت إعادة فرض كل العقوبات فإن دوافع إيران للمفاوضات تتقلص أو تزول لأن أوروبا لن يكون لديها أية امتيازات لتقدمها لإيران أثناء المفاوضات. قد يؤدي هذا السيناريو إلى تعزيز التعاون الإيراني مع روسيا والصين اللتين ستدعمان إيران في مجلس الأمن. وتسعى إيران بالفعل إلى تعزيز تعاونها الاستراتيجي مع الصين خاصة بعد الهجوم الإسرائيلي الأميركي على البلاد”.
وفي حال تم تفعيل آلية الزناد تقترح “وطن إمروز”: “يجب على إيران العمل على مكافحة العقوبات بإضعاف مكانة الأوروبيين من خلال إنشاء تحالف دولي مع روسيا والصين خاصة في المجالات الاقتصادية. يجب على إيران أن تكسب دعم الصين وروسيا للاستفادة من حق النقض الذي يتمتع به هذان البلدان في مجلس الأمن لقطع الطريق أمام أية عقوبات جديدة أو قرارات مناهضة لإيران”.
ويرى كاتب المقال أن إيران قادرة على اتخاذ تدابير اقتصادية في حال تفعيل آلية الزناد على غرار تعزيز التجارة غير الدولارية كخطوة رئيسة في الحرب الاقتصادية الغربية ضد إيران ودعم التحالفات الدولية الجديدة للقوى الصاعدة على غرار الهند والصين وروسيا والبرازيل. يجب على إيران العمل على الالتفاف على العقوبات المصرفية التي يضعها الطرف الأوروبي وتعزيز المبادلات التجارية وصادراتها غير النفطية إلى الأسواق الآسيوية والأفريقية للتقليل من تداعيات العقوبات”.
وأضاف: “تستمر إيران في برنامجها النووي كأداة ضغط على أوروبا والحفاظ على عدم الشفافية والإبهام النووي من خلال الحد من زيارة مفتشي الوكالة الذرية وتعزيز التعاون العسكري والأمني مع روسيا والصين”.
آلية الزناد في الوقت الحالي ليست أداة قانونية فقط بل هي أداة متعددة الجوانب لممارسة الضغوط الذكية وتشكيل ائتلاف دولي مناهض لإيران
ویرى كامران يكانكي في مقال له بعنوان “آلية الزناد: تهديد أوروبي أم فرصة لإيران؟”، في موقع “دبلوماسي إيراني” في 29 يوليو أن “تفعيل آلية الزناد ليس نهاية الطريق بل هي نقطة انطلاق لإعادة تعريف الاستراتيجيات وبناء مستقبل أكثر استدامة وأكثر قوة لإيران في ظل الظروف المعقدة في الشرق الأوسط”.
وقال: “ليست آلية الزناد أداة قانونية فقط بل هي تعبير عن صراع المصالح والإرادات والسيناريوهات بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة. السؤال الأساسي هو: هل آلية الزناد تمثل تهديدا لإيران أم فرصة لإعادة التفكير في الاستراتيجيات والتطورات في السياسات النووية والدبلوماسية الإقليمية؟”.
أ.ف.بأ.ف.ب
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يلتقي جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، في مقر وزارة الخارجية في العاصمة الإيرانية طهران في 25 يونيو 2022
وأضاف: “لقد أثبتت التجارب أن العقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة على البلاد خلال العقد الأخير بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي أداة للضغط على إيران بهدف تغيير سلوكها النووي وسياساتها في المنطقة. لقد تعلمت إيران الدرس وهو أن آليات العقوبات بالرغم من صعوباتها وتحدياتها فإنها لن تقيد إيران بل تشكل نقطة انطلاق لتعزيز الاكتفاء الذاتي وإعادة تعريف الاستراتيجيات”.
وترى محللة الشؤون السياسية والدولية معصومة عليانبور، في مقال لها بعنوان “آلية الزناد: إيران بين مفترق طرق استراتيجي” في موقع “دبلوماسي إيراني” أن “آلية الزناد في الوقت الحالي ليست أداة قانونية فقط بل هي أداة متعددة الجوانب لممارسة الضغوط الذكية وتشكيل ائتلاف دولي مناهض لإيران مما قد يرجعنا إلى التوتر الذي كان سائدا قبل الاتفاق النووي الموقع عام 2015. هذه الآلية ستقوض شرعية إيران الدولية وتعزز إمكانية تدخلات سياسية وأمنية جديدة للدول المعادية. يؤدي تجاهل هذا المسار إلى حلقة من العقوبات القاسية وعزلة وأزمة لا تستطيع إيران الخروج منها في الأمد المتوسط”.