تراجعت أعداد النازحين في قاعدة حميميم العسكرية الروسية من قرى الساحل السوري، مع مغادرة مزيد من العائلات التي لجأت إلى القاعدة خلال شهر مارس/ آذار الماضي، بعد أحداث عنف طائفية واشتباكات.
ساهمت الأوضاع المستقرة نسبياً التي تعيشها مناطق الساحل السوري في عودة مزيد من العائلات النازحة إلى قراها، خصوصاً في ريف مدينة جبلة، لتنخفض أعداد النازحين في قاعدة حميميم العسكرية الروسية من نحو عشرة آلاف نازح إلى بضع مئات في الوقت الحالي. ويقول مدير منطقة جبلة أمجد سلطان، لـ”العربي الجديد”: “بعد جهود الحكومة في فرض الاستقرار، خرج معظم النازحين في قاعدة حميميم، لكن خلال الأيام الأخيرة لم تخرج أي دفعات جديدة من النازحين إلى القاعدة. الأعداد الموجودة في القاعدة وفق الطرف الروسي باتت محدودة، وأرجح أن معظمهم مطلوبون شاركوا في القتال مع فلول النظام السابق، أو متورطون في جرائم قتل”. يضيف سلطان: “ملف النازحين إلى قاعدة حميميم أغلق بالنسبة للحكومة السورية، ولم نعد نبذل أي جهد في هذا الملف. كل من يريد الخروج والعيش في مجتمعه مرحب به ما لم تتلطخ يداه بالدماء”.
في سياق متصل، أكدت مصادر محلية متابعة لملف النازحين من جبلة، لـ”العربي الجديد”، أن جميع العائلات التي كانت تقيم في حرم المطار المدني تم إخراجها من القاعدة بالتنسيق بين الجانبين السوري والروسي، ونقل أفرادها إلى المجمع الحكومي في مدينة جبلة قبل نحو أسبوع لتسوية أوضاعهم، ومنحت هويات مدنية لمن فقدوها، ومن ثم نقلوا إلى منازلهم أو مناطقهم، بينما بقي أقل من 100 شخص في حرم المطار العسكري، معظمهم ضباط سابقون في جيش النظام السابق، وهؤلاء يتم نقلهم تدريجياً إلى روسيا مقابل دفعهم أموالاً تصل إلى 20 ألف دولار أميركي.
وأقرت وسائل إعلام روسية، قبل أشهر، بنقل الجيش الروسي نحو 50 سورياً من قاعدة حميميم إلى إقليم “بيرم” الروسي، حيث جرى تجهيز مركز إقامة مؤقت لاستقبالهم، وذلك عقب عملية إجلاء نُفذت من القاعدة، بناءً على طلب رسمي تقدم به هؤلاء للحصول على الحماية الروسية. ووفق وكالة نوفوستي، فإنهم من الضباط والأفراد في قوات النظام السوري السابق.
من قرية الرميلة القريبة من قاعدة حميميم، تقول روان محمد (35 سنة)، لـ”العربي الجديد”: “جميع الخيام التي أقيمت في القاعدة أزيلت، وخرجت آخر العائلات في حافلات نقل مدنية. نزحت إلى القاعدة مع آخرين، وخرجت قبل نحو ثلاثة أشهر. ظروف النزوح في القاعدة كانت سيئة، وكنا نعيش في خيام قماشية بالكاد تتسع لشخصين، كما أن المساعدات كانت شحيحة، ما دفع كثيرين إلى المغادرة تباعاً”. وحول وضع العائدين من القاعدة وهل تعرضوا لأي مضايقات أمنية بعد خروجهم، تؤكد محمد أنها وعائلتها لم يتعرضوا لأي مضايقات، لكنها لا تعرف أوضاع بقية العائلات، وتطالب بإعادة ترميم منزلها المدمر في الأحداث، والذي تعرض للحرق والنهب.
بعد نحو خمسة أشهر على مغادرة منزله في قرية حميميم المجاورة للقاعدة، وفقد شقيقه في الاشتباكات، عاد السوري حسن إلى منزله، ويقول لـ”العربي الجديد”: “فضلت الخروج من القاعدة مع الكثير من العائلات بعدما تحسنت الأوضاع الأمنية. عشنا كابوساً طوال هذه الأشهر، وظروفاً صعبة نتمنى ألا تتكرر”.
بدوره، يقول الناشط في مجال السلم الأهلي باللاذقية خلدون علي، لـ”العربي الجديد”: “ملف النازحين إلى القاعدة أغلق بشكل شبه كامل بفضل الوساطات، وجرى تأمين وصول النازحين إلى قراهم من دون مشاكل أمنية، في حين بقي عدد محدود من الأشخاص يرفضون الخروج من القاعدة، وينتظرون فرصة السفر وتقديم اللجوء. ينبغي مساعدة النازحين العائدين نفسياً ومادياً لأن معظمهم خسروا ممتلكاتهم في الأحداث، مع ضرورة تعزيز السلم الأهلي في المحافظة التي شهدت أعمال عنف طائفية أودت بحياة العشرات”.
ويؤكد المحامي عبد الله الرشيد، من اللاذقية، أنه “لا بد من اتخاذ خطوات جدية لمنع تكرار أحداث مارس/ آذار المؤسفة، وما تبعها من نزوح ولجوء إلى القاعدة العسكرية الروسية. من الضروري عدم زج المدنيين في أي صراع، أو الانتقام منهم، كما يجب تعزيز خطاب المصالحة، ومساعدة النازحين الذين خرجوا من القاعدة، وتعويضهم عن خسائرهم، وضمان عدم ملاحقتهم مستقبلاً”.
وشهدت مناطق الساحل السوري في مارس الماضي اشتباكات دامية استمرت عدة أيام، على خلفية هجمات شنها مسلحون موالون للنظام السابق على القوات الأمنية، أوقعت العديد من القتلى في صفوفهم، لكنها انتهت باستعادة قوات الحكومة السيطرة على المنطقة بعد عملية أمنية موسعة شاركت فيها “فصائل مسلحة غير منضبطة”، وتخللتها انتهاكات مختلفة، وجرائم قتل، فضلاً عن وقائع سلب وحرق ممتلكات.