لا يبدو أنّ التّصلّب الذي تُبديه إيران في لبنان عبر الإيعاز إلى “الحزبِ” بالتّمسّك بسلاحه ينسحبُ على موقفها في العراق. تشير معلومات “أساس” إلى أنّ قائد قوّة القُدسِ في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ إسماعيل قاآني زارَ بلاد الرّافديْن مرّتيْن بعيداً عن الإعلام في الأسبوعيْن الأخيريْن.
كانت الزّيارة الأولى منتصف شهر تمّوز الجاري، حيثُ التقى قاآني مسؤولين حكوميين عراقيين وقادة من فصائل الحشد الشّعبيّ، ونقلَ إليهم رسائلَ تحذيريّة حصلَت عليها استخبارات الحرس الثّوريّ عن نيّة إسرائيل استهداف قواعدَ ومخازنَ ومقارَّ للميليشيات الموالية لإيران. التحذيرات التي نقلها قاآني شمَلَت “كتائب حزب الله العراقيّ” و”عصائب أهل الحقّ” و”حركة النّجباء”.
ماذا طلبَ قاآني؟
طلبَ قاآني من قادة الفصائل المذكورة اتّخاذ احتياطاتٍ خشية تعرّضهم للاغتيال، وذلكَ على إثر التّوتّر المُتصاعِد مجدّداً بين إيران من جهة وإسرائيل ومن خلفها الولايات المُتّحدة من جهةٍ أخرى.
أبلغَ قاآني الشّخصيّات التي التقاها أنّ إيران لن تتدخّل بشكلٍ مباشر في حال تعرّض أذرعها للاستهداف الإسرائيليّ – الأميركيّ، مشدّداً على عدم إعطاء أيّ ذريعةٍ لإسرائيل أو أميركا لاستهدافهم.
نبّه إلى ضرورة تجنّب الاجتماعات المُوسّعة والابتعاد قدر الإمكان عن مستودعات الذّخائر والقواعد العسكريّة وقواعد التّدريب التّابعة للفصائل المذكورة.
تشير معلومات “أساس” إلى أنّ قائد قوّة القُدسِ في الحرس الثّوريّ الإيرانيّ إسماعيل قاآني زارَ بلاد الرّافديْن مرّتيْن بعيداً عن الإعلام في الأسبوعيْن الأخيريْن
الزّيارة الثانية حصلت يومَ الأحد الماضي، وذلكَ بعد الاشتباكات التي وقَعَت بين قوّات الأمن العراقيّة الثانية ومجموعات تابعة لـ”كتائب حزب الله العراقيّ” في منطقة الدّورة جنوب بغداد، والتي نجمَ عنها مقتل عنصر أمنيّ وآخر مدنيّ، وأدّت إلى اعتقال 15 شخصاً من اللواءَيْن “45” و”46″ من ميليشيات “الحشد الشّعبيّ” اللذين يتبعان كتائب “حزب الله العراقيّ”.
قاآني خلال الزيارة الثانية أكّد للمسؤولين السياسيّين والأمنيّين العراقيّين أربع نقاط:
1- دعمَ إيران لاستقرار العراق ودعم الحكومة العراقيّة في رؤيتها الرّامية لحصر السّلاح بيدِ الدّولة.
2- طلبَ من الفصائل الموالية للحرس الثّوريّ أن لا تدخل في أيّ اشتباكٍ أو صِدَام مع قوّات الأمن العراقيّة.
3- تجنّب استهداف إقليم كردستان العراق، الذي كانت الميليشيات تُطلق الطّائرات المُسيّرة خلال الايّام الماضية تجاه أهدافٍ في منطقتَيْ كركوك وإربيل.
4- حمل رسالةً لقادة أحزاب وتيّارات “الإطار التّنسيقي” عن أهميّة تجنّب الخلاف الشّيعيّ – الشّيعيّ بعد تصاعد التّوتّر في الأشهر الأخيرة بين قادة “الإطار” على إثر الانقسام في الرّأيّ حولَ دعم حكومة الرّئيس محمّد شيّاع السّودانيّ.
ملفّ “الحزبِ” لدى إيران
في لبنان لا تُبدي إيران الليونةَ نفسها التي عبّرَ عنها إسماعيل قاآني في العراق. يكشفُ مصدرٌ دبلوماسيّ غربيّ لـ”أساس” أنّ سفير إيران لدى لبنان مجتبى أماني كانَ يتولّى تنسيق الرّدّ باسمِ “الحزبِ” على المُقترحات التي حملَها المبعوث الأميركيّ توم بارّاك.
يعزو المصدر تدخّل السّفير أماني، ومن خلفه مساعد وزير الخارجيّة الإيرانيّ محمّد رضا شيبانيّ إلى الآتي:
أدّى اغتيال الأمينَيْن العامّيْن السّابقَيْن لـ”الحزبِ” حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدّين إلى زعزعة سياسة اتّخاذ القرار في “الحزبِ”.
تدخلُ في الإطار نفسه الاغتيالات التي طالت قادةً عسكريّين من أعضاء المجلس الجهاديّ، والتي تنعكسُ على أداء “الحزبِ” في الاجتماعات وتُصعّب اتّخاذ القرارات. إضافة إلى أنّ الشّخصيّات التي برزَت في المجلس الجهاديّ أخيراً تُعتبرُ أكثرَ تشدّداً من القادة الذين تعرّضوا للاغتيال مثل فؤاد شُكر وإبراهيم عقيل وغيرهما.
نتَجَ عن الاغتيالات الإسرائيليّة في إيران مقتل عدد من قادة الحرس الثّوريّ وفيلق القدس الذين يُعدّون من أصحابِ القرار في ملفّ “الحزبِ” مثل مسؤول ملفّ فلسطين في فيلق القدس محمد سعيد إيزادي (الحاج رمضان)، الذي تولّى مسؤوليّات تتعلّق بملفّ “الحزبِ” بعد اغتيال العميد محمّد رضا زاهديّ في القنصليّة الإيرانيّة في دمشق في نيسان 2024، والعميد عبّاس نيلفروشان الذي اغتيلَ مع نصرالله في 27 أيلول 2024.
يكشفُ مصدرٌ دبلوماسيّ غربيّ لـ”أساس” أنّ سفير إيران لدى لبنان مجتبى أماني كانَ يتولّى تنسيق الرّدّ باسمِ “الحزبِ” على المُقترحات التي حملَها المبعوث الأميركيّ توم بارّاك
لماذا التّصلّب في لبنان؟
هكذا يُمكنُ القول إنّ ملفّ “الحزبِ” باتَ بالكامل في اليدِ الإيرانيّة. ومن هذا المُنطلق يُمكنُ فهمُ تصلّب “الحزب” في موضوع تسليم السّلاح:
بعد الضّربة الإسرائيليّة – الأميركيّة ضدّ إيران، طلبَت إيران من قيادة “الحزبِ” عدم إبداء أيّ ليونة في ملفّ السّلاح.
أدّى توقّف المفاوضات الإيرانيّة – الأميركيّة إلى اتّخاذ إيران ما يُمكنُ تسميتهُ “خطواتٍ احترازيّة” للحفاظ على واحدةٍ من أهمّ أوراق القوّة لدى القيادة في طهران، وهي “الحزب”، وذلكَ بانتظار مصير عودة المفاوضات النّوويّة.
بُعد لبنان الجغرافيّ عن إيران. وهذا يُحتّم على القيادة الإيرانيّة التراخي في بلاد الرّافديْن المجاورة لحدودها في مقابل التّشدّد في لبنان البعيد عن الجغرافيا الإيرانيّة، والذي انقطعَ خطّ تواصله البرّيّ معها بعد سقوط نظام بشّار الأسد وخروج الحرس الثّوريّ والميليشيات الإيرانيّة من سوريا.
عودة التّوتّر بين “الحزبِ” وإسرائيل يُبعدُ أو يُؤجّل إمكان تعرّض إيران لضربةٍ جديدة، إلى حين محاولتها إعادة تنظيم وبناء دفاعاتها الجوّيّة والمنظومة الصّاروخيّة التي تعرّضت لضربات قاسية في الحرب الإسرائيليّة الأخيرة.
إقرأ أيضاً: “مارشال” سعوديّة: دمشق تنضمّ لرؤية بن سلمان
انعكسَت الأوامر الإيرانيّة على ألسنة مسؤولي “الحزبِ” في لبنان، وفي مُقدّمهم أمينه العامّ الشّيخ نعيم قاسم، وبعض النّوّاب وأعضاء المكتب السّياسيّ. وعلى الرّغم من أنّ قيادة “الحزبِ” على علمٍ تامٍّ بالتحذيرات الغربيّة التي تصلُ إلى لبنان من إمكان أن تستهدفَ إسرائيل الضّاحية الجنوبيّة وبعض مناطق العاصمة بيروت وتكثيف الضّربات بقاعاً وجنوباً، إلّا أنّ الكلمة الفصل من إيران هي التّشدّد في لبنان.
لا يُمكن الرّهان على “عقلانيّة” إسرائيليّة، فرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يواجه ضغطاً غربيّاً غير مسبوقٍ في ما يتّصل بالوضع الإنسانيّ في غزّة. يُضاف إلى ذلكَ نشوته في الهيمنة الأمنيّة على حوضِ المُتوسّط وصولاً إلى إيران. ومن ضمن ذلكَ إنزالات جويّة قامَ بها الإسرائيليّون بعيداً عن الأضواء على السّلسلتَيْن الشّرقيّة والغربيّة للبنان للبحثِ عن مخازنَ ومصانع الصّواريخ والمُسيّرات. والخشية أن تنتقلَ هذه التحرّكات من عنوان “العمليّات الخاصّة” إلى “العمليّات الجويّة العسكريّة العلنيّة”.